مقالات

واشنطن والهندسة السياسية للنظام السوري؟!

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب

قد يستغرب البعض من مصطلح الهندسة السياسية الذي جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكية في حديثه عن العلاقات الامريكية السورية ،والذي قال فيه ” لا نحاول هندسة تغيير للنظام في سوريا لكننا سنطالب بالعدالة للشعب السوري الذي عانى من الأسد ” وقد يرى البعض أن مصطلح الهندسة السياسية على لسان الساسة أمرًا جديدًا أو بدعة؛ فمصطلح الهندسة لم يعد محصورًا في العلوم الطبيعية‏، إنما تعداه الى العلوم الاجتماعية ، ومن ثم إلى العلوم السياسية , حيث ظهر مفهوم الهندسة السياسية ليركز في البداية على حقوق الإنسان والديمقراطية وتصميم النظام السياسي والمؤسسات السياسية‏,، استنادًا إلى أسلوب ومنهجية علمية‏.‏
وتطور هذا المفهوم ليعني أنه علم بناء الدول، أي علم إدارة شؤون الدولة عبر تخطيط شامل للسلطة والمجتمع ،وبناء أو إعادة بناء المؤسسات العامة والخاصة، بما يؤدي إلى انتقال الدولة من التخلف إلى التقدم مع وضع آليات التنمية المستدامة.
الهندسة السياسية؛ تشمل عملية هندسة السياسة الداخلية والخارجية للدولة ،وإعادة تشكيل أو تصميم المؤسسات والآليات القديمة والتقليدية بما يتناسب ومتطلبات العصر وضروريات الحياة، بما ينقلها من وضع دولة ضعيفة أو فاشلة إلى مصاف الدول المتقدمة.
ويتفرع عن الهندسة السياسية عدة فروع منها ” الهندسة الديموقراطية والهندسة الدستورية والهندسة القانونية والهندسة الانتخابية “.
وتقوم الهندسة السياسية على عدة ركائز أساسية ؛وهي ” الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، حرية المبادرة الفردية بما يتوافق مع شرعة حقوق الإنسان، التشاركية السياسة بما يتوافق مع السياسة العالمية.
الهدف من الهندسة السياسية، هو بناء نموذج حكم صالح لكل المجتمعات مهما اختلفت تنمويًا، قيميًا، تاريخيًا، أو اجتماعيًا إما عن طريق عملية اجراء التعديلات اللازمة على الشيء القائم فعلا، أي إحداث الاصلاحات الضرورية على الأجهزة والمؤسسات المختلفة، وترتكز على إنشاء شيء جديد أو أن يبقى على الشيء القديم القائم ولا يزيله من الوجود، بل يقوم بهندسته وإعادة هيكلته وأبنيته بإصلاحها فقط.
النظام السوري منذ نشأته كان عبارة عن ” شركة مساهمة مغفلة دولية ” المؤسسون فيها إسرائيل وشركاؤها والاتحاد السوفياتي ،ثم دخلت إليها في وقت لاحق إلى هذه الشراكة إيران والصين ،وكان حافظ الأسد أهم أعضاء مجلس إدارتها وورثه ابنه بشار ،

يعمل النظام السوري لمصلحة هذه الدول في المنطقة ،ولم يكن الشعب السوري أو العربي يومًا شريكًا ،فيها أو محل اهتمام ، بل على العكس حوّله هؤلاء الشركاء الى سلعة في سوق مصالحهم ، و أدوات لتحقيق أهدافهم حيث كان النظام السوري الأكثر ولاءً للشركاء والأكثر عمالةً ووفاءً لشركائه وبخاصة إسرائيل و إيران و الأكثر حقدًا وإجرامًا على العرب والمسلمين الذي رأيناه منذ حرب 67 و حرب 73 و الحرب العراقية الإيرانية و احداث حماه 1982 و الحرب اللبنانية و الحرب على العراق والخدمات التي قدمها للاستخبارات الامريكية فيما يسمى ملف ” الإرهاب ” ، وأخيرًا حربه على الشعب السوري
لذلك فإنه لا يمكن إسقاط النظام والاطاحة ببشار الأسد من قبل أي من الشركاء بمفرده ،وإنما يحتاج إلى قرار من كافة الشركاء ! لذلك رأينا أن الولايات المتحدة وخلال العشر سنوات الماضية من الثورة لم تصرِّح يومًا أنها تسعى إلى إسقاط نظام الحكم أو الإطاحة ببشار الأسد عن السلطة، وإنما كانت سياستها تقوم على احتواء النظام لتغيير سلوكه فقط عبر الضغوط الاقتصادية، والبيانات الرنانة والتصريحات الجوفاء، التي لم تثمر عن شيء رغم تكرارها على مدى السنوات العشر الماضية، وتبقى الخلافات الروسية الأمريكية حوله خلافات شركاء لا أعداء.
إن الولايات المتحدة و المجتمع الدولي لا يريدان إسقاط النظام ولا الإطاحة ببشار الأسد، وإنما يعملان على هندسة الدولة السورية سياسيًا و من خلال تغيير تركيبة المجتمع السوري وقيمه الأخلاقية و الثقافية والدينية و نظام حكمه و اسسه الدستورية والقانونية ،و فرض مفاهيم ومصطلحات هي من صُلب البنية الأساسية للهندسة السياسية الدولية عبر أدواتها الدولية و السورية من بشار الأسد ونظامه إلى المبعوثين الدوليين والمعارضة السورية ،ولجان التفاوض واللجنة الدستورية وغيرها من الأدوات، و حيث إنه في الأنظمة الدكتاتورية لا يمكن فصل الحاكم عن الدولة ، لان الدولة ومؤسساتها تتحوّل الى مزرعة للحاكم و الشعب يتحول الى أجير و الجيش والامن الى حرّاس , مما يعني ان هندسة الدولة السورية سيؤدي حتما الى هندسة النظام وتأهيل بشار ما لم يتم ابعاده عن السلطة , فإذا نجح هؤلاء فسيتم التعامل مع النظام السوري المحدّث و تأهيله دولياً و شعبياً , وفق قواعد جديدة للعبة وإضافة بعض اللاعبين الجدد ” قد لا يكون بشار الأسد منهم ” إذا ما تطلّبت المحافظة على الشراكة و المصالح المشتركة ذلك .
ويبقى الحديث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان و العدالة ومحاسبة المجرمين وتقديمهم إلى العدالة الدولية حديثًا من أحاديث الهوى ما لم يقترن بخطوات جدية لا سيما و أن كافة مقومات إقامة العدالة متوافرة، فالضحية معروفة والجريمة ثابتة بالأدلة القطعية والمجرم معروف والمحكمة موجودة ” ويبقى قرار إحالة الملف الى المحكمة الجنائية الدولية هو الفيصل بين الصدق والخداع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى