ما زال نشر المغالطات و تداولها والتعامل معها على إنها من المسلمات أو من الحقائق التي تفرض التعامل معها بواقعية، ومنها مغالطة ” الأزمة ” التي يتبناها طيف واسع من المعارضة وهو المصطلح الذي يتمسك به النظام المجرم منذ بداية الثورة بهدف نفي الثورية عن الشعب الذي ثار عليه لاسترداد حقوقه الأساسية المغتصبة ، في الحرية والكرامة و احترام الحريات و ضمان سيادة القانون و ردّ المظالم .
فالأزمة هي مرحلة وسط بين المشكلة والكارثة، فالكارثة تبدأ بمشكلة والمشكلة تتحول إلى أزمة والأزمة إلى كارثة، وهو ما يعيشه الشعب السوري، الكارثة التي أوصله إليها استبداد النظام و بطشه و إجرامه، والتدخل العسكري الأجنبي إلى جانبه ، والتخاذل العربي و الدولي ، وأكملها أداء المعارضة البعيد كل البعد عن الثورة و الحقيقة .
الثورة لم تكن رغبة شخصية او مطالب حزبية او مطالب مجموعات عرقية أو طائفية او مذهبية أو دينية ” ولم تكن تعبيرًا عن مطالب آنية لتحقيق رغباتنا تنتهي بتحقيقها .
المشكلة هي الاختلاف بين ما نرغبه وبين ما هو موجود في أرض الواقع، أو أن يسير أمر ما على غير المعتاد أو على غير ما نألفه، على سبيل المثال ” مشكلة البطالة، او الاحتكار او التنافس الاقتصادي أو مشاكل في الإدارة أو مشاكل ضعف الإمكانيات أو ضعف الأداء في قطاع التعليم او الصحة وغيرها .
إذا لم تتعامل الدولة مع هذه المشاكل بجدية من خلال تحديد الأسباب الحقيقية لها ووضع الحلول المناسبة الكفيلة بالقضاء على أسباب المشكلة، تتحوّل عندئذٍ المشكلة إلى أزمة.
والأزمة هي موقف يهدد بشكل خطير المصالح والأهداف الأساسية للدولة , على مستوى الدولة تتحول المشكلة إلى أزمة عندما ترتفع معدلات الجريمة بين الشباب وينتشر تعاطي المخدرات أو السرقة، وعلى مستوى المؤسسات تتحول المشكلة إلى أزمة عندما تختفي الأرباح وتظهر الخسائر في السوق ،والنظام السوري يتمسّك بهذا المفهوم و يرتكز في ترويجه على عدة مغالطات و افتراءات منها ” المؤامرة الخارجية ، الإرهاب و العصابات الإرهابية ، التمرّد ، تدمير البلاد و الاقتصاد ، استهداف محور المقاومة والممانعة ، استهداف الامن القومي العربي ………. الخ من المصطلحات والمفاهيم البالية.
فالنظام يعتبر الثورة مجرد ” أزمة سياسية إقتصادية أمنية داخلية ” بينه وبين مجموعات من ” المجرمين و الإرهابيين ، الإسلاميين ،الجهاديين ” لا هدف لها سوى تقويض أسس الحكم ونسف مؤسسات الدولة وتخريب البلاد لمصلحة أطراف أجنبية ، وبناء على هذه المعطيات تعامل معها حيث حدد أسبابها ووضع خطط الحلول لها فكان الحل الأمني بدايةً لقمع الثورة حيث اعتقل الاحرار وعذّبهم وغيّبهم في المعتقلات ، ولمّا فشِلَ في إخماد شعلة الثورة لجأ الى الحل العسكري الذي قام على ثلاث ركائز وهي القضاء على الأحرار و حاضنتهم من خلال القصف واستخدام كافة أنواع الأسلحة و ضرب البنى التحتية للمدن الثائرة ،وضرب البنية الاقتصادية لها من خلال تعطيل كل وسائل وأدوات الإنتاج سواء التجارية أو الصناعية أو الزراعية في تلك المناطق , مما حوّل” الأزمة ” إلى حربٍ حقيقية على الشعب السوري أنتجت أعظم وأكبر كارثة إنسانية على مدى التاريخ الإنساني الحديث حيث قضى على ملايين السوريين و شرّد وهجّر اكثر من نصف الشعب و دمّر اكثر من 60% من المدن والقرى , وإنهار الاقتصاد و جاع الشعب و سادت الجريمة و إنتشرت الميليشيات و المرتزقة الأجنبية , و أُطلقت يد الشبيحة والمجرمين وباتوا شركاء في قيادة الدولة و الجيش والامن .
ثورتنا على النظام ليست عملية إحتجاجية أو ردّة فعل على موقف أو سلوك أو ممارسة محددة للنظام، ولم تكن حركة مطلبية ناجمة عن مشكلات دستورية او قانونية او سياسية اقتصادية او اجتماعية أو جندرية منفرده، يمكن حلّها بتوفير الحلول الوسط او التفاوض عليها او قبول الرشوة السياسية او الحزبية .
ثورتنا ثورة شعبية على بنيةٍ متكاملةٍ مترابطةٍ لنظامٍ مستبدٍ دكتاتوريٍ مجرمٍ” بنية سياسية وتنفيذية وتشريعية و دستورية، و عسكرية و أمنية و اقتصادية و إجتماعية، وثقافية، يقودها مجموعة من المجرمين واللصوص والسفّاحين، الطائفيين , والإنتهازيين ، والعملاء قضوا على حضارة شعب ،ودمّروا اقتصاده ،و افقروه ، سلبوا الحريات ، انتهكوا الحقوق ، باعوا الأرض ، و انتهكوا العرض ، واستجلبوا كل مرتزق وكل مجرم من كل اصقاع الدنيا لمواجهة هذا الشعب والحرب عليه والقضاء على ثورته “.
الثورة ليست مشكلة عابرة، وليست أزمة طارئة ، إنها قضية حقوق ومظالم ،قضية استبداد وحريات ، قضية كرامة ، لا حلَ لها إلا التغيير الجذري للمنظومة الاجرامية القائمة التي استولت على السلطة واغتصبتها رغماً عن إرادة الشعب ،و إن أي حلول غير ذلك سواء كانت قائمة على الشراكة او المحاصصة او تقاسم السلطة ،إنما هي حلول تُكرّس وجود هذه الطغمة المجرمة ، وتُطيل أمدَ الحرب ، و تُكبِّد الشعب مزيداً من الدماء و الدمار و التهجير و التشريد .
وعليه فإن من يتعامل مع الثورة على أنها مُشكِلة عابرة ، أو أزمة طارئة هو” المأزوم ” فهو إما أنه لم يفهم معنى الثورة ولم يؤمن بها ، وإما مٌخادِع و مُضلِّل , و هذا إن لم يكن في خانة أعداء الثورة ، فهو في خانة المتسلقين والانتهازيين ، ولن تصلح ثورة أو تنتصر حينما يقودها مُضلِّل او يًنظِّر لها إنتهازي .الثورة تحتاج إلى رجال صِدقٍ و إخلاصٍ وتضحيةٍ ، لا طُلاّب سلطةٍ و مكاسبٍ ، يتعاملون مع المجرمين المستبدّين على أنهم أعداء و ليسوا شركاء و المأزوم مهزوم لا سهم له لا في العير ولا في النفير .
