مقالات

الحوثيون وأوهام الكرامات!

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب

ظل الحوثيون يكذبون ويكذبون حتى صدقوا أنفسهم، معتقدين أنهم قوة لا تقهر، وأنهم هزموا بالفعل تحالفاً دوليا يتكون من بضع عشرة دولة، وعززت بعض الدول هذا الوهم عبر دعمهم بطرق ماكرة جعلت الساذجين منهم يعتقدون أن يد الله تدخلت بجانبهم وأنهم مؤيدون من الله بكرامات عديدة، ومن ثم فإنهم سيسيطرون على أرجاء اليمن ويدخلون مكة والمدينة فاتحين ويقومون بغزو العالم!

ومن تلك الأمور التي اعتبرها ساذجو الحوثي كرامات، وصول أسلحة متطورة إلى أيديهم بطريقة مفاجئة، مثل الأسلحة الخاصة بمحاربة الإرهاب التي أعطتها أمريكا أيام صالح للحرس الجمهوري والقوات الخاصة من أجل محاربة القاعدة، لكن الخبراء الأمريكان الذين كانوا يشرفون عليها سهلوا وصولها بطريقة ماكرة للحوثيين، وأعلنوا أن آخر دفعة منها، وكانت قيمتها خمسمائة مليون دولار، قد فقدت من المخازن، وليس ذلك بغريب على الأمريكان فقد أنزلوا شحنة أسلحة متطورة لداعش في العراق، وحينما كشفت بعض وسائل الإعلام الغربية هذه الفضيحة، قالوا إنها كانت مخصصة للأكراد لكنها أنزلت بالغلط في مناطق سيطرة داعش، مع العلم أن المسافة بعيدة جدا بين الطرفين ولم يكونوا في حالة التحام عند إنزال الأسلحة!

وظلت الإمارات العربية المتحدة تقتل الجيش الوطني كلما تقدم على الحوثيين، من خلال ضربات موجعة قتلت المئات من الضباط والجنود بجانب الخسائر المعنوية، وفي هذا السياق سُجلت عشرات الضربات الموجعة للجيش الوطني بنيران صديقة من قبل التحالف، وبعد إنكار تم الاعتراف ببعض تلك الضربات على أنها ضربات خاطئة، هذا بجانب شراء الولاءات ونشر الفتن بين قادة ألوية الجيش ومحاولة تشكيل مليشيات داخل الجيش الوطني تدين بالولاء للإمارات، ولا بد أن الحوثيين الذين لا يعرفون حقيقة اللعبة التي حيكت ضد الجيش قد اعتقدوا بأن هذه كرامة من كرامات السيد القائد حفيد النبي صلى الله عليه وسلم وقرين القرآن!

وقامت أمريكا بشن ضربات جوية على مجاميع من المقاومة الشعبية مرات عديدة وخاصة حينما كانت تميل الكفة لصالحهم ضد الحوثيين، كما حدث في البيضاء ومأرب، في بداية حرب التحرير، ومن المؤكد أن الحمقى الحوثيين سيعتبرون ذلك تأييدا سماويا وكرامة لقيادتهم المعصومة، فقد سخر لهم اللهُ الشيطانَ الأكبر كي يساعدهم في قتل الشياطين الصغار !

وفي المحافل الدولية كان الانحياز الغربي واضحا للميليشيات الإرهابية التي انقلبت ضد السلطة المعترف بها من كل العالم، أما قرار مجلس الأمن رقم ٢٢١٦ فقد تم تمريره في البدء إرضاء للسعودية وما تقدمه من حوافز اقتصادية ضخمة، وكما اعترف المبعوث الأممي جمال بن عمر فقد وقع ذلك القرار نتيجة اعتقاد الدول الغربية بأن روسيا ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضده!
وقد ظلت المواقف الغربية، حكومات ومنظمات، تنحاز بطرق ماكرة لصالح المليشيات الانقلابية حتى بالدعم الإنساني، حيث استمرت الرحلات الجوية تصل إلى مطار صنعاء محملة بالدعم بمعدل طائرتين إلى أربع طائرات أممية يوميا، بينما لا يصل إلى مناطق الشرعية إلا الفتات مما يأتي من صنعاء، وتم تدليل قادة المليشيات وجرحاها عبر نقلهم بطائرات أممية إلى عُمان والأردن للعلاج، وإلى العواصم التي تجري فيها المفاوضات العلنية والسرية، فهل سيقول الحوثيون إن هذه علامة على خدمة جماعتهم للأجندة الغربية في المنطقة؟ بالتأكيد سيذهب أغلبهم في تفسير هذا الأمر بالهروب من عالم الواقع إلى الغيب والحديث عن كرامة ابن بنت النبي!

ورغم دفع السعودية لأمريكا حتى تقف معها في حربها، ورغم إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن وقوفها مع السعودية، عبر رفدها بمعلومات دقيقة من خلال أقمارها الصناعية التي قيل إنها تستطيع رؤية تفاصيل وجه الإنسان، فقد استمر استهداف مصالح سعودية استراتيجية في مدن ومناطق بعيدة بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة حديثة، ولم تقدم أمريكا إلى الآن معلومة صحيحة وواضحة للسعودية حول هوية من يضرب منشآتها الحيوية، مما جعل استهدافها يتواصل بوتيرة أعلى وفاعلية أكبر، وفي ذات الوقت تستلم سفن أمريكا الحربية مقابل انخراطها في حراسة السواحل اليمنية حتى لا تنفذ إليها الأسلحة الإيرانية، ومع ذلك ظلت الأسلحة تصل بصورة منتظمة طيلة ست سنوات، بل تشهد الوقائع بأن المليشيات ظلت تحصل على أسلحة أكثر تطورا بين الحين والآخر!
فهل سيتشكك الحوثيون في حقيقة شعارات جماعتهم التي تتواصل منادية بالموت لأمريكا والموت لإسرائيل؟ بل هل سيستنبطون إمكانية وجود مؤامرة لشغل العرب المسلمين في الجزيرة العربية ببعضهم؟ ربما وصل بعض العقلاء من قياداتهم إلى هذا الاستنتاج فتمت تصفيتهم، لكن الأغلبية -على الأقل- ظلت منساقة مع ثقافة القطيع، ودائما عندها إجابة سهلة: إنها كرامات السيد القائد وخوارق قرين القرآن!

وظل علي عبدالله صالح يرقص على رؤوس الثعابين الحوثية بعد أن جلبها من كهوف صعدة للانتقام من الثورة السلمية التي خرجت تطالب برحيله بصدور عارية، بعد أن استفحل الفساد ورفض صالح كل محاولة لإصلاح الأوضاع وكبح جماح المفسدين، ولما كان من الذكاء والخبرة بمكان فقد اعتقد بأنه سيوظف المليشيات الحوثية لضرب خصومه السياسيين ثم سيتخلص منها بما يمتلك من دهاء وأموال وأتباع وأسلحة.
ولأن خطيئاته كانت قد أحاطت به؛ فلم يسمح له غروره بإدراك الخطر الماحق الذي تمثله مليشيات عقائدية دموية تعتقد أن قائدها معصوم وأن كل من يختلف معها حلال الدم والمال والعرض؛ ولذلك فقد انقلب سحره عليه ولم تنجح انتفاضته، وتم قتله بطريقة بشعة، فهل رأى الحوثيون مكر صالح وهو يمهد طريقهم ويجعل المعسكرات والمؤسسات تسقط أمامهم في كل المحافظات؟ وهل سيقولون بأن مظالم ثلاثة عقود قد اجتمعت عليه ومنعته من الانتصار عليهم رغم حنكته وامتلاكه لكل مقومات القوة؟ بالتأكيد أنهم لن يروا شيئا من ذلك وسيذهبون لتفسير ما حدث بالقوة الخارقة التي يملكها السوبر مان القائد!
هذه نماذج من الأوهام التي يبدو أنها سيطرت على عقول قادة الحوثيين، وجعلتهم يعتقدون أن السماء ستقف معهم في حربهم ضد من يختلف معهم في أرض اليمن والجزيرة العربية، واعدين (الأتباع) بأن الله سيمنحهم التمكين في الأرض كلها، ولا سيما بعد أن زعم لهم شيعة إيران والعراق بأن هناك نبوأة عندهم بخروج قائد من اليمن يفتح الله على يديه كثيرا من البلدان!
ولأن عامة الحوثيين يعيشون أوهام الكرامات وترافقهم موجة من التغطية الإعلامية الكثيفة في هذا السياق؛ فقد أصبحت عندهم قابلية لتصديق أكبر الخرافات؛ حتى أن أحدا منهم لم يستغرب قيام إحدى قنواتهم الفضائية بإجراء مقابلة مع أحد مقاتليهم، حيث زعم أنه قُتل وقبر وعاد إلى الحياة بعد يومين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى