منوعات

البطل الشهيد الصيدلي الشاب “إبراهيم ناصف الورداني”: قولوا لعين الشمس ما تحماشي .. أحسن غزال البر صابح ماشي

أ.د. أحمد رشاد

أكاديمي مصري
عرض مقالات الكاتب

أغنية ألفها المصريون وأنشدوها في كل ربوع مصر صبيحة اليوم الذي نفذ فيه حكم الإعدام للصيدلي الشاب “إبراهيم ناصف الورداني” الذي ولد عام 1886م وتوفي بعد تنفيذ حكم الإعدام عليه عن عمر يناهز الرابعة والعشرين. فمن هو ذاك يا ترى، حبيب قلوب المصريين؟! ومن هذا الذي ألفت له الأغاني يوم رحيله؟!

لقد وصل انبهار المصريون به وتعظيمهم لشأنه لدرجة جعلتهم يطلقون عليه لقب: غزال البر، وأصدرت الحكومة المصرية وقتها قراراً يحرم على أي مصري الاحتفاظ بصورة الورداني في منزله، وظل القرار ساريا إلى عام 1952.

أنه البطل المصري الذي قام باغتيال “بطرس غالي” في الواحدة بعد ظهر يوم 20 فبراير 1910م بطرس نيروز غالي ذلك القاض الخائن، رئيس محكمة دنشواي.
وهي المحكمة التي انعقدت للنظر في قضية وفاة أحد الضباط الإنجليز، بعد ان خرج هو وعدد من ضباط الجيش الإنجليزي لاصطياد الحمام في قرية دنشواي؛ فأصيبت إحدى السيدات المصريات بعيار ناري، فقتلت في التو واللحظة واحترق أحد الأماكن التي يتم فيها تخزين القمح، فاستشاط أهالي القرية غضبا وهاجموا هؤلاء الإنجليز، ففر البعض وتوفي أحدهم من تأثير ضربة شمس، فعقد الإنجليز هذه المحاكمة لعدد من أهالي القرية، ورأس المحكمة بطرس غالي باعتباره قائما بأعمال نظارة الحقانية في (23 نوفمبر 1906م)، وقضت بالإعدام شنقا لأربعة من الأهالي، وبالأشغال الشاقة مددا مختلفة لعدد آخر، وبالجلد خمسين جلدة على آخرين، وتم تنفيذ الأحكام بعد محاكمة استمرت ثلاثة أيام فقط وأمام الأهالي.

نال الورداني أعلى مراتب العلم، درس الصيدلة بسويسرا (من 1906 حتى 1908) ثم سافر الي إنجلترا لدراسة الكيمياء عام 1909، كان شابا من عائلة ميسورة الحال، وذي أصول عريقة، كان من أتباع الحزب الوطني وعضوا في جمعية التضامن الأخوي السرية، ومؤسس جمعية اليد السوداء والتي نص قانونها على أن من ينضم فيها يجب أن يكتب وصيته، والهدف من تلك الجمعية هو قتل جميع الخونة في مصر وعملاء الاحتلال الإنجليزي.

 كانت هناك أسباب عدة جعلت الورداني يحكم على بطرس غالي بالموت، فقد كان قاضيًا ظالمًا أعدم أربعة من المصريين دون وجه حق في محكمة دنشواي، وكان أداة في يد الاحتلال الإنجليزي، عمل على اقرار مشروع مد امتياز قناة السويس لأربعين عاما إضافية لينتهي في 2008 بدلا من 1968، كما أعطى السودان بلا ثمن لبريطانيا حينما وقع اتفاقيتي الحكم الثنائي للسودان في 19 يناير عام 1899 بالنيابة عن الحكومة المصرية باعتباره وزير خارجيتها.

   كان اغتيال بطرس غالي هو أول جريمة اغتيال سياسية في مصر الحديثة، فقد انتظره الورداني امام مكتبه في رئاسة الوزراء، وما أن هم بطرس غالي بدخول سيارته حتى دوت 6 رصاصات، استقرت ثلاث منها في جسده، وأصابت اثنتان منها رقبته.

أمسك الحراس بالورداني، ونُقل بطرس للمستشفى، وهناك أجروا له عملية جراحية استغرقت ساعة ونصف، ولكنه فارق الحياة في نفس اليوم، وحكم على الورداني بالإعدام، وقبض على كثير من أعضاء الجمعية.

حاول الاحتلال الإنجليزي والنظام المصري المتضامن معه الترويج لفكرة أن الاغتيال كان نتيجة التعصب الإسلامي تجاه المسيحيين، فدفعوا بمجموعة كبيرة من المأجورين ليهتفوا (تسلم إيدين الورداني قتل بطرس النصراني) في محاولة لإظهار الأمر باعتباره اعتداء طائفيا، إلا أن وعي المصريين وقتها هو الذي خيّب خطة الانجليز وعملائهم؛ فقد نزلت حشود المصريين للشارع للهتاف في مواجهة المأجورين (تسلم إيدين الورداني قتل بطرس البريطاني)

نعم إنه بطرس البريطاني عميل الاحتلال، ذلك القاض الفاسد الذي أراد إرضاء المحتل، فكان أداته للبطش بالمصريين. فلم يغن عنه المحتل شيئا..

     قام عبد الخالق باشا ثروت الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب النائب العام بالتحقيق في القضية، وقد ذكر في مرافعته أن الجريمة المنظورة أمام المحكمة هي جريمة سياسية وليست من الجنايات العادية، وأنها بدعة ابتدعها الورداني بعد أن كان القطر المصري طاهرا منها، على حد قوله! ثم طالب بالإعدام للورداني ، وأرسلت بعدها القضية إلى المفتي الشيخ بكري الصدفي لإبداء رأيه فيها، لكن المفتي الشريف تنحى لوجود مانع شرعي وهو عدم جواز قتل مسلم بدم مسيحي خائن للوطن وعميل للاحتلال، إلا أنّ المحكمة لم تأخذ برأي المفتي، وكانت سابقة هي الأولى من نوعها أن يعترض المفتي على حكم محكمة الجنايات برئاسة الإنجليزي دوبلر وجلي، وفي يوم 18 مايو 1910م أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالإعدام على الورداني، وفي صباح يوم 28 يونيو تم تنفيذ الحكم. وكانت آخر كلمات البطل ” الله أكبر الذي يمنحنا الحرية والحياة والاستقلال”

نعم.. إنه الله وحده.. من يمنحنا الحياة، لنعيش طائعين له لا نركع إلا إليه في الصلاة. ولا يمكن لكائن من كان أن يسلبنا حياتنا سوى بإرادة ومشيئة من الله. وهو الله وحده الذي يمنحنا الحرية حتى لو أغلقت علينا زنازين الكون كله، وأخضعت الجباه.

هي إرادة الله في الأرض ؛وينفذها عبيده، حتى لو كان قاض ظالم فاسد عربيد، يأتمر بأمر سفاح صهيوني خائن ذليل، يصدر حكمه بقتل وسجن وإعدام العشرات. فلا سجن الشرفاء سيغير من حقيقة الخونة، ولا إعدامهم سيؤخر النصر الذي كتبه الإله. إنه الله العزيز الجبار الذي يمنح الشرفاء والمخلصين الحرية والحياة والاستقلال، ويكتب العار والخزي والعذاب على الظلمة والخونة والفسدة والطغاة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى