مقالات

المعلم يعقوب ، أشهر خائن في تاريخ مصر

أ.د. أحمد رشاد

أكاديمي مصري
عرض مقالات الكاتب

شخصية دار حولها الكثير من الجدل هناك من يقدسونه وهناك من يمجدون تاريخه ويعتبرونه رمزاً لهم، ولكن كل الأحرار يعرفون حقيقته وأنه أشهر خائن في تاريخ مصر
 من منا لا يعرف المعلم يعقوب حنا القبطي وملطي وجرجس الجوهري وأنطوان الملقب بأبي طاقية، وبرتيلمي الملقب بفرط الرومان ونصر الله النصراني ترجمان قائمقام بلياز، وميخائيل الصباغ، وغيرهم من زعماء النصارى الذين كانوا يعملون مع المحتل الفرنسي لمصر؟

لقد استغل خونة نصارى مصر احتلال نابليون لمصر فتقربوا إليه ،واستعان بهم ليكونوا عيون جيشه حيث كانوا يرشدونهم على بيوت أمراء المماليك ورجال المقاومة الذين كانوا يجاهدون الفرنسيس، وكل ذلك ثابت لدى الجبرتي في عجائب الآثار ونيقولا الترك في أخبار الفرنساوية وما وقع من أحداث في الديار المصرية إذ يؤكد المؤرخان المعاصران للحملة الفرنسية أن نابليون استقدم معه جماعة من نصارى الشام الكاثوليك كتراجمة، بالإضافة إلى استعانته بنصارى مصر الأرثوذكس، وقد ذكر الجبرتي المعلم يعقوب القبطي الذي كان يجمع المال من الأهالي لمصلحة الفرنسيس.. بل إن المعلم يعقوب وصل به الأمر أن كون فرقة من الأقباط لمعاونة المحتل إذ يقول الجبرتي: أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه ساري عسكر القبط جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية وصيرهم ساري عسكره وعزوته، وجمعهم من أقصى الصعيد وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الأحمر، وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وأبراج وباب كبير بل إنهم كانوا يقطعون الأشجار والنخيل من جميع البساتين كما تفعل قوات الاحتلال في فلسطين والعراق ولم يتورعوا في هدم المدافن والمقابر وتسويتها بالأرض خوفاً من تترس المحاربين حسب وصف الجبرتي .. حتى قال وبثوا الأعوان وحبسهم وضربهم فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها.. بل كان زعيمهم برتيلمي الذي تلقبه العامة بفرط الرومان لشدة احمرار وجهه كان يشرف بنفسه على تعذيب المجاهدين؛ وهو الذي قام بحرق المجاهد سليمان الحلبي قاتل كليبر ،وكان هذا البرتيلمي يسير في موكب وحاشية ويتعمد إهانة علماء المسلمين، ويضيق عليهم في الطرقات محتمياً في أسياده الفرنسيس تماماً مثل ما يحدث في العراق اليوم من خلال الجواسيس الذين يعملون مع الاحتلال الأمريكي الذين يرشدون قوات الاحتلال على بيوت المقاومين.

أما المعلم يعقوب فقد بادر إلى عرض خدماته على الفرنسيين وكان مخلصًا في تعاونه معهم بقدر ما كان خائنًا للبلد الذي نشأ فيه والناس البسطاء الذين شب بينهم سواء كانوا من المسلمين أم القبط المخلصين الذين أَنِفُوا أن يضعوا أيديهم في يد المحتل الفرنسي.

وكان للمعلم يعقوب دور قذر في قمع ثورة القاهرة وتعقب الثوار والقضاء عليهم حيث تحصن بداره في الدرب الواسع جهة الرويعي واستعد استعدادًا كبيرًا بالسلاح والعسكر المحاربين
وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد ثورة القاهرة الأولى وقد انضم إلى المعلم يعقوب في حروبه ضد العثمانيين أو المماليك بعد نقض معاهدة العريش عدد من القبط والشوام والأروام.

وبعد نجاح كليبر في إخماد الثورة فرض على المصريين كثيرًا من الأموال عقابًا لهم وفي الوقت نفسه كافأ المعلم يعقوب على ما قدمه للفرنسيين من ألوان الدعم والمعونة العسكرية بأن سلطه على المسلمين يفعل بهم ما يشاء.

وقد منح الجنرال كليبر المعلم يعقوب رتبة كولونيل وجعله على رأس فرقة عسكرية من شباب القبط كان أمر تدريبهم منوطًا بعدد من الضباط الفرنسيين. ويذكر بعض مؤرخي الأقباط أن المعلم يعقوب هو الذي جهز هذا الفيلق القبطي بالسلاح والميرة من ماله الخاص.

     يقول الجبرتي: طلبوا – أي الفرنسيين عسكرًا من القبط فجمعوا منهم طائفة وزيوهم بزيهم وقيدوا بهم من يعلمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك وأرسلوا إلى الصعيد فجمعوا من شبابهم نحو الألفين وأحضروهم إلى مصر وأضافوهم إلى العسكر.

     وبعد أحداث طويلة من الخيانة والعمالة للمحتل الصليبي وتقديرًا لإخلاص المعلم يعقوب للفرنسيين وما قدمه لهم من ألوان الدعم والمساندة فقد منحه مينو رتبة جنرال في مارس 1801م.

     وبعد أن حانت لحظة رحيل الفرنسيين عن مصر بعد أن تحرج موقف الفرنسيين نتيجة الضغوط العسكرية التي مارسها عليهم العثمانيون والإنجليز حيث زحف الجيش العثماني نحو القاهرة في حين زحف الجيش الإنجليزي من رشيد بعد أن فرض حصارًا على منو في الإسكندرية.

وزاد من صعوبة الموقف الفرنسي انتشار مرض الطاعون في صفوف الجند وحصده أرواح كثير منهم، ومن ثَمَّ لم يجد الفرنسيون بدًّا من الدخول في مفاوضات مع العثمانيين والإنجليز، وهي المفاوضات التي أثمرت عن توقيع اتفاق الجلاء عن مصر.

وقد تضمنت اتفاقية الجلاء مادتين مهمتين تتعلقان بوضع عملاء الفرنسيين ومعاونيهم من قبط مصر وغيرهم إبان فترة الاحتلال وهاتان المادتان هما

1 ــــ كل من أراد من أهل مصر أيًّا كان دينه أن يصحب الفرنسيين في عودتهم إلى فرنسا فله ذلك.

2 ـــ كل من التحق بخدمة الفرنسيين لا يكون قلقًا على حياته أو ممتلكاته.

والحق أن تعاون هؤلاء الخونة مع الفرنسيين لم يكن نابعًا من مجرد التعصب الديني فحسب بل كان يغلب عليه الطمع والأثرة العمياء التي تجرد النفوس من المشاعر الإنسانية الطيبة. وقد واصل هؤلاء تعسفهم في جمع الأموال التي فرضها الاحتلال الفرنسي على المصريين.

وقد قرر عدد غير قليل ممن كان يتعاون مع الفرنسيين الرحيل معهم إلى فرنسا وعلى رأس هؤلاء المعلم يعقوب الذي خرج بمتاعه إلى الروضة في صحبة عدد كبير من عسكر القبط

وفي العاشر من شهر أغسطس أبحرت السفينة الفرنسية بالاس تحمل على متنها فيمن تحمل المعلم يعقوب ورفاقه.

وبعد إقلاعها بيومين نزل عقاب السماء بالخائن يعقوب حيث أصيب بحمى شديدة ومات في عرض البحر بعد أربعة أيام.

وظلت جثته على ظهر السفينة حتى مرسيليا حيث دفن هناك.
ويقال إن الفرنسيين عند موته تأذوا من رائحته وألقوه في البحر …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى