مقالات

المال السياسي في العمل الفصائلي المسلح

طعان خليل

كاتب ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

جرى الحديث في السنوات الماضية، وبعد اندلاع التحركات الشعبية في بعض بلدان العالم العربي عن المال السياسي وتأثيره في العمل المسلح من خلال فصائل. وقد عدَّ البعض أن المال السياسي هو السبب في ارتهان الفصائل المسلحة لدول، وبالتالي هو السبب في فشل العمل المسلح وعدم تحقيقه النتائج المرجوة أو المتوخاة من ورائه، ومعنى ذلك بحسب هذا الرأي أنه من الممكن قيام فصائل مسلحة والقتال ضد أنظمة قتالا يأخذ طابع الاستمرار والتأثير من دون “مال سياسي”!! وقد شاع استعمال عبارة “المال السياسي القذر”، في وصف التأثير السلبي لتلقي فصائل مسلحة الدعم المالي وغيره من أنواع الدعم من دول. وبالرغم من فشل تلك الفصائل المسلحة في تحقيق الغايات التي كانت الشعوب تتوق إلى تحقيقها، بل وفي تحقيقها نتائج عكسية، وبالرغم من أن تجارب الفصائل المسلحة في بلادنا، في ظل غياب دولة تمثل المسلمين، كانت تجارب كارثية، فقد كان من المفترض أن يكون ذلك كافيا لإعادة النظر في التجربة كلها وأخذ العبر المستفادة من ورائها، إلا أن الإصرار على أن المشكلة في العمل المسلح من خلال فصائل لا تتعلق بالعمل نفسه وإنما في الارتباط بدول وتلقي الدعم منها، جعل كثيرين يكررون التجربة نفسها، باعتبار أن الارتباط ناتج عن قرار يتخذه قادة الفصائل المسلحة، وهو ليس ضرورة من ضروريات العمل المسلح!!

إن الأمر الجوهري من أجل إدراك هذه المسألة بعيدًا عن التخيلات أو الافتراضات الذهنية التي لا واقع لها، هو معرفة ما يحتاجه العمل المسلح من خلال فصائل من قدرات وإمكانات، وهل من الممكن لفصائل أن تحوز تلك الامكانات ذاتيا لتخوض معارك وحروبا تأخذ طابع الاستمرار ضد دول؟

واقع الحال في بلادنا أن السلاح المخصص لخوض معارك، سواء من حيث امتلاكه أو تصنيعه محصور في دول وجيوش نظامية، فالأفراد لا يملكون دبابات وطائرات ومدافع وصواريخ، وحتى امتلاكهم للسلاح الفردي من نحو مسدس أو بندقية رشاشة يكون في كثير من الأحيان بترخيص من النظام وتحت إشرافه، ولذلك، فإن امتلاك جماعة معينة لأسلحة تُمكِّنها من خوض معارك ضد جيوش أو قوى مسلحة لا يتم إلا من خلال دول توفر لتلك الجماعات إمدادًا دائما بالسلاح والعتاد والمال وغير ذلك مما يلزم لتتمكن تلك الجماعات من الاستمرار في القتال لفترات طويلة. وأما من يتصوّر إمكانية استمرار جماعات مسلحة في القتال ضد دول بأسلحة تغنمها من مخازن أسلحة “العدو” الذي تقاتله، أو بتبرعات من أهل الخير، فإنّ ذلك لا يعدو كونه تخيلا أو تمنيا أن يكون الأمر كذلك وهو لا واقع له، بل إن الواقع ينقضه. ففي كثير من المعارك تحصل غنائم بين الأطراف المتقاتلة، وقد يقوم أفراد بالتبرع لهذا الطرف أو ذاك، ولكن أن يكون استمرار جماعة مسلحة بعملها بغنائم فقط أو بتبرعات من أفراد أو مجموعات أخرى، فهذا لا يقوله من لديه أدنى معرفة بمتطلبات العمل المسلح ومستلزمات خوض معارك، بل إن من يضع في ذهنه البدء في معارك مسلحة بناء على توقع أنه سيحصل على غنائم كافية للاستمرار في القتال فإن مصيره إما أن يُقضى عليه أو أن يرتمي في أحضان من يموله ويمده بالسلاح.

فواقع الجماعات التي نشأت للقيام بالقتال وقعت في فخ قوى ودول سخَّرتها لخدمة أجنداتها وهي تظن أنها تقاتل لتحقيق غاياتها. فكثيرة هي الجماعات التي ظنت أن المستلزمات الرئيسية للقتال هو توفر الإرادة والأشخاص الذين لديهم الاستعداد للتضحية، وأما الحصول على السلاح فهو أمر غاية في البساطة بحسب تصورهم، وفاتهم أن السلاح تملكه دول أو جهات مرتبطة بدول، وأن الحصول عليه يقتضي الحصول على غطاء من دول، فكانت نتيجة سوء فهمهم للواقع وسوء التقدير لديهم هو أنه حصل تسخيرهم لتحقيق غايات دول، وكانوا مجرد أدوات تسارع الدول إلى التخلص منهم عندما ينتهي استخدامهم، أو تستخدمهم في أماكن أخرى. وهذا حصل مع فصائل الجهاد الأفغاني وفصائل منظمة التحرير والفصائل المسلحة في فلسطين ولبنان وسوريا وليبيا واليمن والعراق وغيرها.

من هنا فإن ما قيل ولا زال يُقال عن مال سياسي قذر ومال “طاهر” في العمل المسلح من خلال جماعات، قد ساهم في وقوع كثير من المخلصين في فخ الأعداء ظنا منهم أنه بإمكانهم القتال من غير مال سياسي “قذر”، ولو أدرك هؤلاء حقيقة الأمر وأنه لا سبيل للقتال قتالا مستمرا يحقق غايات سامية إلا من خلال دولة تدعمهم تحمل تلك الغايات، لوفروا على أنفسهم وأمتهم كثيرا من الجهد الضائع والتضحيات الجسام التي ذهبت خدمة لأجندات الأعداء.

نعم يجب إدراك أن العمل المسلح من خلال جماعات يحتاج إلى مال سياسي ودعم سياسي وغطاء سياسي، وليست المشكلة هنا، لأن العمل المسلح من خلال جماعات يحتاج إلى كل هذا، إنما المشكلة هو أننا نعيش بلا دولة تمثلنا كمسلمين، وهي دولة الخلافة، بل نعيش في ظل دول تُشَكِّل امتدادا للدول الغربية الاستعمارية، فهي تنشئ جماعات لتستخدمها للقتال لتحقيق مصالحها، وفي كثير من الأحيان تستخدم تلك الجماعات ضد بلادنا وأمتنا. ولو كان للمسلمين دولة فعندها لن تكون مشكلة في وجود مال سياسي ودعم سياسي وما شاكل طالما أن ذلك مرتبط بدولة ترعى مصالح المسلمين وحريصة عليهم وعلى قضاياهم، فالدول تستخدم من الوسائل ما يلزم لتحقيق غاياتها، سواء كان إنشاء جيوش نظامية أو فصائل تقوم بأعمال مكملة لدور الجيوش ولا تستطيع الجيوش القيام بها.

الخلاصة:

إن التشجيع على القتال المسلح من خلال جماعات، وبخاصة ضد الدول القائمة في بلادنا، وبالطبع كلامنا عن القتال في واقعنا الحالي إنما هو تشجيع ودفع للمخلصين ليكونوا أدوات بيد الأعداء، ولن يغير من هذه الحقيقة أن يتم تحذيرهم من تلقي الدعم من دول، فيجب العمل على إيجاد كيان سياسي يكون قادرا على تفعيل طاقات الأمة واستخدام قدراتها وتنميتها وتسخير كل ذلك في معارك الأمة الحقيقية التي تحقق غايات الأمة، فتنتقل الأمة عندها من أمة يستخدم الأعداء أبطالها وقدراتها لتحقيق مصالحهم إلى أمة تستخدم كل طاقاتها لتحقيق غاياتها وأهمها إعلاء كلمة الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى