في حوالي الساعة 11:40 صباحا من الثلاثاء الماضي، وبينما كانت مصر تشهد طقسا عاصفا، انقطعت الكهرباء فجأة عن سفينة حاويات كانت في طريقها من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، ثم سرعان ما جنحت بفعل الرياح، بحسب رواية شركة “GAC” لخدمات الملاحة.
وبين حين وآخر يحدث جنوح لسفينة ما، لكن يتم إنهاؤه دون تأثير يُذكر على السفن الأخرى، الأمر الذي لم يحدث في حالة السفينة “إيفر غيفن” التي انحرفت لتغلق بالعرض أحد أكثر ممرات الملاحة ازدحاما في العالم وأقصر طريق لسفن الشحن بين أوروبا وآسيا.
لم يتضح ما إذا كان خطأ من القبطان أم المرشد بالقناة خلال هبوب الرياح أدى إلى جنوحها لتغلق أحد أهم طرق المرور البحري في العالم، ويقول القبطان عمرو قطايا خبير النقل البحري لموقع “الحرة”: “لا أحد يستطيع الآن تحديد السبب، التحقيقات ستبدأ بعد تعويم السفينة”.
ويصعد مرشدون تابعون لهيئة قناة السويس على متن السفن حين تدخل مجرى القناة ليوجهوها في قوافل بمساعدة قاطرة واحدة أو اثنتين.
وفي أحد بياناتها، أرجعت الهيئة جنوح السفينة “بشكل أساسي إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظرا لمرور البلاد بعاصفة ترابية… مما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها”.
ويقول قطايا: “تتأثر السفن بالرياح لكن على القبطان أو المرشد اتخاذ إجراءات معروفة في هذه الحالة”.
تبلغ حمولة السفينة (إيفر غيفن)، التي كانت متجهة إلى روتردام، 200 ألف طن، ويبلع طولها نحو 400 متر وهو ما يوازي طول أربعة ملاعب كرة قدم.
والسفينة محملة بالكامل بسلع استهلاكية متجهة للأسواق الأوروبية في 20 ألف حاوية شحن، التي وإن وضعت فوق بعضها، سيتعدى طولها ناطحة سحاب مبنى إمباير ستيت في نيويورك.
ويقول خبراء في النقل البحري إن السفينة ربما واجهت صعوبات بسبب حجمها الكبير في ظل هبوب الرياح. ويوضح قطايا أن الرياح تؤثر على السفن التي تحمل على سطحها حاويات ضخمة، خصوصا إذا مرت في الأجزاء الضيقة من الممر المائي.
ونجم عن توقف قناة السويس ارتفاع تكاليف الشحن لناقلات المنتجات البترولية إلى المثلين تقريبا هذا الأسبوع، وتحويل عدة سفن مسارها بعيدا عن المجرى المائي الحيوي، بينما تظل سفينة الحاويات العملاقة عالقة بين ضفتيه.
وبعد أكثر من 24 ساعة على جنوح السفينة، اعتذرت شركة شوي كيسن اليابانية المالكها لها، الخميس، وقالت إنها تعمل على حل الموقف، بعدما عرقلت مرور سلع تجارية تقدر بمليارات الدولارات.
وعن الخسائر التي قد تتحملها هيئة قناة السويس أو الشركة المالكة للسفينة، قال قطايا: “بعد إتمام التحقيقات وتعويم السفينة، ستتحمل كل جهة الخسائر حسب مسؤولياتها، وستدفعها نوادي الحماية والتعويض، ثم شركات التأمين”.
توسعة القناة
ويمر نحو 30 في المئة من حركة نقل الحاويات في العالم يوميا عبر قناة السويس، البالغ طولها 193 كيلومترا وعرضها 225 مترا، ونحو 12 في المئة من إجمالي التجارة العالمية لجميع السلع.
جنحت السفينة إيفر غيفن عند الكيلومتر 151 لتغلق الجزء الجنوبي من القناة الذي يسمح بالمرور في اتجاه واحد فقط، مما يعني أنه ليس بوسع سفن أخرى العبور.
وفي عام 2015، افتتحت مصر ممرا ثانيا -عرف باسم “قناة السويس الجديدة”- يسمح بحركة مرور متزامنة في الاتجاهين على امتداد 35 كيلو مترا في القناة، لكن التوسعة تقع شمالا بعد المنطقة التي تتسع فيها القناة، حيث تقع “البحيرة المرة الكبرى”.
والأربعاء الماضي، سمحت هيئة قناة السويس لقافلة سفن بدخول القناة من طرفها الشمالي في بورسعيد، على أمل أن يتم تعويم السفينة إيفر غيفن قريبا، لكن السفن رست في منطقة انتظار البحيرة المرة الكبرى.
ونفى قطايا أن تكون التوسعة الجديدة لقناة السويس سببا في عرقلة السفينة العملاقة، قائلا إنه لا توجد قنوات مائية عرضها أكبر من طول السفينة البالغ 400 مترا.
وأوضح قائلا: “وقفت السفينة بعرض القناة؛ لا توجد قنوات عرضها أكبر من 400 مترا”.
وعن إمكانية إعادة النظر في أطوال الأجيال الجديدة من السفن الكبيرة جدا، مثل إيفر غيفن، بعد حادثة الجنوح الأخيرة، وهي تعبر حدود ضيقة نسبيا للقناة، قال قطايا: “المشكلة لا تكمن في أطوال السفن؛ هذا الحادث يمكن أن يقع في أي قناة مائية، ولسفينة أقل طولا من إيفر غيفن لكنها تجنح”.
وفي هذا السياق، قال رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة البترول، لموقع “الحرة” أي سفينة تدخل قناة السويس معروف أعمارها وطولها وعمق غاطسها، وإن كانت كل هذه البيانات تؤهل السفن للعبور من خلالها أو أن تسلك طريقا آخر مثل رأس الرجاء الصالح.
أسوأ سيناريو
ويرى قطايا أن تخفيف حمولة إيفر غيفن من الحاويات هو أسوأ سيناريو قد يحدث نظرا للوقت الطويل الذي تستغرقه هذه العملية، ومن ثم تسهيل تعويمها.
وتقول مصادر في مجال الشحن إن إنزال الحمولة قد يكون عملية لوجستية طويلة ومعقدة نظرا لحجم السفينة ووضعها.
وذكرت مصادر بحرية مصرية أن مياه الصابورة، التي تستخدم للمساعدة في حفظ إتزان السفن، تم تفريغها من إيفر غيفن وسط جهود إعادة تعويمها، بحسب “رويترز”.
وأكد قضايا أن السفن التي كانت تنتظر تعويم إيفر غيفن ستظل مكانها؛ ليس بوسعها العبور. وربما يتعين على سفن أخرى اتخاذ المسار الأطول حول رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، مما يضيف نحو سبعة إلى عشرة أيام إلى رحلتها، “هذا القرار يعود للشركات المالكة للسفن”.
التبعات الاقتصادية
وذكرت شركة أخبار وبيانات الشحن العالمية (لويدز ليست) أن سفينة حاويات “إيفر غريت” المتوجهة إلى قناة السويس، وهي سفينة حاويات بنفس حجم وسعة السفينة الجانحة، “تحول وجهتها الآن إلى رأس الرجاء الصالح”.
وأضافت الشركة أن “طابور انتظار عبور قناة السويس” يضم أكثر من 200 سفينة “عالقة الآن بسبب الغلق”.
وأشارت إلى أن “الحسابات التقريبية” تفيد بأن حركة السفن اليومية من آسيا إلى أوروبا تُقدر قيمتها بحوالي 5,1 مليار دولار، ومن أوروبا إلى آسيا تُقدر بنحو 4,5 مليار دولار.
وعن تأثير التعطيل على أسعار النفط، قال أبو العلا لموقع “الحرة” إن تأثير التوقف الحالي على التجارة العالمية وإمدادات الطاقة محدود.
وأضاف “أسواق النفط حساسة جدا لأي نوع من العوامل التي تعرقل الإمدادات؛ يتأثر لحظيا، رأينا سعر النفط عندما وصل إلى السالب، فقد استمر للحظات ثم توقف”.
المصدر : الحرة