في مقابلة مع موقع (ديفينس وان 21-3-2021) كان جواب الجنرال بول كالفرت قائد القوات الأمريكية في مكافحة تنظيم الدولة في سوريا والعراق على السؤال: هل تلقيتم توجيهات جديدة عن سياسة بايدن في سوريا بعد دخوله البيت الأبيض؟ “لا سياسة جديدة، السياسة القائمة تبقى كما هي !”
أما الجنراك ماكينزي القائد العام للمنطقة الوسطى فكان جوابه لموقع ديفينس وان في مقابلة أجريت معه في كانون الثاني 2021 على سؤال عن مستقبل القوات الأمريكية في سوريا: “المطلوب منا المحافظة على وجود عسكري يمكننا من خدمة مصالح الولايات المتحدة، هذا ما أستطيع قوله، أما المعنى السياسي وراء ذلك فيعود للساسة (الأمريكان) لتحديده”.
إذن تبقى الأنظار شاخصة لمعرفة معالم سياسة بايدن القادمة في سوريا، فاذا عدنا إلى الساسة الأمريكان لمعرفة ما تخططه واشنطن نجد أن جويل ريبورن، الذي خلف جيمس جيفري في الملف السوري، صرح في لقاء صحفي في ديسمبر 2020 بأن قانون قيصر سيؤتي ثمرته بالضغط المطلوب على نظام بشار الأسد، وإن احتاج ذلك بعض الوقت؛ وهذا تكرار لجواب أعطاه جيمس جيفري في مقابلة له مع جريدة الشرق الأوسط (6-2020) بأن السياسة الأمريكية في سوريا ناجحة “على المدى البعيد”، وكان جيفري أبلغ مسؤولين أمريكيين التقى بهم بعد استقالته من مهامه (7- 11-2020) مؤكدا لهم أن السياسة الأمريكية في سوريا ستستمر بغض النظر عمن يفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
من جهة أخرى تتوالى الأخبار عن جهد عسكري محموم تقوم به القوات الأمريكية في مناطق شرق الفرات، لجهة تعزيز القواعد الأمريكية المنتشرة في الحسكة ودير الزور، بل وإقامة قواعد جديدة، بالإضافة إلى العمل على نشر منظومة دفاع صاروخية تعرف ب (أفنجر) وهي مخصصة للأهداف التي تحلق على ارتفاعات منخفضة بما فيها الطائرات المسيّرة، بينما سبق صدور عدة تقارير بين الاثبات والنفي عن عزم أمريكا على نشر منظومة صواريخ الباتريوت التي تتصدى للصواريخ الباليسيتية فضلا عن تضمنها شبكة تنصت رادارات تغطي دائرة 600 كلم. و لا أنكر أني ، رغم متابعتي الحثيثة لتقارير الحشود الامريكية شرق الفرات، قد أصابني الدوار والعجز عن احصاء الحشود المتعظمة التي لا تثني أمركيا عن ضخها من العراق !
ومن المعروف أن جيمس جيفري، الذي تولى منصبه بعد استقالة المبعوث السابق الموالي للكرد برت ماكجغورك احتجاجا على قرار ترامب بالانسحاب من سوريا كما استقال يومها وزير الدفاع جيمس ماتيس ، اعترف بأنهم ضللوا الرئيس الأمريكي السابق ترامب الذي أمر 3 مرات بسحب القوات الامريكية من سوريا، فكانوا يماطلونه ويراوغونه حتى خرج من البيت البيض.
كيف نربط بين تصريحات القادة العسكريين بلزوم المحافظة على وجود عسكري فاعل شرق الفرات لخدمة الأهداف السياسية التي تقررها دوائر صنع القرار في واشنطن وبين تنامي الوجود العسكري الأمريكي شرق الفرات؟ أي ما هي حقيقة الأهداف التي تسعى إليها واشنطن شرق الفرات؟
فلنتذكر بداية أن تركيا أطلقت عملية نبع السلام في 9 تشرين الأول 2019، بعد قرار ترامب سحب الجنود الامريكان من المواقع الحدودية تجاه تركيا. ثم تبع ذلك اتفاق بين الطرفين الروسي والتركي في مدينة سوتشي الروسية في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي نصّ على تسيير دوريات على الحدود، وانسحاب “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) منها إلى عمق 32 كيلومتراً. وكانت تركيا زادت من شكواها المرة بأن أمريكا تعطيها من طرف اللسان حلاوة ثم تروغ منها مراوغة الثعلب في تنفيذ الوعود المعسولة، ورغم تعدد تلك الوعود، التي كررتها موسكو لاحقا، ما زالت تل رفعت تحت سيطرة قسد، وكذلك منبج، ولا زال الاستنفار والتربص بين القوات المتواجهة سيد الموقف في عين عيسى.
طبعًا في الظاهر لم يتوقف الساسة الأمريكان عن تكرار عشرات التصريحات للاستهلاك الرأي العام من كون الهدف المركزي للتواجد الأمريكي هو الهزيمة النهائية لفلول تنظيم الدولة الإسلامية، و إخراج ايران من سوريا، والضغط على نظام الأسد ليتم تنفيذ الحل السياسي بحسب قرار 2254…بل كان لافتا تصريح جيمس جيفري (الشرق الأوسط 13-12-2020) :”نريد الاستجابة للقرار 2254. نحن لا نقول إنه على الأسد أن يغادر (الحكم). لا نقول إنه على روسيا أن تغادر (سوريا). نقول، إنه على إيران أن تغادر، لكن كجزء من التسوية النهائية في سوريا أيضاً، أميركا ستغادر، تركيا ستغادر، إسرائيل ستغادر، هذا هو عرضنا.” وعندما حاول إبراهيم حميدي الحصول على موعد من جيفري لعودة اللاجئين الذين فرّوا من جحيم نظام الأسد كان جواب جيفري أنه لا يستطيع تحديد موعد لذلك ولكن سيحصل “في حياته”، ولم ينس الثعلب الماكر من ختم جوابه بتوجيه تحية إلى الشعب السوري الذي يحظى بتقديره!
وماذا لو عاش جيفري 15 سنة أخرى؟ هل قدر على المهجرين معاناة الظروف المعيشية المروعة في الفيافي تحت شجر الزيتون وفي العراء في الخيام التي لا تقيهم قرّ الشتاء ولا ثلوجه ولا حرّ الصيف ولهيبه؟ هذا ما لم يجب عليه جيفري، وهو الذي سبق له أن اعتبر أن السياسة الأمريكية في سوريا “ناجحة على المدى البعيد”، ومن “يعد العصي ليس كمن يأكلها” كما يقول المثل الشعبي.
ولكن بينما الملايين من النازحين يعانون من شظف العيش فإن الإدارة المدنية الذاتية في شرق الفرات مشغولة في فرض سياسة الأمر الواقع في سعيها لمقومات الحكم الذاتي كنموذج سياسي مستقل،وهي مشغولة في اصدار شتى القرارات والتنظيمات وآخر ذلك مصادق المجلس العام في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، الخميس 25-3-3021، على قانون الضرائب ،وقالت الإدارة إن القانون سيصيح نافذاً اعتباراً من بداية شهر تموز القادم، بل توجهت بمناسبة عيد نوروز بتهنئة خاصة “إلى أهلنا المهجرين من عفرين وسرى كانيه ( رأس العين ) وكرى سبي ( تل أبيض ) ونعاهدهم بأنه وبروح نوروز وبفلسفة المقاومة التي سنستمر بها سنحقق النصر عبر تحرير مناطقنا المحتلة كلها من نير الأعداء والمرتزقة”.
وفي هذا السياق كشف عبدالسلام أحمد ممثل الادارة الذاتية في لبنان في حوار نشره موقع خبر24 (الخميس 25-3-2021)عن تحضيرات تقوم بها الادارة الذاتية الكردية لعقد مؤتمر موسع للدعوة إلى الفيدرالية المشرقية ، يشارك فيه حشد من الداعين إلى حل “الفيدرالية المشرقية”.
إذن يبدو واضحًا أن أمريكا ماضية في سياسة شراء الوقت لفرض الأمر الواقع، وهذه سياسة متبعة من أيام اوباما مرورًا بترامب وصولاً إلى بايدن، فالعامل المشترك بين هذه الإدارات الأمريكية أن هناك فريقًا من صناع السياسة الأمريكية يعملون على تنفيذ مخططاتهم على الأرض (نذكر بأن جيمس جيفري عمل في ادارة اوباما في الملف السوري وصرّح بأن مطالب جورج بومبيو ال 12 من نظام الأسد تم إعدادها من عهد أوباما). و بينما تكثر عقد اللقاءات والزيارات والتصريحات فكلها تصب في إطار الاستهلاك الإعلامي لإثارة جلبة الضجيج الإعلامي الذي يزعم الحرص على تطبيق القرارات الأممية،التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به ولكنها تنفع شماعة و وورقة تين لستر حقيقة أهداف السياسة الأمريكية…فإذا اعترض معترض أن أمريكا خذلت الشعب السوري ،جاء الجواب بأن أمريكا لن يهدأ لها قرار حتى تؤتي الضغوط ثمارها ،ويرضخ بشار الأسد لتنفيذ القرارات الدولية، ولكن على المعترضين عدم التعجل فالسياسة الامريكية ناجحة على المدى البعيد؛ وبين هذا وذاك تقوم امريكا بملاعبة الأطراف الغارقة في مستنق الأزمة السورية ملاعبة القط للفأر؛ فمع تعجل روسيا وتركيا وإيران لحل ما يسمح لها بجني ثمرة تدخلهم المرهق في سوريا، إلا أن أمريكا ليست في عجلة من أمرها.
ثم ألا يفرض السؤال نفسه: ما الداعي لكل هذه الحشود العسكرية المتعاظمة شرق الفرات وإقامة القواعد تلو القواعد فيها ؟ من هو الطرف الذي يخطر بباله شن هجمات على النقاط الأمريكية؟ هل تفكر تركيا في ذلك لطرد الوجود العسكري الأمريكي؟ ولبسط سيطرتها على هذه المنطقة التي تسيطر عليها قسد لمنع الخطر الكردي الداهم؟ أم هل تفكر روسيا بطرد أمريكا من سوريا؟ أم إيران؟ قطعًا لا أحدًا من هذه الأطراف يفكر بذلك!
أم لعل أمريكا هي التي تحضر الأرضية اللازمة لتفجير صراع دامٍ قد لا يبقي ولا يذر؟ وهناك الكثير من عوامل التفجير الجاهزة لذلك! ولعل أخطرها أن يشكل كيان مايسمى بـ” روجوفا “الكردي شرق الفرات رأس حربة تطال شظاياها العمق التركي الذي يحضتضن 16 مليونًا من الأكراد. ورغم أن شهية معظمهم لا تطالب بالانفصال عن تركيا إلا أن سياسات الضغط الكثيف التي تتبعها الحكومة التركية قد تؤدي إلى ردة فعل لا تحمد عقباها خصوصًا في عهد إدارة بايدن الذي لم يخف نيته الصريحة بالعمل على التخلص من حكم الرئيس التركي اردوغان، وإن حاول تغليف ذلك بدبلوماسية القول ان التخلص من اردوغان لا يكون عبر الانقلاب العسكري(على شاكلة المحاولة الفاشلة في تموز 2016 التي تمت في عهد اوباما بايدن) بل بدعم المعارضة في الانتخابات وغني عن القول أن البنتاغون و CIA لن تقفا مكتوفة الأيدي متى صدر القرار من البيت الأبيض. فبايدن، الذي لم يبادر ،بعد، إلى الاتصال بأردوغان بعد مضي شهرين على دخوله البيت الأبيض، لن يسكت عن محاولة الحكومة التركية قمع المعارضة الكردية، وحظر حزب الشعوب الديمقراطية وهو ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي.