مقالات

احتجاجات آذار 1980(مواقف السلطة) 3من 3

معاذ السرّاج

باحث في تاريخ سورية المعاصر وشؤون الحركات الإسلامية
عرض مقالات الكاتب

ثمة مفارقتان اتسمت بهما فترة حكم البعث الطائفي في سورية منذ عام 1963, لاسيما منذ استلام حافظ أسد للسلطة, وهما حالة “اللادولة” أو الفوضى وسلطة المخابرات والميليشيات الطائفية, وتصرف حافظ أسد كقائد ميليشيا وليس كرئيس دولة, وهكذا فعل معاونوه. والأمر الثاني إغلاق الأبواب تماما أمام أي فرصة للتغيير السياسي, والحيلولة دون ذلك بشتى الوسائل مهما بلغت من العنف والدموية, حتى ترسخت القناعة بأن أي محاولة للبحث عن بديل ستفضي حتما إلى كارثة, ولعل في شعار “الأسد أو نحرق البلد” الذي رفعوه في ثورة 2011 أوضح مثال.

وكان دعم الغرب لسلطة حافظ أسد هو الذي يؤمن بقاءها, فيما تزداد هي فسادا وتبعية له, وتزداد صلفا وعنجهية ورفضا وتجاهلا لمطالب الشعب ومحاولاته للإصلاح والتغيير.

في الحلقة الأخيرة من مقالاتها حول “احتجاجات آذار 1980” سنتناول كيفية رد سلطة حافظ اسد على الاحتجاجات والإجراءات التي اتخذتها في هذا السبيل, في نموذج صارخ يؤكد الحقيقة التي أوجزنا الحديث عنها في السطور الأولى من هذا المقال.

  • المؤتمر القطري السابع:

أشرنا في الحلقتين السابقتين إلى الاحتقان الشديد والمتصاعد منذ أواخر عام 1979, وفي تلك الأجواء دعا حافظ الأسد حزب البعث إلى عقد مؤتمره القطري السابع في الفترة ما بين (22 كانون الأول عام 1979- 6 كانون الثاني عام 1980م) لدراسة الموقف وإجراء انتخابات حزبية. وقد كان هذا المؤتمر من الأهمية بمكان من حيث مجرياته ونتائجه, ورأى فيه البعض فرصة مواتية لإحداث تغييرة جدية قد تنقذ البلد مما هو قادم عليه لا محالة, إلى أن توصيات المؤتمر ومقترحاته جاءت مخيبة لتلك الآمال, وأكدت على نحو قاطع ذهاب السلطة إلى أبعد الحدود في مسارها الدموي واستخدام أقصى درجات العنف والقتل والتدمير مهما كلف الأمر.

رفعت أسد, شقيق حافظ أسد, وقائد سرايا الدفاع, تسيد المؤتمر طولا وعرضا, وألقى خطابا مطولا حدد فيه الخطوط العريضة لمسار السلطة ليس في تلك الأحداث وحسب, وإنما للعقود التالية كذلك. وكانت كل عبارة من خطابه هذا تنضح بالعنف والدموية, وتحض على الحقد والكراهية, مقتبسا الكثير من العبارات حول إبادة الخصوم وتصفيتهم على الطريقة الستالينية.

أعضاء مؤتمر الحزب ذاك لم ينبسوا ببنت شفة, ولم يُنكر أي من مفكريهم ومنظريهم على رفعت أسد شيئا مما تفوه به, وعلى العكس من ذلك تماما فقد قوبل خطابه بعواصف هستيرية من التصفيق, والثناء على أفكاره الماحقة والمدمرة. واتضح بشكل لا غبار عليه أن كبار شخصيات الحزب والدولة التزموا طوعا أو كرها المسار الذي اختاره حافظ أسد وحلفه الطائفي, ولم يجرؤوا على تسجيل موقف ولو للتاريخ يبرئ ساحتهم أو ساحة حزب البعث مما سيرتكب باسمه وتحت شعاراته من جرائم ومما سيقع من قتل وتدمير وإسالة للدماء الزكية بغير حق. وكأن المؤتمر القطري لحزب البعث إنما جاء ليكلله مسار الدماء بالشرعية الحزبية إلى جانب الشرعية الطائفية التي سيحصل عليها حافظ أسد كما سنرى بعد قليل.

لحسن الحظ فإن خطاب رفعت أسد لازال محفوظا, وكذلك مقررات المؤتمر وتوصياته, على الرغم من التكتم والسرية التي تُحاط بها هذه المؤتمرات عادة. وسننقل هنا باقتضاب بعض توصيات المؤتمر القطري السابع, التي توضح إلى أي مدى أوغلت سلطة حافظ أسد في الطغيان والاستبداد وإفساد المجتمع السوري والتلاعب بالدين والتاريخ وتخريب ثقافة الأجيال ووعيهم على مدى عقود طويلة:

1 – يوصي المؤتمر القيادة العامة بتكليف الرفيق وزير الدفاع بإغلاق الجوامع التي تُستخدم لتدريس الفكر الطائفي الهرطقي, وبأن يضرب بيد من حديد كل الذين يسلكون هذا الاتجاه المقنع سواء في التدريس الحاقد أو في تخريب ولاء المواطنين البسطاء, وأن يترافق هذا الإجراء مع المبررات المقنعة له والكافية والمشروعة.

2 – يوصي المؤتمر القيادة العامة بتكليف المختصين في شؤون الإعلام والثقافة بأن تقدم للمواطنين الحجج والمبررات والكشوف التي تدين المتاجرين بالدين والمخربين والهراطقة الذين يفسدون على بسطاء الشعب سلامة طويتهم ونظافة إيمانهم بأن يدخلوا بدعا وتزويرا لا علاقة لهما بالدين ولا بالإيمان.

3 – يوصي المؤتمر القيادة العامة بأن تكلف الرفيق وزير التربية, وهو المشرف على القطاع التربوي, بإنهاء الفكر المعادي في جهازه, وبتعديل المناهج التربوية بما يتلاءم ويتوافق مع مصالح الحزب والثورة.

4 – يوصي المؤتمر القيادة العامة بأن تكلف الرفيق وزير التعليم العالي بفتح كلية الشريعة للرفاق الحزبيين ممن يرشحهم الحزب لنيل شهادة الإجازة منها “مهمة حزبية” وأن يُضيق على اصحاب الفكر الديني المخرب عملية الدخول إليها, بحيث تصبح الكلية وعلى مدى ست سنوات قادمة تمتلك الغالبية من خريجيها من الرفاق المسلحين بالفكر القومي التقدمي, إلى جانب تعمقهم بأصول الدين الحنيف ورسالته السمحاء والمحبة.

5 – إنشاء مكتب أمن قومي توضع تحت تصرفه أكبر الإمكانات البشرية والتقنية.. وتكون مهمته تحديث المنظومة الحالية بأكملها..

6 – تشديد الرقابة على المنظمات الشعبية والاتحادات المهنية لتجنب تغلغل الفكر الديني المتطرف إليها, فيصيب من هناك الحزب والثورة.

لكن الأخطر فيما دعا إليه رفعت أسد جاء في النقاط التالية:

1 – إصدار قانون تحت مسمى “التطهير القومي” يطبق على كل من يحيد عن طريق الصواب.. ويعتنق المبادئ المعادية للفكر القومي.

2 – اتخاذ إجراءات قانونية تهدف إلى إنشاء معسكرات عمل وإعادة تأهيل لأجل تخضير الصحراء. يساق إليها كل من وقع في الخطأ وحُكم عليه من قبل المحاكم الشعبية, في تطبيق لقانون “التطهير القومي” المشار إليه آنفا.

3 – وضع برامج إعادة تأهيل وطني واشتراكي لتلك الغاية يتماشى مع النظام المدرسي. وعلى المحكوم الخضوع لامتحان سنوي في جميع مواد البرنامج. وبعد أن ينجح في الامتحان النهائي بعد قضاء فترة حكمه يحصل على شهادة “تطهير وطني”, ويصبح بإمكانه العودة إلى الحياة الطبيعية, وسيمنح برنامج إعادة التأهيل هذا ميزانية خاصة.

ولكي توضع توصيات المؤتمر موضع التنفيذ تم تعيين لجنة مركزية ضمت 30 علويا من أصل 75 عضوا, من بينهم عدد كبير من قادة الفرق العسكرية والميليشيات الطائفية وأجهزة المخابرات, في إشارة واضحة لما تنوي السلطة فعله في المرحلة التالية.

وفي تحليل إحصائي لنتائج المؤتمر القطري يقول نيكولاس فاندام: “ليس من المدهش بمكان وبتوافق مع التحليل الإحصائي لمؤسسات السلطة السورية, أن يتمتع الضباط العلويون بتمثيل قوي ضمن الأعضاء العسكريين المنتخبين في اللجنة المركزية. (لم يذكر فاندام عددهم وكانوا 30 من أصل 75 ) والأخطر أن بينهم بالإضافة إلى حافظ أسد نفسه, بطبيعة الحال, أخوه رفعت الأسد, والعماد علي أصلان نائب رئيس هيئة الأركان, والعماد علي دوبا مدير المخابرات العسكرية, واللواء علي حيدر قائد القوات الخاصة, واللواء علي الصالح قائد قوات الدفاع الجوي, واللواء ابراهيم الصافي قائد الفرقة الثالثة, واللواء شفيق الفياض قائد الفرقة الأولى ومن أقرباء الرئيس, واللواء عدنان بدر الحسن.

لعل قراءة متمعنة لما جاء في خطاب رفعت وما تمخض عنه المؤتمر من قرارات وتوصيات يفسر الانحدار الرهيب الذي آلت إليها أحوال السوريين في ذلك العهد البائس والذي تفجرت على نحو غير مسبوق بعد ثورة 2011 وأظهر عمق وحجم التخريب الذي لحق بالبنى الاجتماعية والثقافية والدينية والأخلاقية..

  • المؤتمرات الطائفية:

حافظ أسد و”مستشاروه” لم يتركوا شيئا للصدفة, و”على مستوى أكثر جدية” كما يقول ميشيل سورا, وفي تأكيد واضح للنهج الطائفي العنيف, دعا حافظ أسد إلى اجتماع للطائفة منتصف آب 1980 في مسقط رأسه بالقرداحة, وقرر أن يحتفل بعيد الفطر في معقله وبين أنصاره من أبناء طائفته, وليس في المسجد الأموي كما جرت العادة.

نيكولاس فاندام, وميشيل سورا, ودانيال لوجاك لم يفوتوا فرصة التوقف عند مؤتمرات الطائفة وأهميتها في المراحل المفصلية من تاريخ سورية المعاصر, تحدثوا بجرأة وصراحة عن طائفية السلطة.

يقول ميشيل سورا: “تكتسي مثل هذه المؤتمرات طابعا استثنائيا, إذ تحدد سياسة الطائفة على المدى البعيد, عند كل انعطافة تاريخية. ففي مؤتمر القرداحة عام 1960, ثم في مؤتمر حمص عام 1963, كانوا يدرسون كيف يمكن للضباط العلويين أن يتسللوا أكثر إلى آلة حزب البعث”, أما مؤتمر 1980, وعلى الرغم أنه من غير المتوقع أن يتسرب الكثير عما دار فيه, لكن المؤكد أن حافظ أسد كان في سبيله لتعبئة الطائفة, و”حضها على ضرورة التعاضد لتجاوز الأزمة”.

ويقول دانيال لوجاك: “في صيف عام 1980, وفي القرداحة مسقط رأس حافظ أسد, اتخذ قرار أثناء اجتماع لأعيان العلويين الموالين للأسد, بإرسال مائتي طالب إلى مدينة قم المقدسة, لكي يتخصصوا بالمذهب الجعفري, (جيرار ميشو) الذي ينقل هذه الطرفة, وهي مؤكدة جزئيا فقط يجد في هذا الأمر مشروعا للنظام السوري, ببناء محور شيعي في المنطقة”.

في تلك الفترة أيضا تم تشكيل ميليشيات مشتركة من “القمصان السود” ونُشرت في كامل مناطق العلويين حتى في اللاذقية. وكانت تتستر وراء هذه التعبئة جمعية علي المرتضى “الإنسانية”, على حد زعمهم, والتي يقودها جميل الأسد شقيق حافظ أسد, “والتي تذكرنا ببيانها التأسيسي بالمحافل الماسونية” كما وصفها ميشيل سورا.

بقي أن نشير إلى أن هذه الخطوات توجت نهجا متكاملا من عسكرة الطائفة والدولة والمجتمع, بما في ذلك منظماته المدنية النسائية والطلابية, تمهيدا للزج بها في أتون صراع داخلي دموي, وهو ما حذر من خطورة عواقبه قادة المجتمع السوري من النقابيين والسياسيين كما رأينا في الحلقتين السابقتين وكما سنى هنا مرة أخرى.

ميشيل سورا:

“نذكر بحقيقة أن السلطة الآن علوية وعلوية فقط من دون شريك”.

  • الدعوة إلى الإضراب العام في 31 آذار 1980:

خلال النصف الثاني من شباط، والنصف الأول من آذار عام 1980, شهدت معظم المدن السورية سلسلة متقطعة من الإضرابات والاحتجاجات, لم تكسرها سوى العاصمة دمشق ومدن قليلة أخرى، لكن المعلومات عنها ظلت شحيحة للغاية بسبب غياب الإعلام المستقل من جهة, ونتيجة الضغط الأمني الشديد من جهة أخرى, وقد أثّر هذا بطبيعة الحال على عملية التواصل بين القوى السياسية والنقابية والتجمعات الشعبية, وساهم على نحو ما في ضعف التنسيق والتنظيم.

وخلال تلك الفترة حاولت القيادات النقابية التواصل مع رئيس الوزراء المكلف حديثًا في بداية عام 1980 الدكتور عبد الرؤوف الكسم، القادم من خلفية علمية وثقافية غربية, لحلحلة الأوضاع والتوصل إلى مبادرات سلمية. وفي بداية الأمر, تفاعل الكسم مع قيادات النقابات وأبدى تعاطفه مع مطالبهم، مؤكدا أنه سيكون في صفهم في حال عدم تنفيذها. واتضح لاحقا للقيادات النقابية أن اللقاءات مع الكسم, ومع شخصيات أخرى أمثال عبد القادر قدورة رئيس مجلس الشعب وعبد الله الأحمر الأمين القُطري المساعد لحزب البعث, ليست مجدية وأنها كانت تأتي ضمن سياسة الاستيعاب والمماطلة التي اتبعها النظام، وتأكد لهم ذلك بعد ارتكابه مجازر مشهودة في جسر الشغور وحلب وإدلب في الفترة التي كان فيها الحوار قائما.

ومما عزز هذه الشكوك أن حافظ أسد في خطابه في الذكرى السابعة عشرة لانقلاب البعث، اتهم قادة النقابات بالهرطقة والعمالة وشبه نقدهم بلدغ الأفاعي.

وفي ضوء هذه السلسلة المريرة من التجاذب مع مناورات السلطة, وبعد كل ما مضى من المحاولات, اضطرت قادة النقابات إلى تنفيذ تهديدهم بالدعوة إلى إضراب عام يوم الاثنين 31 مارس/آذار 1980، تجتمع عليه القوى السياسية والنقابية والشعبية في المحافظات كافة, وأصدروا بيانا يتضمن المطالب الشعبية التي تلخصت بالنقاط التالية:

1- تأمين الحرية والديمقراطية للمواطنين كافة ومنحهم الحق في التعبير عن معتقداتهم وآرائهم السياسية.

2- إلغاء حالة الطوارئ وقصرها على أماكن الحدود والتماس مع إسرائيل.

3- سحب كافة المظاهر المسلحة من المدن مع سحب السلاح الذي تم توزيعه على بعض الهيئات والفئات المرتبطة بحزب البعث.

4- إزالة الأسباب التي أدت إلى بروز الممارسات الطائفية من أي جهة كانت ومهما كان مصدرها.

5- تقليص دور الأجهزة الأمنية وصلاحياتها وقصر الملاحقات على رجال الضابطة العدلية ضمن حدود الدستور والقانون.

6- إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والموقوفين بسبب معتقداتهم السياسية والفكرية، والذين أوقفوا بدون مذكرات قضائية.

عشية الإضراب المنتظر, كان التوتر على أشده في أكثر أنحاء سورية, وكان الترقب والخوف يسود الشارع السوري ولاسيما العاصمة دمشق, في حين كانت مدن حلب وحماة وبعض أرياف إدلب في شبه حالة حرب حقيقية, وحصار خانق تفرضه الفرق العسكرية والميليشيات الطائفية منذ أشهر.

في العاصمة دمشق, انتشر عناصر المخابرات في كافة زوايا المدينة وأرجائها, وظهروا بكثافة على أسطح سوق الحميدية وانتشروا على مداخله وأرجائه. وكان الخروج إلى الشوارع ليلا أو الانتقال من حي إلى آخر, يُعدّ مجازفة خطيرة, ويتطلب المرور على حواجز المخابرات الثابتة والطيارة التي تنتشر في كل مكان.

كان ملفتا أيضا مشهد الازدحام الشديد على الأفران والبقاليات ومخازن الطعام عشية الإضراب, وباتت المحلات شبه فارغة من محتوياتها..

وفي عصر اليوم الذي سبق الإضراب العام وُزِّعت منشورات تدعو التجار إلى إغلاق محلاتهم والتجاوب مع الغضب الشعبي العارم. 

صبيحة يوم الإضراب, وفي دمشق على سبيل المثال, كان الناس في حالة من الرهبة والوجوم, والمحلات التجارية أكثرها مغلقة أو نصف مغلقة, رفعت أبوابها قليلا في محاولة من أصحابها لإعطاء انطباعات معينة, لكن المخابرات سرعان ما أجبرت الجميع على فتح محلاتهم بالقوة.

في المدن الأخرى كانت نسبة الالتزام بالإضراب مرتفعة، وخاصة حماة وحلب التي تزامن التي كانت أساسا في حالة إضراب, وتزامن إضراب 31 مع إضراب تجارها الشهير، والذي جن جنون النظام على أثره حتى هدد اللواء شفيق فياض باستباحة أسواق حلب ونهبها.

مسألة التجار هذه كانت حديث الناس عشية الإضراب العام, وأعني هنا تجار دمشق العاصمة على وجه التحديد, الذين سبق لهم المشاركة في جميع موجات الاحتجاج منذ عام 1963, إلا أن موقفهم هذه المرة كان مختلفا تماما, ونُقل عن بعضهم أنهم استفادوا من مرحلة حافظ أسد ما لم يستفيدوه في غيرها, وتمكنوا من استثمار الهامش الذي تركه لهم النظام بغية تحييدهم عن الصراع الدائر.

قيل حينها إن حافظ أسد التقى بأعضاء غرفة التجارة بدمشق, وقدم لهم وعودا مغرية بإعفاءات ضريبية لعدة سنوات وتسهيلات في الاستيراد وتوفير العملة الصعبة, وتأمين حماية لكل واحد منهم وغير ذلك.

ميشيل سورا وصف تجار دمشق أولئك بأنهم: “كانوا بذلك شركاء جيدين في برجوازية جديدة.. تحت ظل البعث.. وهي طبقة أغنى وأوسع من طبقة الملاكين القديمة”.

  • قرار حل النقابات المهنية واعتقال كوادرها:

ادّعى النظام أن الإضراب فشل، وحاول عقد لقاءات لمجموعات منتمية لحزب البعث، حتى تقوم بسحب الشرعية من النقابات المنتخبة من خلال عملية انقلابية، إلا أنه فشل في تحقيق النصاب. وفي 7 نيسان أصدر حافظ أسد مرسوما تشريعيًا خوّل بموجبه مجلس الوزراء إصدار قرار بحل النقابات المهنية.

وفي 10 أبريل/نيسان؛ حلّت حكومة عبد الرؤوف الكسم النقابات المهنية وعينت شخصيات منتمية لحزب البعث والأجهزة الأمنية ثم أصدرت قوانين جديدة جعلت النقابات جزءًا من المنظمات التابعة لحزب البعث.

وعشية الإضراب العام, كانت أجهزة القمع تشن حملة اعتقالات واسعة شملت الكوادر النقابية المناوئة للسلطة في كافة المحافظات, وزجت بهم في السجون والمعتقلات, وقد أفرج عن بعضهم عام 1989 وعام 1991, إلا ان كثيرا منهم أعدموا في سجن تدمر على فترات متلاحقة. فيما كانت المجازر تتوالى يوميا على أحياء المدن السورية في حماة وحلب وجسر الشغور وسرمدا وغيرها..

مثلت الخاتمة المأساوية لهذا الإضراب مظاهر المجتمع المدني في سورية, وآخر محاولاته النضالية لاستعادة حريته واستقلاله. وأوجدت السلطة مكانها منظمات بدلية لم تكن سوى أبواق سلطة رخيصة ومأجورة، لا ترعى حرمة مهنة أو علم، وليست معنية بحماية أعضائها من بطش أجهزة القمع وظلمها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى