مقالات

عيد النيروز

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

الأعياد جمع عيد . وهو اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه مُعتاد : إما بعود السنة أو الأسبوع أو الشهور أو يوم كيوم الفطر والجمعة ومنها : اجتماع فيه . ومنها : أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات وقد يختص ذلك بمكان بعينه . وقد يكون مطلقاً وكل هذه الأمور تسمى عيداً . فالزمان كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة ( إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيداً ) والاجتماع والأعمال كقول ابن عباس (شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) والمكان كقوله صلى الله عليه وسلم (لا تتخذوا قبري عيداً ) وقد يكون لفظ العيد اسماً لمجموع العيد والعمل فيه وهو الغالب كقوله صلى الله عليه وسلم (دعهما يا أبا بكر! فإن لكل قوم عيداً وإن هذا عيدنا )
وما يفعله الكثير من الناس في هذا الزمان من احتفالات ومظاهر لم تكن لا في القرن الأول ولا الثاني ولا الثالث وهي القرون التي امتدحها النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) علما ان الذين أحدثوا هذه البدعة هم الفاطميون ولو كان فيه خيراً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا فقد كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له . وإنما كمال محبته وتعظيمه في طاعته واتباع أوامره وإحياء سننه ونشر ما بعث به . ومن المناسبات المعتبرة عيد الفطر وعيد الأضحى لحديث أنس بن مالك الذي رواه أبو داود في سننه ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم ولهم يومان يلعبون فيهما فقال : قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم الأضحى ) ونقل ابن كثير في تفسيره عند قوله تعالى ﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ﴾ المائدة : 3 . وروى الإمام أحمد عن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً . قال : وأي آية؟ قال : قوله ﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ فقال عمر : والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها عشية عرفة في يوم الجمعة ) وهناك بدع كثيرة يصعب حصرها وهذه المناسبات تعددت حتى غدا الإسلام احتفالات وأعياد . وهكذا تعددت الآراء وتفرق الناس على غير هدى . اما عيد النَّوْرُوزُ أو النَّيْرُوزُ :
هو عيد رأس السنة الفارسية الذي يوافق الحادي والعشرين من مارس في التقويم الميلادي ويرجع أصله إلى الديانة الزرادشتية الذي يُحتفل به في إيران والدول المجاورة لها . انتقل بين الشعوب والثقافات عبر طريق الحرير ( نو ) تعني جديد بالفارسية و ( روز ) تعني يوم . فتأتي نوروز مجتمعة بمعنى اليوم الجديد وقد عُربت قديما وظهرت في المعاجم التراثية مثل لسان العرب باسم ( النيروز ) قال البحتري في وصف الربيع :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً من الحُسن حتى كاد ان يتكلماوقد نبَـه النوروز في غلس الدُجى أوائل ورد كـُن بالأمس نوَما
لم يحظ الاحتفال بالنوروز بعناية في صدر الإسلام لكن تقديم الهدايا للفرس بدأ منذ زمن الامويين واستمر في الدولة العباسية . ولم يكن هذا اليوم ثابت في ذلك الزمان وكانت السنة الفارسية الشمسية تكبس على غرار ما يحصل في التقويم الميلادي لكن هذا النظام عطل لما جاء الإسلام خوفا من الوقوع في النسئ الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي مدح المتوكل قال البحتري :لك في المجد أول وأخير ومساع صغيرهن كبيرإن يوم النيروز عاد إلى العهد الذي كان سنه ازدشيرأنت حولته إلى الحالة الأولى وقد كان حائرا يستدير
وكان الاحتفال به قائما في الدول الإسلامية الفارسية كالدولة السامانية التي قامت في القرن الرابع الهجري . كما احتفل بها آل بويه في بغداد وقد هنأ الشاعر الشريف الرضي الدولة بالنوروز في قوله :
وأنعم بذا النيروز زوراً نازلاً ومنتظرهآل بويهٍ أنتم الأمطار والناس الخضره
كما كانت تحتفل فيه الدولة الفاطمية في مصر وفيه تقفل الأسواق ويبقى أكثر الناس في بيوتهم . وقد وافق في سنة 584 هـ يوم الثلاثاء 14رجب وهو مستهل السنة القبطية الأول من شهر توت ويصف محمد أحمد دهمان عادات الاحتفال فيقول :
وفيه ظهرت المنكرات والفواحش صريحة في الشوارع وقد ركب فيه أمير النيروز وتسلط على البيوت بطلب رسم فرضه على دور الأكابر وجمع المال والهبات . وكان يجتمع المخنثون والفاسقات فيه تحت قصر اللؤلؤة بالقاهرة ليشاهدهم الخليفة وبأيديهم أسباب اللهو وكان الناس يتراشقون بالماء والخمور والأقذار وإذا غلط رجل مستور وخرج من بيته فضحوه أو يفدي نفسه بمال . وبقي يوم النيروز يتغير بسبب عدم مراعاة أصول الكبيسة وحدوث اختلاطات وكان يتّجه إلى الخريف إلى أن حلّت هذه المشكلة على يد الشاعر عمر الخيام في القرن السادس الهجري بعد أن طلب ملك شاه السلجوقي احداث تصليحات على التقويم الإيراني وصنف الخيام كتاب سماه ( نوروز نامه ) واختير التقويم ( الجلاليّ ) تقويماً شمسيّاً للبلاد . وعدا إيران وأفغانستان يحتفل به عند كثير من شعوب آسيا الغربيّة ومنها شعوب القوقاز ودول بحر قزوين والشعب الباكستانيّ والتركيّ والاكراد . وكذلك الصيادون والفلاحون في ساحل شرق أفريقيا ويدعى في السواحيلية بـ ( النيروزى ) ومن مراسيمه تجهيز مائدة خاصة تسمى ( سفره ى هفت سين ) أي سفرة السينات السبع لأنها تحتوي على سبعة أشياء تبدأ بحرف السين . ومن العادات الاخرى ظهور الحاج فيروز في الشوارع وهو يرتدي في العادة لباسا أحمر ويصبغ وجهه بلون أسود وبعدها يقوم بإنشاد قصائد شعبية . وفي شباط 2010 م قررت اليونسكو إدراجه في القائمة النموذجية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية كما اعترفت بيوم 21 آذار بوصفه ( يوم نوروز الدولي )
وذكر المؤرخون أن أول من أحدثه جمشيد احد ملوك الفرس وهو ستة أيام وكانوا في عهد الأكاسرة يقضون حاجات الناس في الأيام الخمسة الأولى واليوم السادس لأنفسهم وخواصهم ومجالس أنسهم ويسمونه النيروز الكبير وهو أعظم أعيادهم . والملالي يُعظمونه فقد قال الخميني : ان غسل يوم النيروز سُنة ولهم عيد يقيمونه في اليوم التاسع من ربيع الأول وهو عيد أبيهم ( بابا شجاع الدين ) وهو ( أبا لؤلؤة المجوسي ) الذي أقدم على قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وهو من أعياد البهائيين أيضا ويقولون باختصار :أن دينهم دين جديد وليس مذهبا إسلاميا ولا يعترفون بان سيدنا محمد ﷺ خاتم الأنبياء وبالصلاة والحج والصوم ولا حتى بالشهادة . حجُّهم إلى إسرائيل وصيامهم 19 يوم يعقبه عيد النيروز وهو العيد الرئيس عند البابية ايضا ومدته تسعة عشر يوماً . يصومون شهرا بهائيا واحدا هو شهر العلا ويبدأ من 2 إلى 21 مارس وهو آخر الشهور وفيه يجب الامتناع عن تناول الطعام من الشروق إلى الغروب ويعقب شهر صومهم عيد النيروز .
كان للفراعنة أعياد كثيرة منها أعياد الزراعة التي تتصل بمواسمها والتي ارتبط بها تقويمهم إلى حد كبير فإن لسنتهم الشمسية التي حددوها باثني عشر شهرا ثلاثة فصول كل منها أربعة أشهر وهى فصل الفيضان ثم فصل البذر ثم فصل الحصاد ومن هذه الأعياد عيد النيروز الذي كان أول سنتهم الفلكية بشهورها المذكورة وأسمائها القبطية المعروفة الآن . وكذلك العيد الذي سمي بشم النسيم وكانوا يحتفلون به في الاعتدال الربيعي عقب عواصف الشتاء وقبل هبوب الخماسين وكانوا يعتقدون أن الخليقة خلقت فيه وبدأ احتفالهم به عام 2700 ق . م وذلك في يوم 27 برمودة الذي مات فيه الإِله ” ست ” إله الشر وانتصر عليه إله الخير وقيل منذ خمسة آلاف سنة قبل الميلاد وكان من عادتهم في شم النسيم الاستيقاظ مبكرين والذهاب إلى النيل للشرب منه وحمل الماء لغسل أراضي بيوتهم التي يزينون جدرانها بالزهور ويذهبون إلى الحدائق للنزهة ويأكلون خضرًا كالملوخية والملآنة والخس ويتناولون الأسماك المُملحة التي كانوا يصطادونها من بحر يوسف وتملح في مدينة ” كانوس ” وهى أبو قير الحالية كما يقول المؤرخ ” سترابون ” ويشمون البصل ويعلقونه على منازلهم وحول أعناقهم للتبرك .


المصادر :

 البهائية شرح العقيدة الطحاوية

في ظلال القران لسيد قطب

موسوعة الرد على الصوفية

تشبه الخسيس بأهل الخميس فرق معاصرة تنتسب للإسلام

أصول وتاريخ الفرق الإسلامية

أعياد الكفار وحكم المشاركة فيها

الإلحاد الخميني في أرض الحرمين

الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب

موسوعة الرد على المذاهب الفكرية المعاصرة

مجلة البيان – العدد [4] صـ 42 جمادى الآخرة 1407 – فبراير 1987

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى