مقالات

دخان يعمي و لا برد يقتل!

حسام نجار

كاتب صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

في مقال سابق تكلمت عن مبررات طرفين متناقضين لقبول المجلس العسكري بقيادة مناف طلاس أو رفض هذا المجلس، وعرضت وجهات النظر المختلفة دون وضع رأيّ شخصي بها؛ كي ألتزم الحياد ككاتب فيما أكتب.

بالطبع هناك نقاط أخرى يختلف عليها الطرفان، لكنني آثرت وضع أهم الاختلافات.

 من هذا المنطلق سأحاول هنا التكلم عن شخصية أخرى كانت مثاراً للجدل والخلاف بين أبناء الثورة تحديداً، هذه الشخصية التي طالما كان الحديث عنها يثير فكرة الانشقاق وطبيعته، وحال المنشقين ووظائفهم السابقة واللاحقة.

الانشقاق كمعنى

معجم المغني: اِنْشِقاقُ الجَماعَةِ: اِنْفِصالُ أَفْرادِها بِسَبَبِ خِلافٍ في الرَّأْيِ أَوِ العَقيدَةِ..

معجم المعاني الجامع: كانا لاَ يَفْتَرِقانِ/فانْشَقَّ /أَحَدُهُما عَنِ الآخَرِ: اِنْفَصَلَ عَنْهُ، وَابْتَعَدَ /انْشَقَّ/ عَنْ جَماعَةٍ، وَانْضَمَّ إلى جَماعَةٍ أُخْرَى.

المعجم الوسيط: انشَقَّت عَصا الجماعَةِ: تفرَّقوا..

معجم اللغة العربية المعاصرة: انشقَّ الشَّيءُ: انفلق، انصدع أو انقسم.-

نلاحظ من خلال وضع تفسيرات بعض المعاجم لكلمة الانشقاق أنها تتفق فيما بينها بشرح هذه الكلمة لغوياً، وتم استخدامها ثورياً من قبل المنشقين دلالة على خروجهم من منظومة قمعية استبدادية شمولية، وانفصالهم عنها إلى مجموعة أخرى عانت من استبداد الأولى وقمعيتها. بالمحصلة انتقال من جهة القامع إلى جهة المقموع وهذا يعتبر شيء إيجابي في هذه الحالة، يعزز هذه الإيجابية دور المنشق وعمله داخل الجهة التي انتقل لها، وهنا تبدأ تلك الاختلافات بين الجموع الثورية، والتي سنحاول قدر المستطاع تحديد أهمها:

  • وظيفة المنشق السابقة وكيفية تأديته لها:

كل من انفصل عن مجموعة النظام القمعية يعتبر منشقاً عنها، وهنا تتفاوت أهمية المنشق ومكانته التي وصل لها ودوره السابق في مشاركة النظام بالفساد أو عدمه، تنبع تلك الأهمية من الدور المنوط به ومستوى رتبته المدنية أو العسكرية، فمن المتعارف عليه في ظل حكم استبدادي قمعي لا مكان للأنقياء إلا ما رحم ربي، ووصول أية شخصية لمراتب عليا في الحكم أو الوظيفة أو المكانة تكون بسببين: إما أنه واجهة فقط يتم من خلالها تنفيذ كل المساوئ والجرائم، أوأنه مشارك فعلي فيما يحصل من خلال السكوت أو التعاون أو حتى التنفيذ.

من عادة تلك الأنظمة أن تجعل للفرد لديها ورقتان بيضاء وسوداء، هاتين الورقتين يتم استخدام إحداهما عند الرضا، والثانية عند الغضب والخروج عن المطلوب، ومن هنا نجد أن الانشقاق عن هذه الأنظمة يعتبر (تضحية لها ثمن).

من خلال ما سبق حاولت قدر الإمكان أن أكون منصفاً بعض الشيء في حق المنشقين. وتوطئة للدخول في بحث نقاط قبول ورفض السيد/ رياض حجاب، وحجج الطرفين حوله.

الشخصية:-1

المقتنعون به يعتبرونه شخصية هادئة رزينة تعرف ما تريد، لديها قدرة على التأثير واتخاذ القرارات، تنفيذية من الدرجة الأولى من خلال خبرة اكتسبها أثناء عمله السابق، ليس لديه خلافات سابقة مع أحد، وهي تدل على سلمية الرجل وقدرته على تبديد الخلافات بالعقل والمنطق.

الرافضون له يرون عكس الصفات السابقة، فهو كان أداة طيعة نظراً لشخصيته التابعة المنفذة دون اعتراض أو تردد، وعدم وجود خلافات أو تنازعات مع أحد دليل أنه يقبل بما يمليه الآخرون عليه؛ إما بالإقناع مرة، أو القوة مرة، أو أنه لا يمتلك الحجة اللازمة لطرح رأيه.

التدرج الوظيفي: -2

يرى مريدوه أن إمكانياته الإدارية وصبره ومثابرته سهّل له التنقل من أصغر الرتب إلى أعلى سلطة تنفيذية في البلاد دليل على قوة شخصية الرجل، وتفانيه في عمله، والثقة التي أُعطيت له، وأنه يعمل لصالح الدولة وليس لصالح النظام. وهنا اختلاف بين المفهومين، تدرّجه الوظيفي هذا لا يعيبه، ولا يمكن اعتباره تابعاً أو موافقاً على سياسة النظام في كل المناصب التي تسلمها، كما أنه حاول تعديل وتطوير آلية عمل تلك المناصب؛ لتكون أكثر حرية وعمومية.

أما وجوده في حزب البعث، فالكل يعلم أن النظام كان يعمل على تنسيب جل السوريين في حزب البعث، ويخضعهم لمنظمات الطلائع والشبيبة والاتحاد الوطني لطلبة سورية. فإذا كان هذا سبباً لرفضه فيجب علينا أن نرفض كل من كان بعثياً أو تابعاً لتلك المنظمات.

لماذا نقبل ضباطاً برتب عالية كانوا في جيش النظام، ولا نقبل شخصاً مدنياً كان في أعلى رتبة تنفيذية. أليس هذا في صالحنا أنه انشق؟ أليس في صالحنا أنه شخصية معروفة دولياً؟ أليس من حقنا أن نوليه اهتماماً، ونلتف حوله كواجهة جيدة للسوريين؟ أليس رجلاً أكاديمياً، أم أنكم تريدون من شخصيات هزيلة ضعيفة أن تتولى أمر الثورة والتعاون مع الدول؟

يعود الرافضون لنقض كل ما طرح سابقاً من حجج وبنفس الآلية، فيقولون: إن أصغر طفل في سورية يعلم علم اليقين أن النظام هو الدولة وأن الدولة هي النظام، فلا يمكن التفريق بينهما بحجج كاذبة، وانخراط الفرد في منظومات النظام بدءاً من “الطلائع” وصولاً “لاتحاد الطلبة” دليل على وصولية كبيرة. وكذلك السوريون يدركون أن وراء هذا الانخراط غايات أخرى؛ ألا وهي الوصول، فلا داعي لجعل السوريين في كفة واحدة، إن القول إنه كان يحاول تطوير آلية العمل في تلك المناصب ماهي إلا لذر الرماد في العيون، هل استطاع هذا؟ …هل وجدنا تطوراً عندما استلم المحافظات أو الوزارات، إنه واجهة تنفِّذ المطلوب منها دون اعتراض أو تخاذل، أما عن المصلحة في انشقاقه فهذه مسألة أخرى فيها مصلحة متبادلة لا شك انتفعت الثورة منها، لكن بالمقابل كانت له مصلحة في الخروج من السفينة الغارقة، ولا بد أن هناك مكافأة له لانشقاقه تتم الآن بتعويمه وجعله أحد المُخَلِّصين للشعب من ألامه. أما مقارنة انشقاقه مع انشقاق الضباط فهذه تؤخذ عليه وليست له نتيجة موقع كلٍ منهما، وهذا ما أثبتته أيام الثورة أن انشقاق الضباط كان له تأثيره الجيد، كما أنهم كانوا جزءاً يسيراً من عدد كبير.

رجل دولة: -3

في هذا المحور خلاصة ما سبق، فالرجل شخصية سياسية تنفيذية قام بمهمات وطنية في أثناء عمله السابق، لا يمكن لأحد تجاوزها وهو يعتبر في المفهوم العام رجل دولة له صلات دولية. مصلحة الوطن مقدمة على المصلحة الشخصية، شخصية أكاديمية لديها القدرة على الاستماع، يتحمّل النقد، لا يسفه الآخرين، لديه مشروع لخدمة بلده، منذ انشقاقه حتى الآن يتم استقباله كرجل دولة بمختلف الدول، حتى أمريكا استقبلته رسمياً، فلماذا تنكرون عليه هذا؟

كل ما تم وضعه من صفات لرجل الدولة صحيح، لكنها لا تنطبق عليه قولاً واحداً، فأي موظف في سورية من أصغر واحد إلى أكبرهم عبارة عن أداة تنفيذية تعمل حسب الخطة الموضوعة من رأس النظام، وكلنا شاهدنا و رأينا من هم أهم منه وأكثر قدرة و إمكانيات، كيف تم استبعادهم واتهامهم لمجرد أنهم خرجوا عن الخط المناط بهم بشيء بسيط، من الناحية الأكاديمية هناك الكثير الكثير ممن هم أعلى منه شهادة وعلمية وأكاديمية، وتشهد لهم الجامعات العالمية ولم ينخرطوا في منظمات أسد، بل كانوا شوكاً في حلقه، هل يعتقد المريدون أن الله لم يخلق أفضل منه؟ إن الوطن زاخر بأبنائه الشرفاء، وإن بحثنا سنجد الآلاف المؤلفة القادرة على السعي والمضي قدماً لحمل الثورة على أكتافها ووضع سورية على السكة الصحيحة، ولدينا من الأسماء ما يكفي.

في هذا العرض وجهات نظر تستحق الوقوف عندها، ولكلٍ منهما مبرراته المقنعة حيناً والمرفوضة أحياناً، يتخللها عدم توافق شعبي على طرح شخصيات يتم تعويمها من الخارج، فلو كانت تلك الشخصيات محسوبة ونابعة من آلام هذا الشعب لوجدنا التوافق والتكاتف والاهتمام بها من الجميع.

ليعود الحيارى ويرددون دخان رياض حجاب ولا برد بشار الأسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى