مقالات

كيف كسب حافظ أسد معركته مع الإخوان ؟ مذكرات ثائر سوري 8

محمد حساني

ناشط ثوري
عرض مقالات الكاتب

في المقال السابق ، تحدثت عن سلطة حافظ التي هي في الحقيقة سلطة احتلال بهوية سورية معتمدًا على حثالات الشعب السوري في تنفيذ مخططه القذر ؛مهيئا الظروف والارضية لاستكمال مشروعه وتنفيذه.
كعادة كل الانظمة الدكتاتورية والعميلة ،لا تستطيع العيش دون خلق أزمات وافتعال معارك لصرف الانتباه عن المخطط الرئيسي الذي تقوم به من جهة ، ومن جهة أخرى تقوم بمعركة استباقية للقضاء على الخصوم المحتملين ،بحيث يكون “النظام العميل” قد قضى على من يمكن معارضته مستقبلاً حين يخوض معركة كسر الظهر.
بعد استقلال سورية وفي عهدها الوطني ،كان هناك على الساحة السورية جماعة دعوية “الاخوان المسلمين”، ولها تمثيل في البرلمان يمثلها الاستاذ مصطفى السباعي.
كانت جماعة الإخوان المسلمين أكثر جماعة في سوريا مثقفة وغالبية اعضائها خريجو جامعات ودرجات متقدمة، وكانوا من أرقى شباب المجتمع خلقًا واستقامة، وبعيدًا عن السرد التاريخي للنزاع مع عبد الناصر في موطنها الأم ” مصر” ومن ثمة الصراع مع القوميين في سورية أو لنقل النظام العسكري البعثي ، إلا أن أوضح مرحلة للصراع أو “كسر العظم” كان في زمن الخائن حافظ أسد
فقد أيقن حافظ أن الاخوان المسلمين يشكلون عقبة كأداء أمامه ولابد من إزاحتهم حتى يتسنى له تنفيذ مخططه القذر!
بدا حافظ باعتقال قادتهم وتعذيبهم، وقتلهم ،وافتعل معهم معركة وهيئ كل الظروف لشيطنتهم ، فأوعز إلى مرتزقته بتشويه سمعة الجماعة ،وتأليف القصص عليهم، فكالوا لهم سيلاً من الاتهامات في الوقت التي كانت جلودهم تسلخ في زنازين الجزار .
وضع الإخوان المسلمين في موقف لا يحسدون عليه، فكان أمامهم خياران ، إمّا المقاومة للدفاع عن أنفسهم واجهاض مخطط حافظ ، وكانت رؤيتهم أن العمل المسلح هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا من براثن نظام مجرم عميل – وأنا شخصيًا اتبنى لهذا الرأي – وكان على رأس هذا التيار الشيخ الشهيد مروان حديد رحمه الله .
وذهب أنصار الرأي الثاني – وهم الغالبية – إلى إبقاء الجماعة سلمية دعوية تسعى لبناء المجتمع والفرد تنطلق من القاعدة وأنهم لن يعطوا المجرم حافظ ذريعة لاستخدام العنف ،وكانوا يرون أن العنف هو نهاية الجماعة وكان على رأسهم الاستاذ عصام العطار.
أمام هذه الحالة الصعبة انقسمت الجماعة إلى قسمين
شكل الشهيد مروان حديد تنظيم الطليعة المقاتلة، وراح يحارب النظام ،ويقوم بأعمال الاغتيالات مما زعزع أركان النظام ،واقترب من السقوط ، وهي الأحداث التي انطلقت نهاية السبعينيات حتى مجزرة حماة 1982 ، ولكن الهزيمة انقلبت نصرًا لحافظ أسد ، وتلك تحتاج شرحًا مطولاً سواء بتخاذل الشعب عن تشكيل حاضنة مجتمعية لدعم الثوّار ، أو الواقع الدولي والإقليمي ودعم حافظ أسد من أنظمة عربية فضلاً عن انشغال العراق بحرب قاسية مع إيران ،ثمة أخطاء كبرى أدّت للقضاء على على الإخوان المسلمين وكذلك خصوم حافظ من بعثيي العراق ، وبالتالي انتصر على الشعب السوري!
لعلي هنا أذكر أهم الأسباب التي مكنت المجرم حافظ من الانتصار :
١- استطاع حافظ بشعاراته الكاذبه وإعلامه أن يكوّن لنفسه شعبية لا بأس بها من اللعب بالشعارات التحررية ،وهذه الشعبية كانت تعمل ضد الإخوان للأسف كمخبرين وقوة شعبية تقف خلف المقبور
٢-أجهزة المخابرات التي شكّلها واستخدامها للعنف المفرط مما شكل حالة من الرعب، بالإضافة إلى الميليشيات المجرمة الطائفية كالوحدات الخاصة بقيادة علي حيدر، وسرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد وتغطية وزير الدفاع مصطفى طلاس
٣-الخلافات مابين الإخوان أنفسهم، حيث أدت تلك الخلافات إلى ضعف شديد في أداء دورهم وبخاصة الخلاف مابين جماعة حلب وعلى راسهم الشيخ عبدالفتاح ابو غدة ،وجماعة حماة وعلى راسهم عدنان سعد الدين.
وأيضًا الخلافات الشديدة مابين الاخوان والطليعة المقاتلة، وكان الخلاف يصل إلى التبرؤ من الطليعة بل أكثر من ذلك فقد روى لي الضابط المسؤول عن ملف الإخوان المسلمين لدى صدام حسين، وقال لي- والعهدة عليه – في ذات يوم لما حوصرت حماة جاءني عدنان سعد الدين ليطلب الأذن بالدخول إلى صدام حسين ،ولما ادخلته قال للرئيس لقد حوصرت حماة ،وأن عدنان عقلة قادم للعراق ليأخذ المقاتلين لفك الحصار، ويريد منك دعمًا بالأسلحة فإن قدم فلا تعطه ،ولما سأله الرئيس صدام عن السبب ؟ أجابه لا نريد قتل باقي شبابنا فحافظ قد أحكم الحصار- وأنا من جهتي أحمل عدنان سعد الدين هذا الخطأ التاريخي – إن صحت الرواية – ولا أحمل الإخوان كجماعة – فقد ذكر غير مصدر أن الراحل عدنان سعد الدين التقى مع صدام وطلب منه سلاحًا لدعم حماة ، وقال له صدام حسين إنه لا يمانع بذلك وسيقدم لهم ما يريدون لكن حماة مدينة داخلية وليست حدودية وبعيدة عن العراق ، والعراق الآن بحرب طاحنة مع إيران ، وحافظ أسديحظى بدعم دولي في مواجهة خصومه ، وإذا صحت رواية الضابط وحسب خبرتي لو وصل عدنان عقلة بالرجال والسلاح لتغيرت الأمور جذريًا.
هذه الأسباب الرئيسية مكنت المقبور حافظ من النصر، وتحقيق مشروعه ولم يبق أمامه إلا أن يخوض معركته الفاصلة بكسر ظهر الشعب السوري نهائيا ،ليتفرد بالدولة ويصادرها لحساب طائفته التي هي مشتركة معه بالأساس في مشروع احتلال الدولة ومصادرتها ،وجعلها مزرعة طائفية في خدمة مشغليهم، وللتغطية على دورهم الخياني غطوه بشعار المقاومة.
هذه العوامل كلها، فضلاً عن الإمساك بمفاصل الدولة ، وجعلها بيد ضباط نصيريين من نفس مشروع حافظ قد هئ الأرضية المناسبة لخوض المعركة النهائية معركة كسر الظهر لإخراج السنة من معادلة الدولة ،وجعلهم مواطنين من الدرجة الثالثة ،ووهو ماسأتكلم عنها في المقال القادم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى