تحقيقات

عملة منهارة وغليان شعبي في مناطق النظام السوري.. ما الذي سيقدمه الأسد؟

في عام 2014 كان الدولار الأميركي يساوي 145 ليرة سورية، أما اليوم، ومع مرور ثلاثة أشهر من 2021، بات يساوي أكثر من 4400 ليرة.

ولهذين العامين خصوصية فريدة في سوريا، كونهما الضابط الموحد لموعد الانتخابات الرئاسية في البلاد، وعلى الرغم من ارتباطهما بهذا الاستحقاق، إلا أن ظروف كل منهما باتت مختلفة بشكل جذري، من الناحية الاقتصادية أولا، ومن ثم الاجتماعية والعسكرية ثانيا.

قبل سبع سنوات، وبصورة أدق ما قبل انتخابات 2014 بأشهر، كان هناك حملات ترويجية لترشح بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة. شوارع المحافظات السورية من دمشق إلى حمص والمدن الساحلية لم تخل من صور الأسد، ومعها كان هناك “خيم انتخابية” وأناشيد وأغاني تمجد رأس الهرم في السلطة.

لكن حال اليوم يبتعد كل البعد عن السابق، ورغم حملات التمهيد الإعلامية لترشح الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في يونيو 2021، إلا أن الشارع الداخلي لم يشهد أية تحركات مشابهة لظروف الانتخابات السابقة، وهذا يتعلق بشكل أساسي بالوضع الاقتصادي الذي بات الشغل الشاغل للمواطنين، حتى أن تفكيرهم بات ينحصر في كيفية الحصول على ربطة من الخبز أو مخصصات من الوقود.

ويسعى نظام الأسد إلى إجراء انتخابات رئاسية، في الأشهر المقبلة، وفق الدستور الذي أقره عام 2012. وسيكون الأسد المرشح الأقوى فيها للفوز، في حين لا تعترف المعارضة السورية بشرعية إجراء الانتخابات في الوقت المحدد لعدة اعتبارات، أبرزها عدم الاعتراف بالدستور الحالي (2012)، وانطلاق أعمال “اللجنة الدستورية” السورية، وما سيترتب عليها من نتائج يجب أن تسبق عملية انتخاب رئيس لسوريا.

وفي آخر التصريحات عن الانتخابات الرئاسية في سوريا، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف اليوم الثلاثاء أن “الكرملين يعتبر بشار الأسد رئيسا شرعيا لسوريا”.

وقال بيسكوف في تصريحات صحفية “اعتقادنا أن الأسد رئيس شرعي للدولة السورية ونعمل جاهدين لتحفيز العمل على وضع الدستور (السوري) ودفع التسوية السورية في مسارها السياسي بشكل عام”.

“الناس تفكر باللقمة”

بين مدينتي حمص ودمشق يتنقل الشاب السوري غياث بشكل أسبوعي بحافلة للركاب تنطلق من “الكراجات الجنوبية”، وفي هذه الرحلة لاحظ عدة صور لرأس النظام، بشار الأسد في مدخل بلدة قارة في منطقة القلمون، لكنها نزعت بالكامل منذ قرابة ثلاثة أيام، دون معرفة الأسباب.

يقول الشاب، الذي يعيش في مدينة حمص وسط البلاد، في تصريحات لموقع “الحرة” إنه “في كل جلسة أتواجد بها أو رحلة سفرية هناك حديث واحد لا غيره بين المواطنين، يتعلق بالأسعار الجنونية للمواد الغذائية، وانهيار سعر صرف الليرة السورية وانقطاع المحروقات والمخصصات التي تحددها الحكومة السورية”.

ويضيف غياث أنه لم يلاحظ حتى الآن أية حملات ترويجية لرأس النظام في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويوضح “الأحياء المعروفة بموالاتها الشديدة كالسبيل وعكرمة ووادي الذهب والزهراء في حمص لم ترفع فيها أية صور لبشار الأسد، وأيضا لم تقام فيها الخيم الانتخابية، والتي بات نصبها عرفا بالنسبة لها”.

ومنذ أسبوع أنشأ فرع “حزب البعث” في مدينة الرستن “خيمة انتخابية” للترويج للأسد للانتخابات، لكنها أزيلت بعد أيام، كونها لم تشهد أي نشاط أو إقبال من قبل المواطنين الذين يعيشون في الريف الشمالي لحمص.

“الناس تفكر بلقمة العيش. جوعانة” يقول الشاب الذي تحدث إليه موقع “الحرة”، ويتابع “ليتر الزيت الواحد تخطى سعره عشرة آلاف ليرة سورية”. “باكيت” الدخان في أدنى نوع منه يعادل سعره 2500 ليرة سورية. أسعار الوقود ارتفعت ومع ذلك ليست متوفرة بالقدر الذي يحتاجه الناس.

وكانت حكومة نظام الأسد قد زادت أسعار البنزين المدعوم وغير المدعوم، كما رفعت سعر أسطوانة الغاز المنزلي، في بيان لها الثلاثاء.

وأصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ثلاثة قرارات قضت برفع سعر مبيع مادة البنزين أوكتان/95/ للمستهلك، ليصبح سعر الليتر 2000 ليرة سورية.

كما أصدرت قرارا آخر تضمن تحديد سعر ليتر مادة البنزين الممتاز أوكتان 90 للكميات المخصصة على البطاقة الالكترونية (مدعوم وغير مدعوم) بـ 750 ليرة سورية لليتر الواحد، ارتفاعا من 475 ليرة للمدعوم، و675 لغير المدعوم.

ويرى محللون اقتصاديون أن رفع أسعار المحروقات في سوريا يشير إلى أن حكومة الأسد اتجهت لإنهاء الدعم المخصص للمواد الرئيسية التي يحتاجها المواطنون، لاسيما أن ليتر مادة البنزين المدعوم بات يساوي سعر ليتر البنزين غير المدعوم.

“غليان في الشارع”

إلى باقي المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد لا يختلف الحال كثيرا عما تم ذكره سابقا، ففي مدينة السويداء جنوبي البلاد هناك حالة “غليان شعبي”، قد ينفجر في أي لحظة، حسب ما يقول الصحفي السوري، ريان معروف.

ويقول معروف الذي يدير شبكة “السويداء 24” في تصريحات لموقع “الحرة” إن أفرع “حزب البعث” في المحافظة نظمت في الأسابيع الماضية حملتان للترويج للأسد، لكنها فشلت، بسبب عدة عوامل.

وجاءت الحملة الأولى تحت عنوان “بشار الأسد خيارنا”، أما الثانية أطلق عليها “حملة أطول رسالة حب ووفاء لبشار الأسد”.

ويتابع معروف “في الحملة الأولى حشد مسؤولو حزب البعث الموظفين في الدوائر الحكومية والطلبة. خلال دقائق خلت القاعة المخصصة لذلك، ولم يتبق سوى البعثيون والمحافظ”.

أما حملة “أطول رسالة حب ووفاء” فكانت تهدف إلى جمع أكثر من مليوني توقيع لدعم الأسد، من كافة المحافظات السورية، ووفق الصحفي السوري المقيم في السويداء “الحملة أفشلها شبان معارضون من المدينة، وتشابكوا بالأيدي مع المنظمين لها”.

وهناك حراك شعبي في السويداء يدعو للخروج بمظاهرات مناهضة للأسد في الأيام المقبلة، بسبب تردي الوضع الاقتصادي.

ويقف من خلف هذه الدعوات حملة “بدنا نعيش”، والتي سبق وأن نظمت عدة تظاهرات مناهضة لنظام الأسد، في الأشهر الماضية، ولاقت في ذلك الوقت تفاعلا داخل المجتمع السوري وعلى وسائل الإعلام الغربية.

يقول معروف “الجوع وحد الناس. اليوم في السويداء وعند الدخول إلى أي محل أو تجمع للمواطنين هناك تذمر وانتقاد لاذع للأسد ونظامه”.

هل هناك برنامج انتخابي؟

لسوريا وضع خاص يتعلق بطبيعة تنظيم الانتخابات الرئاسية والشخصيات المرشحة للفوز بها، والتي تنحصر ببشار الأسد، على الرغم من ترشح شخصيتين في انتخابات 2014 الأولى هي رجل الأعمال الدمشقي، حسان النوري إلى جانب عضو البرلمان السوري، ماهر حجار.

وكان التصويت في السابق يتم عبر استفتاءات فاز فيها بشار الأسد، ومن قبله والده حافظ الأسد، حين لم تكن أوراق الاقتراع تتضمن إلا اسما واحدا، وسؤالا يصوت عليه السوريون بنعم أو لا.

وبالرغم من وجود “متحدين” للأسد في انتخابات 2014، إلا أن هذه العملية وصفت في ذلك الوقت بـ”اللعبة السياسية”، لإظهار “صورة ديمقراطية”.

ولم يعرف بعد إن كانت الانتخابات المقبلة ستضم أكثر من اسم إلى جانب الأسد، كما شهدته الانتخابات السابقة في 2014.

وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أعلنت رفضها مرارا للانتخابات التي يحضر لها الأسد والروس معه، ويتوافق هذا الموقف مع الاتحاد الأوروبي الذي أعلن في عدة فترات على لسان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، أن “الانتخابات ذات المغزى في سوريا، هي فقط تلك التي تجرى على أساس دستور سوري جديد، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254”.

وأضاف بوريل أن الانتخابات التي تنظم وفق القرار الأممي، من شأنها أن تكون بمثابة فصل افتتاحي جديد بالنسبة للبلد وشعبه.

“عقوبات ذكية”

وبدا لافتا منذ أسبوع اشتداد اللهجة الغربية ضد الأسد ونظامه، ووصلت في آخر محطاتها لفرض عقوبات جديدة ضده من قبل بريطانيا، واستهدفت بصورة مباشرة شخصيات في رأس الهرم، في مقدمتها وزير الخارجية، فيصل المقداد ومستشارة الأسد الإعلامية، لونا الشبل.

الاستشاري الاقتصادي، يونس الكريم يرى أن “العقوبات على النظام بدأت تلقي بظلال مباشرة على عائلة الأسد”.

ويقول الكريم في تصريحات لموقع “الحرة” إنه “قبل فترة قريبة كان تأثير العقوبات غير مباشر، وتصب في عملية التضييق على آل الأسد لاتخاذ قرارات تنازل، لكن إصرار الأسد قاد الأمر إلى تشديدها، لتمس الآن مباشرة رأس الهرم”.

ويوضح الاستشاري الاقتصادي أن قطاع العقوبات “تحول من عقوبات تخدم الشعب إلى عقوبات ذكية، ولأول مرة نشعر بأنها إلى حد كبير دقيقة، حيث بدأت تصيب أسماء الأسد والهيكل الإداري لها. هناك إجماع دولي على ذلك”. واعتبر الكريم أن فرض العقوبات كان له تأثير على الحملات الانتخابية للأسد.

وأضاف أن “اتباع هكذا حملات يعتبر نوعا من البذخ لا يتمتع به الأسد الآن، وفي المقابل لا يريد الأخير أن يثير الطبقة الموالية والتي تعيش في وضع اقتصادي متأزم”.

“يريد الأسد إظهار التقرب من الشعب في الوقت الحالي”، ويرى الكريم أن انتخابات 2014 تختلف عن 2021، بأن الأسد أراد في الأولى إرسال الرسائل للخارج، أما الآن “يهمه الداخل، لاسيما أن الخارج يتمسك بعصا العقوبات لتقديم التنازلات”.

المصدر : الحرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى