منوعات

الأوقاف كوسيلة لإضفاء الشرعية عند المرينيين في بلاد المغرب الأقصى

أنس الأعرابة

باحث في معهد الشرق الأوسط
عرض مقالات الكاتب

يُعتبر الوقف من أهم معالم الحضارة الإسلامية ومن أبرزها تأثيرًا في حياة المجتمعات الإسلامية، وقد عرفت منطقة الغرب الإسلامي ظاهرة الوقف منذ القرون الإسلامية الأولى وظلت هذه الظاهرة في حالة توسع  ونماء مستمرين إلى أن بلغت أوجها خلال القرون الثلاثة الأخيرة من العصر الإسلامي الوسيط .

وتجدر الإشارة أن اهتمام الباحثين بالأوقاف لم يكن إلا في العقود الأخيرة باعتبار أن هذا المجال كان في نظر البعض ضمن تخصصات العلوم الشرعية، لكن مع تطور المناهج التاريخية وظهور اتجاهات ومدارس تؤكد على ضرورة الانفتاح على العلوم الأخرى لكتابة التاريخ بطريقة أكثر شمولية، انكب العديد من المؤرخين لدراسة تطور سيرورة ظاهرة الوقف في العالم الإسلامي.

أولا: المصادر التي يعتمد عليها المؤرخ لدراسة الأوقاف في المغرب

تعج المصادر التاريخية التي كتيت في القرنين 13 و 14 بمعلومات عن الأوقاف زمن المرينيين و من أهم هذه المصادر نذكر :

 – الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية لابن أبي زرع الفاسي

– أنس الفقير و عز الحقير لابن قنفذ

– روضة النسرين في دولة بني مرين لأبي وليد اسماعيل ابن الأحمر[1]

ومن المصادر التي يمكن للباحث ان يعتمد عليها في دراسة تاريخ الأوقاف ما يسمى بالحوالات الحبسية . وهي عبارة عن سجلات رسمية تدون فيها ممتلكات الأوقاف ومعلومات اخرى مرتبطة بها، وقد سميت بالحوالة لأنها حولت اليها وثائق فردية ، أوضمت إلى ديوان شامل لها أو لعلها آتية من الحول بمعنى العام .و قد كانت الحوالات تتجدد كل سنة في أكثر الظروف التي مرّت بها الأوقاف كما كانت تتعرض باستمرار للمراجعات و المتابعات .

والجدير بالذكر أن الوثائق المذكورة لم تحظ بدراسات كافية بالرغم من إحاطتها بالكثير من الجانب الاقتصادية والاجتماعية والفكرية ؛وهي مادة مصدرية خام لا يجب على الباحث أن يستغنى عنها كما أنها تضم معلومات نادرة و دقيقة قد لا نجدها في المصادر الأخرى .ثانيا:الدولة المرينية و غياب الشرعية:

بنو مرين هي السلالة التي حكمت بلاد المغرب الاقصى من منتصف القرن 13 حتى منتصف القرن 15  كانوا في بدابة الأمر جنودا عند الموحدين و قد شارك زعيمهم محيو ابن ابو بكر معركة  الأرك الشهيرة في الأندلس و هلك على اثرها سنة1195 [2].

وبعد تقهقر الدولة الموحدية وتقلص رقعتها الجغرافية ظهر في شمال افريقيا تقسيم جديد للغرب الاسلامي فقد ظهرت أربع قوى : الحفصيون في المغرب الأدنى، و بنو عبد الواد في المغرب الاوسط، والمرينيون في المغرب الأقصى، وبنو الأحمر في غرناطة جنوب الأندلس.

استغل المرينيون ضعف الدولة الموحدية، وبدؤوا في التوسع لكنهم واجهوا اشكالبة كبيرة، تتمثل في عدم وجود دعوة دينية وسياسية كسابقيهم من المرابطين والموحدين، و لهذا السبب نجدهم قد لجؤوا الى ايديولوجيات معينة. فقد أعلنوا انفسهم حماة للدولة الموحدية،   وذلك باعلان ولائهم للخليفة الحفصي و نهجوا في البداية سياسة التبعية للدولة الحفصية.

إن افتقاد المرينيين لدعوة دينية و اصلاحية خلق لهم معضلة حقيقية  لشرعنة سلطتهم السياسية ، فالولاء للحفصين لم يكن كافيا لتبرير سلطتهم و بذلك اعتمدوا على وسائل أخرى كمحاولة تشبيه أنفسهم بالمرابطين ( مجيئهم من الصحراء و البركات و الكرامات التي كانت تحكى عن يوسف ابن تاشفين تتشابه الى حد كبير مع مؤسس الدولة المرينية عبد الحق بن محيو).[3] هذا بالاضافة لمحاولة الانتساب للبيت النبوي فقد حاول بعض المؤرخين أن يبرروا أحقية  المرينيين في السلطة بحكم انهم من آل البيت وقد ساق ابن مرزوق في كتابه المسند الحسن ،خبرًا مفاده أن السلطان المريني أبا الحسن المنصور تلقى وثيقة أوفدها اليه بعض النسابين الأندلسيين تثبت أن الأسرة المرينية منحدرة من الرسول ﷺ[4]

ثالثا: الوقف وسيلة لتعزيز الشرعية عند المرينيين

أهتم المرينيون بترميم وبناء المساجد و أغدقوا عليها اوقافا وافرة للأنفاق على أئمتها ،وقد عنيت هذه المساجد بعناية مباشرة من السلطة المرينية ومن أهم المساجد التي شيدت في هذه الفترة نذكر الجامع الكبير لمدينة فاس الجديدة، الذي كانت نفقة  بنائه هذا من مال معصرة مكناسة[5]، بالاضافة الى المسجد الأعظم بمدينة وجدة سنة1296.

كما عمل المرينيون على إصلاح جامع القرويين و أوقفوا عليه أموالاً كثيرة ،و قد انبنت سياسات المرينيين تجاه هذا الجامع  في كثير من مراحلها على سياسة الاحتواء، فقد احتوت السلطة المرينية المناصب الدينية للجامع و حصرتها في نخية من الفقهاء المواليين  لها، واحتوت كذلك مردودات أوقاف القرويين التي كانت بحاجة اليها لبناء توازناتها[6]. فمردودات أوقاف جامع القرويين كانت ضخمة جدا. حيث وصلت خلال النصف الثاني من القرن 8 الهجري الى 10 آلاف دينار فضية في بعض الأعوام.[7]

كما نما عدد المدارس المرينية بشكل لافت وعمت مختلف الجهات وخاصة الحواضر و من اهم المدارس نجد مدرسة البيضاء بفاس الجديد و الصهريج و العطارين و كذلك المدرسة المصباحية و البوعنانية،  وقد حظيت كل واحدة منها بقائمة طويلة من الأملاك التي حبسها عليها السلطان المؤسس لها. والجدير بالذكر أنه يمكن  معرفة أسماء جل تلك الأملاك الوقفية بفضل حسن التوثيق الذي تميز به المرينيون وحرصهم على رعايتها، ذلك أنهم سجلوا الكثير من المعطيات المتعلقة بالأوقاف.

وقد وضعت السلطات المرينية برامج دراسية اجبارية داخل هذه المدارس، و ذلك بهدف تكوين نخبة جديدة من العلماء يأخذون على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن مشروعية هذه السلطة التي لم تحظ بالتزكية من جانب بعض فقهاء القرويين، ويذهب البعض في هذا الصدد إلى الاعتقاد بأن الأوقاف و بناء المدارس كان يهدف الى إمتصاص المعارضة الشعيبة .[8]

و موازاة مع التفاعل بين الوقف و سياسة الدولة المرينية ، ظهرت حركة علمية  نشيطة في المغرب.  فقد تخرجت من هذه المدارس نخب من العلماء في ميادين متخصصة، فالمجالس والكراسي العلمية الخاصة بدراسة اللغة والآداب والتاريخ والسير كثيرة ولها جمهور عريض من الطلبة. وحظيت أيضا الحقول العلمية بنصيب وافر في مدارس فاس كعلم الحساب والتوقيت والطب والتنجيم.

نستنتج مما سبق ذكره ؛أن الأوقاف كظاهرة اجنماعية وثقافية ودينية  تتفاعل مع السيرورة التاريخية و تأثر فبها،  فاذا كانت مؤسسة الأوقاف تساهم في نهضة الأمم و تقدمها من خلال التركيز على التعليم و المساعدة الأجتماعية،  فلا يجب أن ننسى أن الأوقاف يمكن أن تستعمل لأغراض ايديوليجية و سياسية، و قد تين هذا جليًا من خلال الدولة المرينية التي  سعت من خلال انشاء الاوقاف _ خاصة المدارس _  الى اضفاء المشروعية على حكمها، و قد نجحت إلى حدٍّ كبير في إيجاد مبررات تشرعن له ولبقائها في السلطة.


[1] هناك ايضا جنى زهرة الآس في بناء مدينة فاس لعلي الجزنائي و الأنيس المطرب بروض القرطاس لأحمد ابن أبي زرع و العديد من المصادر التاريخية الأخرى . أنظر: محمد المنوني ، المصادر العربية لتاريخ المغرب الجزء الأول ، منشورات كلية الآداب بالرباط ، مؤسسة ننشرة للطباعة و النشر ط1 ، الدار البيضاء، 1983 ص 65 و ما بعدها

 محمد عيسى الحريري، تاريخ المغرب الاسلامي و الأندلس في العصر المريني. دار القلم للنشر و التوزيع ط2، الكويت،1987 ص 7[2]

 أكنوش عبد اللطيف،تاريخ المؤسسات و الوقائع الاجتماعية بالمغرب. ،افريقيا  الشرق، الطبعة ، الدار البيضاء1980 ص 90[3]

 المكان نفسه[4]

 ابن أبي زرع الفاسي ، الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية . دار المنصور للطباعة و الوراقة ،الرباط1972، ص 162[5]

 مصطفى نشاط، المرينيون و جامع القروين.ضمن ندوة  محطات في تاريخ الفكر الديني كلية الأدب عين الشق –الدار البيضاء- ، مطبعة المحمدية ط1. 1996.ص36[6]

 المرجع نفسه ص 34[7]

 المرجع نفسه ص 30[8]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى