مقالات

قراءة في مستقبل العلاقات المصرية التركية

عزت النمر

كاتب ومحلل سياسي مهتم بقضايا مصر والأمة
عرض مقالات الكاتب

يبدو أن واقعنا العربي والإقليمي بصدد تجاوز مرحلة الاشتباك إلى حالة أخرى من الضبابية والتقلب.

الفضاء المحلي والعربي والإقليمي يعج بأحاديث صاخبة حول إشارات ونبضات عن تقارب ما في العلاقات التركية المصرية.

تساؤلات عديدة حول حقيقة مثل هذا التقارب وأسبابه إن حدث، ومستقبله ومآلاته، وأثره وتداعياته على المحاور التي يعيشها العالم العربي، خاصة المحور الصهيو-اماراتي والذي يشمل أيضا السعودية ومصر من جهة، والمحور القطري التركي في الجهة المقابلة.

حديث التقارب يطرح تساؤلاً حول ما إذا كانت العلاقات المصرية التركية وحدها في طريقها الى الترميم، أم أن علاقات أوسع ربما تلتئم بين تركيا وعالمنا العربي، خاصة في شقه الخليجي باعتباره الفاعل المؤثر في هذه اللحظة.

التصريحات التركية المقبلة والمتفائلة؛ لم تقابلها حفاوة مصرية خليجية، ما يدفع في اتجاه أن حديث التقارب لا يزال في دائرة الظن، وأن غاية الأمل في تطبيع مقبول يضمد جراح المرحلة السابقة ويفتح الباب لمزيد من الالتئام والتفاهم في المستقبل القريب أو المنظور.

على كل حال تظل بشارة تطور العلاقات تنحصر في حماسة الجانب التركي ووفرة تصريحاته ودفئها على ألسنة كافة مستوياته.

التصريحات التركية كانت موجهة تجاه مصر بالأساس، إلا أنها حملت نوايا طيبة وأمل وتفاؤل تجاه السعودية وحتى الامارات، بيد أن أسئلة عديدة تطال رد الفعل الخليجي تجاه هذه العاطفة التركية الدافئة، خاصة وأن ردود الأفعال – من الجميع -لازالت دون مستوى التصريحات التركية.

أعتقد أن الخلايجة سيكون لهم موقف من هذه الروح الجديدة التي انبعثت، سواء في علاقاتهم مع تركيا أو في تأثيرهم على العلاقات المصرية التركية؟!.  

  • مصر؛ المعني الأول بالتصريحات التركية، قدم نظامها السياسي نفسه في صورة المتحفظ أو “المتمنع” كما يقولون، وهذه الصورة قد تمثل حقيقة الموقف المصري، لكن ربما يكون للدبلوماسية المصرية في الغرف المغلقة رأي آخر، خاصة أن نظام الانقلاب في مصر دائما ما يسعى للاستفادة من هذه الصورة تسويقياً خاصة للداخل ليظهر في صورة “الدكر”، وليغطي على نكساته وخيباته وهي كثيرة وفاضحة في جوانب متعددة.

الموقف المصري ليس مستقلاً كثيراً في هذا القرار، فهو محكوم بسطوة الكفيل الخليجي عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى يمد بصره بعيداً الى العاصمة واشنطن إذ لايزال يستكشف الفعل والقرار والتوجه هناك.

أصوات كثيرة من الداخل المصري لاسيما المؤسسات السيادية؛ تطالب بتبريد الصراعات الخارجية مع كل من تركيا وقطر، خاصة وأن القاهرة تكاد تكون محشورة في الزاوية في ملف سد النهضة، فضلاً عن الواقع الاقتصادي شديد البؤس نتيجة سياسة مسك اليد ونضوب الرز الخليجي.

في ذات السياق تواجه القاهرة مستقبلاً مجهولاً في ملف حقوق الانسان، حيث تتحسب لمدى جدية الترصد والضغط الأوروبي والامريكي تجاه هذا الملف، لذا قد يُنظر إلى أهمية تحييد الميديا المضادة في كل من الجزيرة القطرية وقنوات إسطنبول.

  • أما بشأن المسار الخليجي فهو ليس وحدة واحده، فالسعودية تعيش ملفات ضاغطة داخلياً وخارجياً، بدءاً من سفينة المُلْك التي لم ترسو على شاطئ، إذ لازال مستقبل العرش السعودي مجهولاً في أي غياب وشيك للعاهِل الهَرِم.

ملفات أخرى شديدة الحساسية تضعف الموقف السعودي أو على الأقل تعرضه للابتزاز، منها ما هو داخلي كحالة حقوق الانسان، ومنها ما هو خارجي كحرب اليمن، وهوان المملكة وضياع هيبتها أمام صواريخ الحوثي.

ملف أخر لا يزال يمثلا ثقلاً على المملكة وولي عهدها، ألا وهو دماء المغدور “خاشقجي”، ولعل المملكة تريد تجاوز هذا الملف بأي تكلفة طالما كان سقف هذه الكلفة لا ينال من تراتيبية وراثة الملك واستئثار محمد بن سلمان بالحاضر والمستقبل.

هذا الملف الأخير – ومعه الملفات السابقة- ربما تدفع الرياض الى محاولة تطييب خاطر تركيا والاستثمار في صمتها، وسبل ذلك يمكن أن يكون عن طريق العلاقة المباشرة بين الملك سلمان والرئيس أردوغان، وعن طريق الوساطة القطري، وستظل الاستثمارات السعودية رقماً مؤثراً في المعادلة.

لهذه الأسباب يمكن القول إن السعودية لن تكون طرفاً معوقاً للتقارب المصري التركي، على الأقل في المرحلة الحالية.

  • الامارات؛ التي تعتمد الكراهية الأيدلوجية لتركيا ونظام الحكم فيها، باعتباره أحد صور النجاح للإسلام السياسي؛ عدوها اللدود. وهي تملك حرية الحركة بعض الشيء، ولا تعاني المآزق التي تعيشها كل من الرياض والقاهرة، لذا فهي ليست مضطرة لتغيير سياستها تجاه أنقرة وليس لديها الرغبة في ذلك، بل ربما تزايد بهذا الملف في مزيد من الحميمية مع تل أبيب.

ابوظبي اختارت أن تخلع ثياب عفتها في فراش إسرائيل تطبيعاً وتعاونا واغداقاً، معتبرة إياها بوابة الأمان والحماية الغربية، بل منصة انطلاق لحالة الانتفاخ غير المبرر سواء لقيام أبوظبي بدور أكبر من حجمها، أو منح حاكمها “الفعلي” محمد بن زايد زعامة متوهمة كذوب.

التأثير الإماراتي على القرار المصري يفترض أنه لم يعد كما كان في بواكير الانقلاب، إذ ظل السيسي أسيراً للإمارات باعتبارها رأس الحربة الداعم لانقلابه والمُنشِأة له جنباً الى جنب مع السعودية وإسرائيل.

لكن الان وبعد 7 سنوات؛ أرى أن الأمر لا يمكن تفسيره بأوراق ضغط تملكها الامارات على مصر، بقدر ما يمكن تفسيره بجبن السيسي وضعف شخصيته وغباء نظامه السياسي، خاصة مع تضاؤل الدعم الاماراتي لمصر، فضلاً عن أنها أخذت منها أكثر مما أعطت؛ سواء مشاريع واقتصاد في الداخل المصري أو تبعية مهينة عظمت من دور الامارات الصغيرة على حساب مصر الكبيرة ودورها التاريخي.

وفي سياق متصل، لا يجب أن نتجاهل أن السيسي لُدِغَ من الامارات في ملفات متعددة سواء في الداخل المصري أو التعاون الاقتصادي مع إسرائيل على حساب مصر، فضلا عن سد النهضة.

هذه الأمور قد تتيح للسيسي أن يناور بهذه العلاقة في تعامله مع ابن زايد، لكن ما يغل يد السيسي في هذا الاتجاه هو غياب الرغبة وضعف الإرادة وليس عدم القدرة، فضلاً الى طبيعته الشرهة والمتطلعة للرز الخليجي.

  •  الجانب الآخر والأهم في المعادلة هي النظام التركي؛ الذي يتحرك صوب أهداف الدولة التركية، يسالم ويحارب على أساس من أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية والاقتصادية.

الدبلوماسية التركية تمتاز بالذكاء والحرفية العالية، وتستهدف في التقارب مع مصر تأمين جرفها القاري، وهو أمر في غاية الأهمية، فضلاً عن أنها تسعى لتحقيق فائدة أخرى، ألا وهي كسر التحالف المصري اليوناني.

على العكس تماماً؛ المشهد يفضح بامتياز ارتباك وتردد نظام السيسي الذي يتحرك كرد فعل، ولا يعرف إلا سياسة المكايدة والمزايدات الرخيصة، ويحصر مصر الكبيرة في تبعية مهينة يرهن معها مقررات الأمن القومي والمصالح العليا للوطن، في سبيل مصالح ضيقة للسيسي ونظامه وجنرالاته.

وأخيراً يمكن القول :إن حجم الغاطس في المشهد الإقليمي لازال عميقاً، وأن محددات التقارب والصراع بين الفرقاء لازالت متغيرة ومتشابكة، وأن كافة الاحتمالات مفتوحة.

في النهاية تظل الشعوب والأوطان هي الرابح الأكبر والخاسر الأكبر؛ بحسب قوة نظام الحكم وولاءه للشعب والدولة، وهذا هو الفارق بين واقعنا العربي البئيس والصعود التركي في الإقليم والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى