بحوث ودراسات

توحيد الله في رسالة نوح عليه السلام

د. علي محمّد الصلابيّ

عرض مقالات الكاتب

حينما انحرفت الإنسانية في عقيدتها، شاءت رحمة الله أن يرسل نوحاً عليه السلام مبشراً بالحق في مجال العقيدة، وبالخير في مجال الأخلاق، وبالعدل في مجال التشريع.

وتضعنا النصوص الصحيحة والأخبار أمام نوح – عليه السلام – وهو رجل ناضج، ومكتمل، أرسله الله لهداية قومه، وأما طفولته وشبابه وكل ما كان قبل الرسالة فليس لنا به علم، ولكن الله سبحانه وتعالى له سنن خاصة بمن بعثهم أنبياء ورسلاً ، وذلك أن الله سبحانه يختارهم من ناحية النسب من أشرف الأسر، ولقد سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان بن حرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: كيف هو فيكم؟ فردّ أبو سفيان قائلاً: هو فينا ذو حَسَب، فقال هرقل: وكذلك الرسل تُبعث في أحساب قومها.

ويعلل ابن خلدون سُنة الله في بعث الرسل في أحساب قومهم، بأن ذلك إنما هو لأجل أن يكون للرسول أسرة ذات شوكة ومنعة تحميه من أذى الكفار حتى يبلِّغ رسالة ربه، ويتم مراد الله في إكمال دينه وملته، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حديث صحيح: “ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه”. ومن هذه السنة الإلهية نوقن – إن لن تكن لدينا نصوص صريحة- أن نوحاً كان من أسرة كريمة، هذا من ناحية الأسرة.

وأما من ناحية الإعداد التربوي، فإن الله سبحانه وتعالى يصطنعهم لنفسه: يقول الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام: ﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ (طه: 41)، ويصنعهم على عينه: ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ (طه:39)، وأما سيدنا يحيى عليه السلام فإنه كان تقياً وبراً بوالديه، ولم يكن جباراً عصياً، وسيدنا عيسى عليه السلام، جعله مباركاً أينما كان، ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول له الله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ (القلم: 4).

ومن هذا وغيره نؤكد أيضاً أن نوحاً عليه السلام لم يكن بدعاً من الرسل، وأنه كان خلق كريم، يقول ابن خلدون عن الأنبياء والرسل عامة: ومن علاماتهم أنه يوجد لهم قبل الوحي خلق الخير، والزكاة ومجانبة المذمومات والرجس أجمع، وهذا هو معنى العصمة، وكأنه مفطور على التنزّه عن المذمومات، والمنافرة لها، وكأنها منافية لفطرته، وكان نوح عليه السلام على خلق كريم، ما في ذلك شك، فلما انتهى إعداد الله له إلى غايته، فأجاه الوحي، وتلك أيضاً سنة الله في أنبيائه، فإنه حينما تصبح نفوسهم – بتربية الله وعنايته- أهلاً للتلقي عنه يفاجئها الوحي مثلاً وهي سائرة في الوادي المقدس وفي البقعة المباركة، كما حدث لسيدنا موسى، بينما هو سائر مع أهله رأى ناراً فقال لأهله: امكثوا هنا، وذهب نحو الضوء، فإذا به سمع النداء الإلهي ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ (طه:14)، أو يفاجئ الوحي النبي وهو في الغار فيأتي الملك آمراً: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ (العلق: 1)، وفاجأ الوحي نوحاً عليه السلام على نحوٍ من هذه الأنحاء، لقد فاجأه بالأمر – ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ (نوح: 1) – بماذا ينذرهم؟  .

لقد بعث الله سيدنا نوحاً حينما عمّ الفساد؛ ليبشّر بالحق والخير والعدل، وبدأ سيدنا نوح عليه السلام بالتوحيد: ﴿ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ (الأعراف: 59).

وهذا الذي قاله سيدنا نوح لقومه هو التبشير بالتوحيد، والتوحيد هو جوهر الرسالات السماوية جميعاً، والله سبحانه وتعالى يؤكد لسيدنا محمد خاتم النبيين ذلك قائلاً:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء: 25) .

والتوحيد هو ما نعبر عنه في الإسلام بـ “أشهد أن لا إله إلا الله”، وهو العلامة الأصلية والطابع الحقيقي والجوهر الثابت لكل دين سماوي صادق.

والمعنى الحقيقي للتوحيد هو: علم العبد واعتقاده واعترافه بتفرد الرب بكل صفة كمال، واعتقاده أنه لا شريك له، ولا مثيل في كماله، وأنه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وإفراده بالعبادة.

فالله لا يكون له شريك في ذاته ولا صفاته وكذا في عبادته ومعاملته سبحانه وتعالى، وهذا التعريف مستند على الدلالة الواضحة لمعنى “لا إله إلا الله”: إذ إنها تدل بالمطابقة على التفرد في الألوهية فلا تصرف العبادة إلا له، وبالالتزام على تفرده في الربوبية، كما تدل على اتصافه عز وجل بكافة صفات الكمال والجلال بالتضمن، فهي الكلمة المفسرة للتوحيد من ناحية العلم، ومن ناحية العمل.

والمعنى الحقيقي للتوحيد: هو الاعتقاد اليقيني أن كل ما في الكون من خَلْق ورزق، وعطاء ومنع، وحياة وموت، وغنى وفقر، وقوة وضعف، وعز وذل، مردّه إلى الله سبحانه، فالله سبحانه وتعالى متفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة وسائر أنواع التصريف والتدبير لملكوت السماوات والأرض، ويجب إفراده بالحكم، والتشريع، فهو الذي أرسل الرسل وأنزل الكتب، قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ (الأعراف: 54).

والله سبحانه وتعالى يجب إفراده وحده بالعبادة فلا يُعبد غيره، ولا يُدعى سواه، ولا يستغاث ولا يُستعان إلا به، ولا يُنذر ولا يذبح إلا له، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ (الأنعام:162- 163) .

كما أن العبد أعظم ما يحتاجه معرفة أسماء الله ليحمده ويمجده ويثني عليه ويسأله المغفرة، والرحمة ويتوب إليه، وهذا ما سنقف عنده في محله في قصة نوح عليه السلام.

وإذا آمن الإنسان بالتوحيد لن ينظر إلى غير الله، فيكون خوفه منه، ورجاؤه إليه، وثقته به، واتكاله عليه، وإذا اعتقد التوحيد رأى أن كل ما سوى الله مسخر لله، وإذا اعتقد التوحيد تحرّر من ذل العبودية لمخلوق، لأن كل مخلوق مسخر لله، وتتكاتف آيات الله وأحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على دعوة الإنسانية إلى التوحيد حتى تتحرّر من رق العبودية.

ولقد بشر سيدنا نوح عليه السلام بالتوحيد، وبشر بالتوحيد جميع الرسل، وإذا فهم التوحيد على حقيقته واتخذته الإنسانية شعاراً لها يكون علاجاً لكثير من ألوان العنف في المجتمعات، فالإنسانية في مختلف أزمنتها وأمكنتها تخاف الموت وتخشاه، مما يقودها إلى استعباد الأقوياء، والذلة أمام الطغاة.

ولكن هذا الوضع لا يتماشى قط مع عقيدة التوحيد، فإن مالك الملك إنما هو وحده الذي يملك الموت والحياة، إنه يملك إماتة الطغاة أو تركهم لحكمة يعلمها سبحانه، وهو الذي قدّر الآجال وحدّدها، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون.

والحرص على الحياة – أو الجبن- ليس من أسباب إطالة الأجل، والشجاعة والإقدام ليسا من أسباب تقصير الأجل، وقد بيّن الله ذلك في كتابه الكريم الذي يعبر عن جميع الرسالات السابقة إبانة تامة، وكما أنه لكل أجل كتاب، فإنه لكل أمة أجل.

أما هؤلاء الذي قالوا:﴿ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ﴾ (آل عمران: 154).

فإن الله سبحانه يرد عليهم: ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ (آل عمران: 154)، ﴿ وهؤلاء الذين قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ﴾ (آل عمران: 168).

فإن الله سبحانه وتعالى يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم قائلاً: ﴿ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (آل عمران: 168). وأما الذي يفرون أمام أعداء الله فهؤلاء ﴿ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾ (آل عمران: 155).

إذن فالمؤمن الصادق لا يعرف الجبن، ولا يستزله الشيطان موسوساً له بالخوف من غير الله تعالى.

وإذا كان خوف الموت هو الدعامة الأولى في ذلة الإنسان واسترقاقه، فإن الدعامة الثانية هي همُّ الرزق، والناس عادة ينتابهم القلق ويغمرهم الحرص على أقواتهم، ويلجأ بعضهم إلى وسائق لا تليق بالكرامة الإنسانية، بل يصل الأمر بالبعض إلى مستوى التملق والمداهنة والمراءاة، وبعضهم يصل به الأمر إلى الغش والرشوة والاختلاس، وتستعبد المادة والحصول عليها الإنسان فيصبح عبداً مسترقّاً.

ولكن الدين – وقد حرّر المجتمع من خوف الموت- فقد حرّره أيضاً من هم الرزق، فالرزق بيد الله تعالى ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ (هود: 6).

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الرزق في السماء محدّد ومقسوم، وأقسم سبحانه على أن ذلك حق واقع، لقد أقسم سبحانه لما يعلم من ضعف الطبيعة البشرية وإشفاقها وقلقها بالنسبة لأمر الرزق ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ (الذاريات: 22 -23)، على أن صاحب الثراء العريض الذي يعتمد على شرائه غير ناظر إلى الله تعالى واهب الرزق الثراء، فقد يخسف الله به وبداره الأرض، كما صنع بقارون، أو يطوف ببساتينه ومزارعه طائف منه سبحانه، فتصبح خاوية على عروشها، كما فعل سبحانه بأصحاب الجنة الذين قصَّ علينا أمرهم في القرآن الكريم في “سورة القلم”.

وما من شك في أن السعي إلى الرزق مطلوب، وأن العمل الجاد الكادح إنما هو من سمات الإسلام، كل ذلك حق، وإذا كان الرزق بيد الله تعالى، وإذا كان العمل مطلوباً، فإن ما ينهى عنه الإسلام إنما هو هذه الصورة الجشعة القلقة التي تحاول اقتناص المال في السبل غير المشروعة، أو التي ترى أن عبداً من عباد الله بيده الرزق، إعطاءً ومنعاً، وبيده الرزق زيادة ونقصاً، أو أخذاً وتركاً، فالتوحيد – إذن- علاج للجبن، وعلاج للقلق من أجل الرزق.

وقد أخذ سيدنا نوح – عليه السلام – يدعو إلى التوحيد في همة لا تفتر، وفي نشاط لا يتوانى، وأخذ يدعو ليلاً ونهاراً، وأخذ يدعو جهراً حينما تتيح له الظروف الدعوة الجهرية، ويدعو سراً حينما يستلزم الأمر الدعوة سراً، فلم يكن يدع فرصة تمرُّ إلا ويشرح فيها رسالة الله: مبشراً ونذيراً، مرغباً في ثواب الله وجنته، ومخوفاً من عقابه وعذابه.

لقد أخذ نوح يشرح لهم قدرة الله وشمول علمه، ودعاهم إلى التفكر في أنفسهم قائلاً: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ (نوح: 14)، ألا ترون أنه خلقكم في بطون أماتكم خلقاً من بعد خلق؟

لقد كنتم تراباً ثم نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم كنتم أجنة، وكنتم في جميع هذه الأطوار في رعاية الله، محفوظين بحفظه، محاطين بعنايته، وبعد ذلك كنتم أطفالاً فشبّاناً… وهكذا وستعودون إليه من جديد في أية لحظة شاء، فارجعوا إليه بالتوبة والإنابة، والطاعة قبل أن تواجهوه وهو غير راضٍ عنكم، ثم: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ (نوح: 15- 16).

ثم: ألم تروا كيف جعل لكم الأرض بساطاً، وجعل لكم فيها مسالك وسبلاً للإقامة والانتفاع، وفي كل ذلك ما نرى في خلق الرحمن من تفاوت.

وأخذ سيدنا نوح يعدد نعم الله: منها اليسير ومنها العظيم، الظاهر منها والباطن، ونعم الله كثيرة لا تحصى﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ (النحل: 18)، وأعلن لهم قانون “الاستغفار”، وسيدنا نوح أول من أعلن هذا القانون: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ (نوح: 10).

هذه هي مقدمة القانون أو قاعدته وأساسه، فإذا كان الاستغفار الخالص النصوح، وإذا كان الالتجاء إلى الله بطلب المغفرة في صدق كانت النتيجة: ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ (نوح: 11)، أي: يتنزل الغيث المحيي لأرضكم الجدباء، والذي يملأ أنهاركم الجارية بالخير والنماء، و﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ (نوح: 12)، فإن الإمداد بالأموال والبنين – وقد أتى بهما القرآن بصيغة الجمع مترتباً على الاستغفار-، وإن هبة الجنات والأنهار – وقد أتى بهما القرآن بصيغة الجمع أيضاً- مترتبة على الاستغفار، هذا هو “قانون الاستغفار” الذي أعلنه نوح عليه السلام.

وهذا القانون عام لا يحدده زمان ولا يحدد مكان، فمن التجأ إلى الله في العصر الحاضر بالاستغفار الخالص النصوح الصادق فإن الله سبحانه يهيّئ له من الظروف ما يجعله يعيش في سعة من الرزق، وفي يسار من المال، إنه وعد الله الذي أوحاه إلى رسوله نوح ليعلنه للناس، ووعد الله لا يتخلف.

ولقد أوضح رسولنا صلى الله عليه وسلم – فيما بعد- زاوية مهمة من زوايا قانون الاستغفار وهي عدم وقوع العذاب على المستغفر، يقول تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (الأنفال: 33).

إنَّ سيدنا نوح عليه السلام كان ينبه قومه إلى الظروف والملابسات التي تشير إلى صدقه، إنه لا يسألهم عن دعوته أجراً ﴿ وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ﴾ (هود: 29)، إنه – إذن- لا يطلب مالاً ولا يدعو بدعوته من أجل النقود.

وإذا سأله سائل عن السبب في قيامه بهذا الدعوة فإنه يقول:

  • أُبلغكم رسالات ربي.
  • أنصح لكم.
  • أهديكم إلى ما أعلمه عن الله، وذلك لأني: أعلم من الله ما لا تعلمون.

وهل من العجب أن يأتيكم ذكر من ربكم فيه لكم هدى ونور على لسان رجل منكم من أجل أن ينذركم، ومن أن تتقوا، ومن أن يرحمكم الله؟

إنَّ الإنذار عادة يقود ذوي النفوس الخيّرة إلى التقوى، والتقوى سبب في رحمة الله، فهل من العجيب أن يرسل الله لكم – وهو أرحم الراحمين- من يقودكم بإنذاره إلى رحمة الله؟

كان هذا منطق نوح عليه السلام ولقد استجاب له بعض الأشخاص من قومه.

كانت دعوة نوح – عليه السلام – للتوحيد هي حجر الزاوية في تكوين وبناء الرؤية الكلية عن الله والكون والحياة والإنسان، وبيان حقيقة العالم، وحقيقة الخالق، والوصول إلى طبيعة العلاقة بينهما.

وإنَّ توحيد الله عزَّ وجلَّ هو أساس الإيمان وسر السعادة في الدنيا والآخرة، والقلوب مفتقرة إلى معرفته سبحانه والتعلق به ومحبته وخوفه ورجائه، أكثر من حاجتها إلى الطعام والشراب وسائر الضروريات. وقد جاءت الآيات القرآنية تقرر هذا الأصل منها:

  • قوله تعالى: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ (الطلاق: 12).

وقوله تعالى: ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (المائدة: 97- 98)، وغيرها من الآيات التي يأمر الله تعالى عباده أن يعرفوه، فيعبدوه ويعظموه.

مراجع البحث:

  1. علي محمد الصلابي، نوح عليه السلام والطوفان العظيم (ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية)، دار ابن كثير، ص100-109.
  2. وليد خالد الربيع، أثر القرآن الكريم في بناء الشخصية الإسلامية، التراث الذهبي، الرياض؛ مكتبة الإمام الذهبي، الكويت، 1439 ه – 2018 م، ص 61.
  3. عبد الرحمن السعدي، طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول، دار البصيرة، الاسكندرية، 2000م، ص 11.
  4. فوز بنت عبد اللطيف الكردي، تحقيق العبودية بمعرفة الأسماء والصفات، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط 11، 1421هـ ص 103.
  5. محمد عبد القادر أبو فارس، مع الأنبياء في الدعوة إلى الله، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان. الأردن، 2013، ص 28.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى