مقالات

الثورة السورية في عيدها العاشر 3

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

ما الثـــــــــــــــــورة

           لا ثورة بلا قضاء على رموز الفساد والاستبداد، واقتلاع جذورهم، وتطهير الأرض منهم.

         السؤال الذي يطرح نفسه: هل وصل الوضع في سورية قبل الثورة إلى درجة من التردي والسوء،  وأصبح الإصلاح فيه مستحيلا، أو، لا؟.

         والجواب: سهل ومعروف، لقد حاول النظام نفسه إصلاح نفسه واجتهد، ولكنه لم يستطع..

والسؤال الثاني: هل قامت الثورة في زمانها ومكانها أو، لا؟.

        والجواب بكل بساطة: لقد جاءت الثورة في سياقها التاريخي الطبيعي، في موسم الربيع العربي، إن لم تكن تأخرت عن زمانها، وكان الأجدر أن تتفجر قبل ذلك، وأن تقود الثورات العربية بنفسها، لأن الواقع المرير المتردي في سوريه، ليس له مثيل في العالم كله..

        السؤال الأخطر الأهم هو: هل حققت الثورة أهدافها، ووصلت إلى نهايتها السعيدة:

       الجواب: إن وظيفة الثورات الكبرى في حياة الأمم لا تعنى بتغيير الحاكم فحسب، ولكنها تمثل عاصفة من الرعد توقظ الأمة من سباتها، وزلزال كوني يصل إلى أعماق البحار والمحيطات، فيقتلع كل السدود، ويتجاوز كل الحدود، ويقلب كل المعادلات رأسا على عقب، ولا يقف حتى يصل مبتغاه.

      لقد كانت الثورة السورية بحق، نهرا من الدم، يروي عطش الأمة للحرية، وبحرا من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ تهدر ملبية نداء ربها، وتتسابق إلى الشهادة في سبيل الله، توحيدا له، وإعلاء لكلمته، ومحاربة لأعدائه، وإحياء لشريعته، رافعة قرآنه، مجاهدة بسيفه، صابرة محتسبة، تنتظر قضاء ربها في الخلاص من الطغاة والمجرمين، إما بالموت في سبيل الله، أو العيش الكريم، تحت راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله.   

      لقد كانت مصائب الأمة تتأتى عبر اتساع مساحة المنطقة الرمادية التي تفصل بين الحق والباطل، فتنمو طفيليات المنافقين، ولكن بفضل ثورة الشام المباركة، تلاشت المساحة الضبابية، واصطف الجميع في خندقين لا ثالث لهما، وقد سقطت كل البراقع، فلم يتبق سوى خندق أهل الشرف، وخندق أرباب الدياثة من أحفاد أبي رغال …

       إن ثورة سورية هي من أهم الأحداث في تاريخ العرب بعد الإسلام، فعندما ابتدأت دعوة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، قال المشركون: إن دين محمد قد فرّق بين العبد وسيّده، وبين الرجل وامراته، بمعنى أن رسالة الإسلام لم تكن مجرد حركة دينية، أو سياسية، أو حركة إصلاح اجتماعي فحسب، بل إنها تناولت أعماق النفس البشرية لدى العرب، من حيث إنها كشفت مرة واحدة كل تناقضات المجتمع الفكرية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وأصابت كل المرتكزات التي قام عليها البناء الاجتماعي في المجتمع الجاهلي، بما يفرز طبقات جديدة، ويؤسس لتغييرات جوهرية في بنية العقل العربي.

        لقد كشفت الثورة السورية، زيف المجتمع العربي وأمراضه، وفضحته حكاما ونخبا، وأسقطت ورقة التوت عن الجميع، وأظهرت كل الزيغ في العلاقات الدولية، ولعبة المصالح الإقليمية.

        إنها الثورة التي نجحت في تعرية طبقة الطفيليين العرب من مرتزقة الثقافة، وكشفت الكذبة الكبرى التي تلخصت بأسطورة المقاومة الزائفة، والممانعة المزيفة.

         دماء أهلنا في الشام كانت السبب في كشف اللعبة الأخطر في تاريخ العرب، التي تمثلت بصناعة العدو الوهمي، للهروب من استحقاقات المرحلة، وهذا العدو هو الصديق الحميم لهم، وهم من صنعه وحافظ على بقائه.

         إن ثورة أهلنا في الشام كشفت كل أمراض مجتمعنا العربي الذي عاش قرونا من الزمان على وهم زائف، فوجد نفسه فجأة أمام لحظة الحسم، فكان عليه الاختيار بين خيانتين أحلاهما سقوط في مستنقع الرذيلة، فإما أن تبايع ولاية الفقيه، وإما أن تبايع أمريكا وعملاءها، وكلاهما وجهان لعملة واحدة، تغذيها وتدفعها وتوجهها أنظمة الاستبداد العربية التي هي بالنتيجة العدو الأكبر للربيع العربي، وللثورة العربية الكبرى.

        إن الذي يختار طريق الثورة، هو القابض على دينه، والقابض على دينه، كالقابض على جمرة من نار، كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن مؤمني آخر الزمان، لأنه أصبح إرهابيا تكفيريا ظلاميا كما يسميه أنصار العبودية والقمع والكفر والضلال، وأصبح مطلوبا للقتل عند عصابات الإجرام واللصوصية، ومطاردا من كل أجهزة القمع العربية التي استنفرت قواها للقضاء على وهج الحرية والكرامة الذي انطلق من فم ذلك الطفل الشجاع المرعب، الذي عرّى زيفهم، وجلّى حقيقتهم، وأظهر معدنهم،  وكشف خداعهم ومكرهم، فهو مشروع شهيد ينتظر ساعة الشهادة.

      إن ثورة الشام وضعت الفكر القومي لأول مرة أمام امتحان مصيري، فكان على الفكر القومي أن يحرر نفسه من قبضة الحاكم المستبد الذي جعل من الفكر القومي وشعاراته تجارة رابحة في سوق النخاسة.

      ووضعت الفكر الديني في امتحان صعب، بين فكر أخروي تعبدي شعائري طقوسي منعزل عن نبض الحياة وروح المجتمع، استسلامي انهزامي انطوائي متخلف جاهل، مبني على الخرافة والشعوذة والدروشة والتبعية والببغاوية والنفاقية والتملقية والاستجداء والتسول والتلون والارتزاق…

          وبين فكر تكفيري دموي عنفي متهور منحرف، ضال مضل، شكلي قشوري مدمر، قاتل أهوج متعجرف، رافض كاره حاقد أناني، أحادي متزمت مستبد متصلب متشدد  متطرف.  

        لقد وضعت ثورة الشام آخر مسمار في نعش الكهنوت الديني، وطبقة وعاظ السلاطين، الذين جعلوا من الإسلام مستودعا يستنبطون منه الفتاوي التي تخدم  سياسات الحكام المفسدين…

        وكشفت وفضحت الإسلام المصنوع المزيف الذي صنعته القوى المعادية للإسلام، لمحاربة الإسلام، وقتل المسلمين، وشيطنة المسلم، وتزييف الإسلام، وتشويهه وتلويثه وتحريفه وتخريبه وتدميره.

        الثورة السورية هي كاشف أخلاقي وإنساني وثقافي لكل البديهيات القديمة، وهي ثورة ضد التبرير والقبول الكاذب لواحد من أكثر الأنظمة الشمولية تفسخا وعنفا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى