مقالات

سلسلة من معاناة قومية الإيغور وسط صراع الحضارات 6

أنور قدير توراني

نشأة الإسلام في تركستان الشرقية وتخاذل الحكومات الإسلامية عليها !

يعود الفضل في نشر الإسلام عند قومية الترك إلى القائد العظيم “قتيبة بن المسلم الباهلي” الذي يلقب بـ “فاتح المشرق الإسلامي”، وله الفضل الأكبر في دخول الكثير من الأقوام في دين الله تعالى لما رأوا في شخصيته القائد، وتجسيداً لعظمة الدين الإسلامي.

ولاه الحجاج بن يوسف الثقفي على إقليم خراسان في العام 86 للهجرة، وانطلق محلقاً في سماء الفتوحات منذ ذلك الحين.

استمر القائد العظيم في فتوحاته مبتدأً من منطقة “فرغانة” –إقليم يمتد حالياً بين أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزيا- نحو فتح الصين كلها، وتوقف قتيبة الباهلي بعد دخول قومية الأتراك في الإسلام بعد أن أطاحت بـ “قتيبة” خلافة سليمان بن عبد الملك، وأطيح قتيبة والياً على خراسان ومن قيادة الجيش، ليتوقف عند التخوم الغربية  (الملوك) للإمبراطورية الصينية، وتحديداً عند منطقة قاشغر، التي تقع في تركستان الشرقية داخل حدود الصين الشيوعي اليوم، وبسبب فتنة داخلية بعد تولي سليمان بن عبد الملك، قُتل القائد قتيبة بن مسلم عام 96 للهجرة أي 715 ميلادي، على يد الجيوش الموالية لـ “سليمان” لينهي بذلك الفتوحات الإسلامية على مشارف شعب الهان الصيني.

لهذا الفاتح العظيم قصة صمود رائعة، غيرت خارطة التاريخ للأبد، واعتمد فيها على إيمانه بالله تعالى، الذي دفع الكثيرين من غير المسلمين إلى الدخول في دين الله بسبب عظمة شخصيته، ونال ألقاباً لم ينله فاتحً آخر، كما يكفيه أنّ عِرقا كاملاً –هو العِرق التركي- بكل فروعه دخل في الإسلام على يديه.

ومن هنا يبدأ فجر تركستان وقومية الإيغور

أسلم إمبراطور القرخانية ” ستوق بغراخان خان”، عبد الكريم خان لاحقاً على يد القائد العظيم قتيبة بن مسلم الباهلي، وأسلم كل من اتبعه من شعبه الذي كان 200 ألف خيمة أو عائلة ومما يعادل مليون ونيف إنسان. وبقوا دولة مستقلة 900 عاماً. ونقشت النقود باسم هارون بوغراخان حفيد الإمبراطور “ستوق”، ووسع رقعة مملكته فشملت أجزاء من التركستانية الغربية كما ارتقت البلاد في عهده في النواحي الحضارية المختلفة وكتبت اللغة التركستانية باللغة الإيغورية لأول مرة بالحروف العربية وكانت أوقاف المدارس تشكل خمس الارض الزراعية وقد تلقب هارون بن موسى هذا بلقب شهاب الدولة وظهير الدعوة ونقش هذا اللقب على النقود التي سكت في عهده سنة 332 هـ 992 م ولعب هؤلاء القراخانيون المسلمون دورا هاما في نشر الإسلام بين القبائل غير المسلمة في المنطقة.

امتد الإسلام بين الترك بمساحة تحدها إمبراطورية الهان الصينية شرقاً إلى بلاد فارس غرباً. وكما حال البلاد العربية حالياً قُسمت بلاد الترك من تركستان الشرقية (تحت الحكم الصيني) وتركستان الغرب والذي احتله الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية وقسمه حسب الأعراق لدول مفتتة شملت قرغيزستان، كازاخستان، أوزباكستان، طاجيكستان، تركمنستان، أذربيجان، بالإضافة لأقاليم مسلوبة مثل الشيشان وما يعرف الآن جورجيا وأرمينيا وشمال إيران وأجزاء من منغوليا، ومناطق عديدة في أفغانستان.

العمق الاستراتيجي والأطماع الصينية ونهب الموارد في تركستان الشرقية:

تنظر الحكومة الصينية إلى منطقة تركستان الشرقية ومنطقة التبيت الجنوبي الغربي المتساوون بالمساحة على أنهما إقليمين يحميان العمق الاستراتيجي الصيني، والصراع الصيني مع الإيغور يمتد لعصور ما قبل الإسلام، إلا أنه وصل إلى ذروته بعد السيطرة الصينية عام 1949، وطبعاً لم يكن للإيغور دعم دولي وبخاصة أن تركيا كانت قد وقعت في فخ الأتاتوركية العلمانية، وتنصلت من كافة العرقيات التركية في البلاد الإسلامية، وبقي الوضع إلى أن قامت مظاهرات في كافة مدن تركستان الشرقية مطالبة بالحرية في عام 2009، أدخل الجيش الصيني لقمع المتظاهرين وبدأ سياسة تشابه سياسة الكيان الصهيوني في الأراضي العربية المحتلة.   

ومن وجهة النظر الإيغورية فهي مشابهة كثيراً لوضع أبناء جلدتنا العرب في فلسطين المحتلة تماماً، إذ سلبت أراضيهم وهمش تراثهم وجرفت أراضيهم وتهدم مساجدهم ونكلت أسرهم وفرض منع تداول لغتهم ويحظر عليهم التواصل مع ذويهم بالخارج ويزج أبناءهم بالمدارس القسرية لمحو هويتهم وتهجر الصين قومية الهان بكثافة لتغير الكثافة السكانية لديهم، وبمفارقة الصدف أنهم في زمن متقارب مع نكسة فلسطين، وكلاهما تلقى خذلان حكام الدول الشقيقة لهم (مع بعض الاستثناءات).  

يختلف الإيغور مع السلطات الصينية، في حين أن سياسة الصين تعتبر أن منطقة تركستان الشرقية هي إقليم شين جيانغ تابع للصين منذ العام 200 قبل الميلاد تقريباً، وعليه يصنف الإيغور قومية أقلية ولا يحق لهم تملك الأراضي بموجب القانون، وخلال حقبة حكم أول رئيس شيوعي للصين (ماو تسي تونغ) عام 1945 حتى وفاته عام 1976، قام بتهجير الملايين من عرق الهان الصيني إلى مناطق الإيغور والتقليل من كثافة المسلمين فيها بشتى السبل، وسيطروا على الاقتصاد في أراضي المسلمين. وقيدت حركات المسلمين واتُهم من يعارض الحكومة بالانفصاليين والإرهابيين. وزاد الحال سوأً بعد تقدم التقنيات المرئية واللاسلكية في أواخر السنوات العشر، و(سوف نسرد بإذن الله أساليب القمع التي طالت مسلمو الإيغور بسلسلة لاحقة).

ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة عن أسباب تعنت الصين بأراضي قومية وأعراق لم تكن تابعة لقومية الهان مطلقاً. ومن تلك الأسباب كون تركستان الشرقية:

  • تمتلك ثاني أكبر فائض نفطي في العالم بعد شبه الجزيرة العربية. والذي يتصادف مع ترتيب الصين أكبر مستهلك للوقود في العالم (30 مليار طن) وما نسبته 25% من الإجمالي الوطني لاحتياجات الصين.
  • غنية بالموارد الطبيعية وأهمها اليورانيوم، البريليوم، النيوترون وغيرها من العناصر المهمة في تشغيل المفاعلات النووية.
  • تقدر احتياطات الفحم بنسبة 38% من كافة ما بداخل الأراضي الصينية.
  • على الرغم من المساحات الصحراوية، إلا أن الأراضي الزراعية والمراعي واسعة الانتشار، كما أن الصحراء هي أنسب مكان لإجراء التجارب النووية والسرية بها لبعدها عن الكثافة السكانية، وإن أصابت الاشعاعات أحد، فليس مهم أن تصيب مواطني الإيغور كونهم ليسوا من المؤيدين للحكومة المركزية في بكين.
  • الموقع الجيوغرافي المميز لما يوصلها بالغاز الروسي من ناحية، وطريق الحرير (الذي يمر به القطار السريع الذي بني مؤخراً ويصل إلى أوروبا عبر تركيا.
  • تحتوي أراضيها على الغاز الطبيعي بكميات وافرة يساعدها على الاكتفاء الذاتي وقت الأزمات مستقبلاً.
  • احتياطي خامات من الحديد (730 مليون طن)، الملح الصخري (318 مليون طن)، بالإضافة إلى الأحجار الكريمة النادرة.
  • تحتوي أراضيها على المياه الجوفية والسطحية والأنهار الجليدية.
  • المناخ المعتدل والبيئة الصحراوية ووفرة المياه في المناطق الجبلية، الذي يساهم في الاكتفاء الذاتي للموارد الغذائية، والمراعي الخصبة والمواشي.
  • المساحة الكبيرة التي من الممكن أن تستغلها قومية الهان بالتوسع إليها لضيق المساحات في إقليم الصين الأخرى.
  • غنية بالموارد البيولوجية، وبها 700 نوع من الحيوانات البرية، وأكثر من 4 آلاف نوع من النباتات البرية.

وكما نرى أن الموارد التي أنعم الله بها هذه البقعة من العالم، جاءت بأطماع الحكومات الأجنبية على مر التاريخ.

ويتصف المواطنون الإيغور بالأجسام الضخمة وذات البنية البدنية القوية، مما يجعلهم بميزة تحمل أعلى، بالمقارنة مع قومية الهان الصينية. ولذا يلاحظ عند ما تعتقل سلطات الأمن الصينية أحد من مواطني الإيغور، فإنهم يستعينون بأعداد كبيرة من الجند للسيطرة على فرد واحد (وسبحان الله أنه يشبه ما يجري في فلسطين المحتلة).

فشل منظمة التعاون الإسلامي وخيانة الدول الإسلامية الكبرى للإيغور

ينتمي إلى منظمة التعاون الإسلامي أكثر من 57 دولة ذات أغلبية مسلمة بهدف “وحدة الصف الإسلامي الجماعي لمسلمي العالم”، وقد أصدرت قراراً في عام 2019 يُشيد بالحكومة الصينية “لتوفير الرعاية لمواطنيها المسلمين”. ونص القرار على أن المنظمة “تتطلع إلى تعاونٍ أكبر بين دولها وجمهورية الصين الشعبية”. فقط دون أي ذكرٍ إلى انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة والموثقة التي ارتكبتها الصين بحق الإيغور. وجلب هذا القرار المخزي انتقادات جماعات حقوق الإنسان، وكذلك كافة مسلمي العالم، لفشله في تحميل الصين المسؤولية عن انتهاكاتها لحقوق الإنسان، في الوقت الذي تدين فيه العديد من حكومات الدول الغربية مثل أمريكا وكندا وبريطانيا وألمانيا وغيرها أعمال الصين وانتهاكاتها ضد الإيغور.

وهذه المنظمة الإسلامية تلقي الدعم المالي الأكبر من المملكة العربية السعودية التي تتخذها المقر الرئيسي لها وتسيطر على معظم قراراتها. ومع الأسف فإن دولاً إسلامية كبيرة متصدرةً المنظمة مثل السعودية وماليزيا ومصر قد تغاضوا عن مساندة المستضعفين من المسلمين في الصين، وبدوا أولوياتهم المادية والسياسية عن الركائز الأخلاقية والدينية لمساندة أبناء الإسلام والمسلمين المضطهدين.

وتجاهلت الحكومة السعودية الدعوات والاحتجاجات من الإيغور خارج الصين، والتصريحات الناقدة من الحكومات الغربي، وظلت الكثير من حكومات الدول ذات الأغلبية المسلمة صامتةً أو حتى ساعدت في القمع الصيني للإيغور.

سجلت زيارة ولي عهد السعودية محمد بن سلمان لبكين شباط/ فبراير 2019م انعكاس تعبيره الصريح عن الرضى والإعجاب بجهود السلطات الصينية فيما تسميه الصين “مكافحة الإرهاب ونزع التطرف”، والذي باعتقادي، هو الذي مهد الطريق لهذا القرار المشين مِن قِبل المنظمة. وكانت دول عديدة خذلت بني جلدتهم المسلمين وتحديداً دول تصدرها السعودية ومصر والإمارات اللذان تضامنا مع الصين وسلموا كافة المواطنين الإيغور العالقين في بلادهم للسلطات الصينية لاحقاً.

فكيف يمكن لمنظمة التعاون الإسلامي أن تصدر فجأة مثل هذا القرار؟ وهل رضخت حكومات إسلامية كبرى مساندة الإيغور عبر العصور وتعاونت مع الحكومة الصينية من أجل صفقات سياسية واقتصادية خاصة بها؟

وفي بالمقابل تأسس “المجلس الأمريكي للمنظمات الإسلامية”(USCMO) عام 2014، بعد أن قررت حوالي 10 منظمات إسلامية الاندماج تحت مظلة كيان واحد، وذلك لتوحيد نهج وجدول أعمال ورؤية مختلف الجاليات الإسلامية بالولايات المتحدة. الذين يبلغ عدد أعضاء المجلس، اليوم، أكثر من 30، ويقوم بالعديد من الأنشطة في الولايات المتحدة، كما يقوم بتنظيم زيارات للناخبين المسلمين القادمين من كافة أنحاء الولايات المتحدة، يلتقوا نواب الكونغرس، في محاولة منه لإظهار أن المسلمين في هذا البلد لديهم صوت وجدول أعمال على الساحة السياسية، كما في الحقيقة فإن هذا المجلس قدم معونات عديدة للإيغور وأهمها الدعم السياسي، على الرغم من أن الجميع يعرف نوايا السياسة الأمريكية تجاه المسلمين بشكل عام.

فبكل سهولة جاء الرد الصيني على هذه المباركة بأن هدمت المساجد وردمت المقابر الإسلامية، وصادرت المصاحف وحتى السجاد الذي كان يملأ المساجد. كما دفع هذا القرار المخزي تبني الصين سياسة العقاب الجماعي بحق أقلية الإيغور والاحتجاز التعسفي والعمل القسري ونزع النسيج الثقافي ومنع اللغة من الظهور أو التحدث بها، كما مهد للصين إلى بناء معسكرات اعتقال شملت حتى الآن أكثر من مليون ونصف من مواطني الإيغور محتجزون قسرياً. وقد أُدرجت كل من السعودية، مقر أمانة منظمة التعاون الإسلامي، والإمارات العربية المتحدة، الدولة المضيفة لآخر اجتماع لوزراء خارجية المنظمة، في هذه القائمة “الحساسة”. قد يفترض المرء أنَّ أعضاء المنظمة سوف يشعرون بالإهانة جراء ذلك، لكنَّ منظمة التعاون الإسلامي تجاهلت هذه الإهانة المباشرة بينما كانت تكيل المدائح للصين. 

هل يتحرك المجتمع الدولي بعد تخلي منظمة العالم الإسلامي عنهم؟

لكي تتفادى الصين الانتقاد العالمي بشأن انتهاكاتها الممنهجة ضد الإيغور، فإنها قيدت بعناية الوصول إلى تركستان الشرقية، وسمحت بالزوار الأجانب في إطار زيارات دبلوماسية تديرها الدولة وتخضع لسيطرة شديدة. ذهبت وفود المنظمة في واحدة من هذه الزيارات، لكن من الواضح أنهم تجاهلوا علامات القمع واسعت النطاق وامتنعوا عن التشكيك في الدعاية التي أحيكت لهم.

لكنَّ الوصول الجاد لتركستان الشرقية يتطلب خبراء مستقلين يمكنهم رؤية ما تفعله بكين لا ما تريدهم أن يروه. ونظراً إلى حجم الانتهاكات، وتكرار التمويه الصين، وتخلي منظمة التعاون الإسلامي عن الإيغور، فإنَّ حكومات أخرى ينبغي أن توحد جهودها في الدورة الحالية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لعمل بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في تركستان الشرقية.

الحكومة الصينية تكره العمل المنسق، لكن هذه أقوى وسيلة في عتاد المجتمع الدولي لزيادة التكلفة السياسية لتصرفات الصين. لقد كانت حملة القمع الصينية في تركستان الشرقية بمثابة اختبار رئيسي حول ما إذا كانت منظمة التعاون الإسلامي سوف تتخذ خطوات قوية وحاسمة للضغط على الصين التي تزداد قوة لإنهاء انتهاكاتها المنهجية، لكنَّ المنظمة فشلت في ذلك فشلاً ذريعاً.

ولا بد أن تتدخل دول أخرى بشكل عاجل لدعم الإيغور وسد هذه الفجوة الفاضحة.

أحد الروابط المهمة في البحث:

*رابط لأحد مصادر الطاقة في والتي رصدت توزيع الطاقة في تركستان الشرقية

https://www.powermag.com/energy-industry-xinjiang-china-potential-problems-solutions-web/

أنصح بمراجعة هذا الرابط، كما أنصح بقراءة كتاب بعنوان (تركستان) تأليف: محمود شاكر

http://turkistanilibrary.com/ar/content/trkstn

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى