دين ودنيا

رسائل السماء في رحلة الإسراء !

محمد علواني سليمان

كاتب مصري
عرض مقالات الكاتب

وسط ظلام دامس عم الكون نحوستة قرون ، وقد انقطع الوحي عن الأرض حتي ضلت البشرية طريقها ، وفسقت عن أمر ربها ، وانحلت عن عزائم دينها ، وسادتها شرعة الغاب ، فغاب العدل ، وانتفش الظلم ، وأكل القوي منها الضعيف ، واستعبد الناس بعضهم بعضًا ، يشاء الله لنوره أن يعاود الأرض ، رحمة بعباده ، فيرسل للناس رسولاً منهم ، يتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويدعوهم إلى صراط الله المستقيم ، ويجاهد في الله حق جهاده ، حتي لا تكون فتنة ، ويكون الدين كله لله ، وما كان لقوى الشر أن تخلي بينه وبين دعوته ، ففي ذلك هدم بنيانهم ، وتقويض عروشهم ،وضياع ملكهم ، فوقفوا له ولدعوته بالمرصاد ، فعمدوا إلي شخصه تكذيبا وتشويها ، وإلى دعوته تشكيكًا وتسفيهًا ، وإلى أتباعه تعذيبًا وتنكيلا ،حتي اضطروه صلي الله عليه وسلم إلي أن يهجر أتباعه الي موطن آخر ينالون فيه بعض حريتهم ، وينجون فيه من كيد عدوهم ، فكانت هجرتا الحبشة ، وعضت قريش علي النبي ودعوته الأنامل من الغيظ ، فلاحقوا من هاجر من أتباعه، واشتدوا على من بقي منهم في مكة ، وبدأت أيديهم تطال النبي صلي الله عليه وسلم نفسه، لاسيما بعد موت عمه وزوجه ، فقرر أن يخرج بدعوته إلى مكان آخر عله يجد فيه من يعينه على تبليغ دعوته وأداء رسالته ، فقصد الطائف ، ولكنه لم يجد من أهلها إلا كل قسوة وأذى، حتي أنهم أغروا به سفهاءهم فلاحقوه بالحجارة حتي أدموا قدميه الشريفتين ، فاتجه بقلبه إلى ربه مستغفرًا وشاكيًا إليه إعراض الناس عما فيه حياتهم، وصلاح دنياهم وآخرتهم ، وتمتم بهذه الكلمات :” اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حياتي ، وهواني علي الناس يا رب العالمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلي من تكلني ، إلي بعيد يتجهمني ، أم إلي عدو ملكته أمري ، ان لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من ان تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبي حتي ترضي ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم “ ورجع مرة أخري إلى مكة ودخلها في جوار المطعم بن عدي أحد سادتها….
وأراد الله لنبيه ان يزداد إيمانًا علي إيمانه ، وأن يرى بعين اليقين موعود ربه ، وأن يشهد امتداد دعوته في عمق الزمن ومن سبقه من النبيين في تبليغها ، وأن يرى أنصار دعوته من أهل السماء وإجلالهم له وحفاوتهم به ،وأن يوقن أنه لو تنكر له أهل الأرض جميعًا فإن الله هو مولاه ، وجبريل ، وصالح المؤمنين ، والملائكة بعد ذلك ظهير، أراد الله له ذلك فكانت رحلة الإسراء والمعراج ..
ويا له من حدث مبهر ! ويا لعظيم أثره علي قلب ونفس النبي صلي الله عليه وسلم ! ويا لعظيم أثره علي أمته بما يحمله لهم من رسائل ربانية ان وعوها وفقهوها !
أن يرى النبي نفسه فجأة في حضرة الله بلا واسطة ولا ترجمان وقد وصل إلى مكان لم يصله أحد قبله، موضع قال له فيه جبريل : تقدم يا محمد ، فما منا إلا وله مقام معلوم ، أما أنا فلو تقدمت لاحترقت ، وأما أنت فلو تقدمت لاخترقت ! ترى بأي قلب سوف يعود النبي صلي الله عليه وسلم إلى آلأرض ؟! وكيف سيكون شكره لربه ؟

«وفي حضرة الإله، هناك، في الملأ الأعلى، وفي هذا الموضع والمقام الذي اختص الله به نبيه، فرضت الصلاة، مباشرة، بلا واسطة ولا ترجمان، تمييزًا لها عن بقية الفرائض، وإبرازًا لمكانتها عند الله، وإبرازًا لما يجب أن تكونه في قلب المؤمن، فمن أراد أن يعرف مكانته عند الله، فلينظر إلى مكانة الصلاة في قلبه، والأمة بخير ما أقامت الصلاة.ولقد حملت المشاهد التي أراها الله نبيه، صلى الله عليه وسلم، رسائل توجيه وتثبيت له ولأمته، يوجه الأمة فيها إلى ما فيه صلاحها، ويحذرها فيها مما فيه هلاكها، فيرى الجنة وما أعده الله فيها للصالحين، ويرى النار وما أعده الله فيها للكافرين، ويرى من الصالحين الشهداء يزرعون ويحصدون في الوقت ذاته ما زرعوه، فلا تأجيل لأجورهم، وهم أحياء يرزقون عند ربهم، ويرى من العصاة الزناة، وآكلي الربا، ومضيعي الصلاة، وخطباء الأمة الذين يقولون ما لا يفعلون ويبررون للظالم ظلمه، وكلها ذنوب مهلكة للفرد والأمة، أراد الله أن يبلغ مشاهدها النبي وأمته ولينذرهم إذا رجع إليهم لعلهم يحذرون.ويشاء الله أن يكون معراج النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى الملأ الأعلى من المسجد الأقصى، لتكون رحلة الإسراء وما يحكيه النبي، صلى الله عليه وسلم، للناس من مشاهد رآها فيها هي الدليل على رحلة المعراج، فمن صدق الإسراء صدق المعراج، وليبرز للنبي، صلى الله عليه وسلم، وأمته مكانة هذا المسجد عند الله حتى لا يفرطوا فيه، وحتى يدافعوا عنه بالنفس والمال وكل رخيص وغال، ولم لا، وهو محور الصراع بين الأمة وعدوها، وشاء الله أن يجعله المعيار الذي تقيس به الأمة قوتها وضعفها، فالأمة بخير ما دام المسجد الأقصى بين أيديها، وعلى خطر ما كان المسجد الأقصى في يد أعدائها، ولقد وعي آباؤنا الأوائل الرسالة، فصير له أمير المؤمنين عمر الجيوش حتى استخلصه من النصاري، وتبعه صلاح الدين فاستخلصه من الصليبيين، واليوم هو في يد اليهود – يتربصون به ويتحينون الفرص لهدمه ليبنوا على أنقاضه هيكلهم المزعوم – منتظرًا أن يخرج من الأمة من يحرره ويطهر حرمه من دنسهم.»

ولقد وعى آباؤنا الأوائل الرسالة ، فصير له أمير المؤمنين عمر الجيوش حتى استخلصه ، وتبعه صلاح الدين فاستخلصه من الصليبيين ، واليوم هو في يد الصهاينة يتربصون به ويتحينون الفرص لهدمه ليبنوا علي أنقاضه هيكلهم المزعوم منتظرًا ان يخرج من الأمة من يحرره ويطهر حرمه من دنسهم.
كانت هذه هي بعض الرسائل الربانية التي قرأتها في رحلة الإسراء والمعراج ، والتي غفل عنها الكثيرون من أبناء هذه الأمة ، وفي حسن تلقيها لها حياتها ونجاتها وخروجها من هذا النفق المظلم الذي أدخلت فيه بتقصيرها وتفريطها في حق ربها وجهلها بمكانتها بين الأمم والتي ارتضاها الله لها ، ولا صلاح لهذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، والله أسأل أن يهييء لهذه الأمة أمرًا رشدًا يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته انه سميع قريب مجيب والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. بارك الله فيك و عليك و انار دربك لتلحق بركب العاملين الصادقين لاستئناف الحياة الاسلامية في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى