مقالات

حديث الشجون 2

حسام نجار

كاتب صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

كنت قد توقفت في حديث الشجون هذا عند تساؤل عميق الأثر :
إن النُخب العربية لم تؤد دورها ولو في جزء منه وهي مكلفة شرعاً بهذا الدور، فهل لعزوفها أم عدم قدرتها على القيام بهذا الدور أسباب جوهرية ؟
لنقض هذا الدور أو العزوف عنه أو تأكيده نعدد الأسباب ،والأدوات وطريقة العرض والقدرة على كل ذلك .
إن غالبية النُخب العربية هي من المتنورين أوالدارسين في الغرب أو على اطلاع بالنواحي الفكرية الغربية ،وجزء قليل منهم اعتمد على البيئة المحلية وتربية الأهل وأخلاقهم، وكذلك على بعض الإئمة الحذقين المتكلمين سواء من أصحاب الدين القويم والفكر النيّر والنصيحة الصادقة ،أو على غيرهم من المتسلقين.
ومن المتعارف عليه أن تأئير البيئة عميق جداً ،كما أن الوضع العام الذي تفرضه الدولة يتحكم بقدرة الأفراد على طرح ما لديهم من تطور فكري وتجديد وتوجهه بالطريقة التي تريد وترغب سواء بالترغيب أو الترهيب؛ لكن هذا لا يعني بالضرورة الالتزام به أوالتقيد باتباعه بل من الممكن الالتفاف عليه وجعله نقطة قوة لا ضعف ولا شرذمة.
بالطبع نتحدث بالعموم، لكن عند الدخول في طريقة الدول الشمولية التي طالما استخدمت كافة الأفراد للتسبيح بحمدها؛ وتنفيذ أجندتها في السيطرة على العقول نتوقف قليلاً .
إن النُخب العربية بأغلبها طالما كانت أدوات بيد الحكام ولطالما كان العامل الديني عكس هذا التوجه فجعلت هذه الدول الطرفين في حالة من الصراع والتنافر للاستفادة من حالة الصراع هذه ،فمثلاً في عهد أنور السادات انتشرت الشيوعية في الجامعات والمنابر الفكرية فقام بدعم الفكر الإسلامي لمواجهة هؤلاء و عندما تنامى هذا الفكر وجه الفكر الناصري لمواجهته وهكذا .
فالنُخب الثورية سواء كانت من المتنورين أو رجال الدين أو أياً كان ؛يجب أن تكون الواجهة الفكرية للجموع تنقل معاناة هذه الجموع بصيغة فكرية أخلاقية تشذبها وتهذبها ،تمنع الخروج عن النص ، تستفيد من خبرتها بالتعليم والتنوير وفق الضوابط الدينية فلا تشدد و لا انحلال وتؤكد انه لا خلاف بينها بالعمل وليس بالكلام فقط ،ترسخ لدى الجموع فكرة الحرية والبحث عنها والسعي لنيلها من خلال الحقوق والواجبات من خلال العدالة والكرامة .
إن مهمة النُخب ليست تنظيرية فقط، بل عملية فعلية تنفيذية تمتلك أدوات الإقناع بالفعل والعمل ، بالتنظيم و الإدارة ، بالتوجيه والمراقبة .
بُليّ المجتمع العربي بحالة من التنظير والبعدعن الدين ،وعدم الأخلاقية فكيف تقوم هذه الجموع بقبول فرد أو مجموعة تبتعد عن كل ما هو مألوف لديها أو منافٍ لتطلعاتها .
إن للجموع حقًا على هذه النُخب ،وهذا الحق تكفله كل الدساتير وكل الشرائع ،فالفرد عامي جاهل بطبعه يستنير بمن سبقه ويتعلم ممن أحبه ، وعلى هذه الجموع مطالبة النُخب بضرورة التأسيس لفكر مؤطر بأمانيها ورغباتها وحقوقها و أن توضح لها طريقة التنفيذ بأساليب سلسلة سهلة لا تحتاج لطلاسم وكتب ، تبعدها عن كل ما هو ضار بها وبوطنها ، لا أن تكون تلك النُخب عنصر شقاق وفراق .
سعت الدول الشمولية لجذب الطرفين المتصارعين لحضنها ونشرت بينهما الخصام على مبدأ فرق تسد لا على مبدأ التوحد خيار الأمة ، فبقاء تلك الدول عماده الخلاف والقوة والسيطرة والفرقة والتبعية .
سيطرت على الجامعات فتخرج من يسبح بحمدها ،استولت على المساجد فظهرأئمة يسبحون بحمدها ،أقفلت دور النشر فخلقت كُتاباً من العدم يسبحون بحمدها ،زرعت بذور عفنها في العقول الصغيرة فغسلت الأدمغة وشحذت سكينها ضد الوعي .
إن معركة الوعي أكثر أهمية من معركة السلاح ،إن معركة الفكر أوضح من الشمس ،إن معركة النُخب الفكرية مع نفسها لهي أنقى وأشرف معركة تقودها للوصول للجموع والقضاء على الفكر المهترئ الذي تزرعه وتنميه الدول الشمولية .
……
رسالة واضحة صادقة لتلك النُخب …ألاّ تبتعدوا عن الجماهير و لتعلموا أن هناك رسالة يجب عليكم تأديتها بأمانة وصدق تلك الرسالة حق عليكم أمام الجميع بلا استثناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى