مقالات

الثورة السورية في عيدها العاشر هزمت؟ أم انتصرت؟

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

      الذي يراقب وضع الثورة السورية من بعيد، وينظر إلى ما آلت إليه مجريات الأحداث العسكرية والسياسية، يعتقد جازما بأن الثورة قد هزمت، وأن بشار البهرزي قد انتصر، فما زال بشار في السلطة، وقد استعاد جيشه 80% من الأراضي التي فقدها، بعد أن كانت قوات الثوار على مرمى بندقية من قصره الذي كان محاصرا فيه..

      وهو يستعد لانتخابات رئاسية قريبة يحضر لها؛ وسيفوز فيها بنسبة قد تصل إلى 99،9/100 على الطريقة ذاتها التي يفوز بها الطغاة العرب، في انتخاباتهم الصورية، وبعدها سيسلم سورية لابنه حافظ الذي يكون قد صار مهيأً لخلافة والده، كما خلّفها جده حافظ الأسد لأبيه، وتصبح مقولة (الأسد للأبد)، واقعا معاشا. وقد بدأت الشعارات والأهازيج تنتشر، والأعراس والطبول تقرع ابتهاجا بالنصر الموعود، ولا شيء يعكر صفو هذه الانتخابات الرئاسية التي باتت على الأبواب.

     الذي ينظر إلى المعارضة السياسية، سيراها في أسوأ حال، وقد وصلت إلى مرحلة اليأس والقنوط والاستسلام، بعد أن فقدت كل أوراقها، وتخلت عن أهدافها، وتركها الداعمون، وجُمدت هيئة التفاوض، وفشلت الهيئة الدستورية في تحقيق أي تقدم، وهذه وفود المعارضة تتقاطر إلى موسكو لتفاوض روسيا على القليل، ولن تحصل على القليل..

       النظام ظل صامدا، ولم يقدم أي تنازل يذكر.. وما تطرحه موسكو (مجلس عسكري) يشارك هذا المجلس المسخ جيش النظام في استعادة الأرض التي بقيت تحت سيطرة المعارضة، ويقتل ما تبقى من الثوار، ويقضي على الثورة، ويعمل على استتباب الأمن، وإحلال السلام، بعد انتخابات رئاسية هادئة هانئة..

      الذي ينظر إلى الجيش الحر، يراه قد تخلى عن أهدافه التي تشكل من أجلها؛ في محاربة النظام وإسقاطه، وتحرير دمشق، وتراه سلّم أوراقه كاملة للضامن والممول، وتحول إلى جيش من المرتزقة يقاتل في ليبيا وأذربيجان بالأجرة، ويستعد للذهاب إلى اليمن، لأن الراتب سيكون أعلى، والممول أغنى، وقد يذهب إلى أماكن أخرى إذا ُطلب منه ذلك.

     أما الفصائل المتقاتلة، فقد تحولت إلى عصابات قتل واغتصاب وجريمة منظمة، وتحول عناصرها إلى قطاع طرق، ولصوص تسليب، وقادتها إلى أمراء حرب، كل منهم قد رسم حدود إمارته، ووضع حولها الحواجز، وملأ السجون والمعتقلات بمن لا يخضع ولا يدفع.

     الأمير الجولاني في إدلب، ينظم شؤون دولته الإسلامية، وأمنيوه  يسهرون على تطبيق الشريعة، ويفرضون الزي الأفغاني الإسلامي، ويضيقون على الناس، ويقاسمونهم لقمة أطفالهم، ويقصون رأس من يعصي الحاكم، ويرفض البيعة، ويخرج على طاعة أمير المؤمنين.. على الشريعة الإسلامية.

      الشيء الذي يحزن ويدمي القلب حال المواطن المهجر، الذي لا يجد بيتا يسكنه، ولا عملا يكسب منه قوت يومه، ويسد به رمق عياله، واليتيم ابن الشهيد المشرد الذي لا يجد من يؤويه، والجريح الذي لا يجد من يعالجه، والأرملة التي فقدت زوجها في الحرب، ولا تجد من يسترها، والأم التي ضحت بابنها الذي كان مصدر رزقها، وسر سعادتها..

      غلاء فاحش، وبطالة قاتلة، وجوع مهلك، وحواجز وضرائب وفصائل متناحرة على المعابر، وثراء وثروات تتضخم وتضخ في حسابات القادة لأمراء، على حساب الشعب الجائع الذي خرج بثورته؛ ليخلص من ظلم حافظ وبشار، ويثأر لنفسه وكرامته، فيجد أمامه ألف بشار، وجنودا أسوأ من جنود بشار..

      لا قتال مع جيش النظام، ومفاوضات سوتشي وأستانا تتم بانتظام، وتسليم الطرق والمدن يمر بكل سهولة ويسر.. لقد ولت الثورة، وكفر بها الناس، وندموا على ما فعلوا، وتمنوا لو ترجع الأيام كما كانت، وليتهم ظلوا تحت حكم القائد الخالد وابن القائد الخالد وحفيد القائد الخالد أبد الدهر، ولم يخرجوا إلى الساحات؛ ينشدون الحرية، فالحرية ثمنها غال، والوصول إليها في هذه الظروف المحلية والعربية والدولية صعب المنال.

      لكن بالمقابل: لو نظرت إلى حال النظام، وما يعانيه هو وشبيحته ونبيحته وحاضنته الشعبية، وطائفته السياسية والمذهبية، لوجدتهم في أسوأ حال، وشر مآل، فلا أمن ولا أمان، وجوع وحرمان، وغلاء يستعر، وفساد ينتشر، وتدهور مستمر، واقتصاد يحتضر، وجنود تفر، وموت ينتظر.

    لقد بدأ الخلاف يدب بينه وبين أقرب المقربين إليه، وقوة النظام وسطوته وسلطته تضعف، وقبضته الحديدية تفرط، حتى لم يعد له وجود ولا ظهور ولا ذكر إلا بالمناسبات الرسمية، والذي يحكم ويتحكم بالبلد الروس والميليشيات، ولولاهم لسقط وولّى من زمان إلى مزبلة التاريخ.

      صارت ربطة الخبر غاية لا تدرك، وكثير من الناس بات ثمنها لا يملك، وإذا استمر الوضع على هذه الحال مدة أطول، فالشعب لا محالة سيهلك.

      الشيء الذي صار حقيقة لا يمكن تجاهلها أن النظام أفلس، والدول التي كانت تمده بالمال، وتشتري له السلاح والعتاد، وتغطي عجزه في المال والاقتصاد، لم تعد قادرة على الاستمرار، ولا ضخ العملة الصعبة له باستمرار للسيطرة والقتال.

       الداخل الروسي يشتعل، ويعيش على فوهة بركان، وهم يمرون بأزمة اقتصادية وسياسية خانقة، وبدأ الشعب الروسي المقهور الجائع يتململ ويتظاهر ويهتف بسقوط بوتين، ويرفع صوته عاليا مطالبا بالانسحاب من المستنقع السوري، والنظام قدم للروس كل ما يملك، ولم يعد قادرا على تقديم المزيد، وإيران في وضع لا تحسد عليه، وميليشياتها تتعرض للإبادة في الضربات الجوية المتلاحقة، وغيلان الصحراء التي تبتلعهم، ولا يعرف لهم أثر، ولا يرجع منهم خبر.

       الدول الخليجية التي تعهدت لبوتين بدفع فاتورة السلاح والعتاد ورواتب الجند والمستلزمات اللوجستية، لم تعد قادرة على السداد، وفي طريقها للاقتراض والعجز والإفلاس.

     بلد دمر فيه كل شيء، ولم يعد يستطيع الوقوف على قدميه، لا غذاء ولا دواء، ولا ماء ولا كهرباء ولا يوجد سبب من أسباب الحياة، ولم يعد ينفع فيه علاج الأطباء.. لقد صار هيكلا ربا هرما آيلا للسقوط، وهو ساقط لا محالة.. والمسألة مسألة وقت لا أكثر، وتحتاج بعض صبر وبعض تحمل وبعض مطاولة، وثبات على الحق، وإيمان بأن الله لن يضيع دماء الشهداء، وعذابات الأبرياء، ودعاء الأولياء..

    صيح أن لواقع في المحرر مزر وبائس ومؤلم، وصحيح أن كثير من الناس تعبت، ولم يعد لديها كثير صبر، وتريد حلا أي حل، ولكن الصحيح أيضا أن نَفَس الثورة مازال موجودا، وأوارها مازال مشتعلا، ورجال الثورة مازالوا أحياء، والأمناء على الثورة أولياء الدم والعرض والوطن صامدون أوفياء، وهاهي الثورة في عيدها العاشر تصدح بها الحناجر، ويرفرف علم الثورة عاليا خفاقا، وحوله الملايين تتظاهر، وتعلن المضي بها إلى النهاية السعيدة، ولن يوقف زحفها معارضة بائسة متخاذلة، ولا مجلسا عسكريا تصنعه روسيا، بقيادة من خرج من عباءة النظام، ولا من تربى في أحضانه ورضع من ثديه..

      هذه الثورة بيضاء ناصعة، طاهرة نقية، صافية صفاء زرقة السماء، بهية مثل وجوه الأنبياء، معمدة بدماء الشهداء.. لا يلوثها الخونة والعملاء، ولا عودة ولا رجوع إلى الوراء.. وستنتصر.. وهي منتصرة، والمسألة مسألة وقت.. وأحسبه لن يكون طويلا..     

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى