مقالات

الأهداف الخفية من زيارة البابا للعراق

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

نقلت جريدة الأخبار اللبنانية (الاثنين 8 أذار 2021) أن بابا الفاتيكان ، في لقائه مع المرجع الشيعي علي السيستاني في النجف، «طلب غطاءً من النجف يُمَكّن أتباع الأديان الثلاثة من أداء حجّ سنوي إلى مدينة أور (المدينة الأثرية التي ولد فيها النبي إبراهيم، والواقعة في محافظة الناصرية جنوب البلاد)»، غير أن جواب المرجع الشيعي كان على عكس رغبة الضيوف. ورغم أن المصادر التاريخية، بل وكتب الانجيل والتوراة، لم تذكر أي شيء عن فرية إقامة النبي إبراهيم معبد زقورة في اور، إلا أن البابا يريد أن يفرض وهما على العالم، وبالذات على المسلمين، تحت دعوته المسمومة لنشر السلام (الكاذب) بالدعوة لإقامة حج مشترك “للأديان السماوية”، بزعمهم الكاذب. فالمسلمون يؤمنون إيمانا يقينيا أن الدين عند الله ورسوله هو واحد: ملة الإسلام لا سواها، و الله سبحانه وتعالى لم يرسل الرسل بأديان متعددة.

هذا البابا الذي جاء ليضحك علينا بخداعه المعسول ” أوافيكم حاجا تائبا لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنوات الحرب والإرهاب … أوافيكم حاجا يسوقني السلام”. وهو كذب فج تفضحه الوقائع والحقائق، فهو لم ينبس ببنت شفة ليدين الإرهاب الصليبي والجرائم الوحشية التي ارتكبتها جيوش الاستعمار الغربي التي لا يتسع المجال لذكرها فنكتفي  بالحرب الهمجية التي أشعلها جورج بوش في 1991 ضد العراق، ففي الهجمة التي أطلقوا عليها “عاصفة الصحراء”، قام الطيران الأمريكي وحلفاؤه طوال 43 يوما، وبواسطة 2800 طائرة، بأكثر من 110 ألف طلعة، ألقت 250 ألف قنبلة، بما فيها قنابل تفتيتيه، ألقت بأكثر من عشرة مليون قذيفة فرعية بما سمي يومها القصف السجادي Carpet bombing حيث يتم تقسيم رقعة البلد الى مربعات يتم العمل على تدميرها بأبشع الأسلحة الفتاكة. و قد استخدمت القوات الجوية والأرضية 800 طن قذائف اليورانيوم المخضب، منها مليون سعة 30 مليمتر بطائرات هليكوبتر، و14000 سعة 20 مم قذفتها دبابات هجومية. كما تم استخدام آلاف الرؤوس المحملة باليورانيوم المخضب، المزودة بالقاذفات والصواريخ. وهو ما أدى إلى سقوط ما بين سبعين ومئة ألف قتيل في صفوف الجيش العراقي (مقابل 505 جنود من قوات التحالف، 472 منهم أميركيون)، وجرح قرابة 300 ألف جندي. ثم استأنف جورج بوش  الابن جرائم أبيه فأطلق “الحرب الصليبية” في عدوانه على أفغانستان في 2001، ثم اخترع فرية اسلحة الدمار الشامل ليبرر العدوان على العراق في 2003. وهذه كلها لم يسمع بها البابا فرنسيس الأسيزي، كما أنه لم يسمع بجرائم اليهود في فلسطين، بل جاء مكابرا مطالبا المسلمين بأن يديروا الخد الآخر لتتمكن دول الغرب من خلع الإسلام من قلوبهم وعقولهم، عبر تشويه مفاهيم العقيدة تحت الدعوة الزائفة لنشر السلام والمحبة، تمام كما نشرت عصابات المستوطنين الاوروبيين السلام والمحبة وسط الهنود الحمر في أمريكا.

وليس هذا بجديد فالبابا إنما يسير في مسيرة أسلافه من رجالات الكنيسة المتآمرين ضد الإسلام والمسلمين، و بينما يتركون مكر السياسة و جرائم الإبادة  لزملائهم من الساسة الغربيين الذين يتولون تدمير البلاد والعباد سواء بماشرة او عبر عملائهم من حكام المسلمين، ومثال ذلك جزار رابعة الطاغية السياسي الذي أثنى البابا فرنسيس  عليه جم الثناء في زيارته لمصر(نيسان 2017). فرجالات الكنيسة عملهم فتنة المسلمين عن دينهم بشتى الحيل والأساليب الشيطانية، ومن ذلك التوصيات التي أصدرها مؤتمر كولورادو لتنصير المسلمين [1]، ومنها أن عليهم في المخطط الجديد أن يضعوا “المضمون النصراني” في “أوعية الثقافة الإسلامية” بل وفي أوعية الدين الإسلامي. فدعوا إلى إكتشاف المصطلحات القرآنية التي يمكن أن تمثل جسورا يعبرون عليها بالمضمون النصراني إلى عقول الضحايا من المسلمين من مثل “كلمة الله” و “روح الله” و “رفع عيسى” إلى الله إلخ إلخ. كما دعوا إلى صب مضامين الشعائر النصرانية في قوالب الشعائر الإسلامية فتكون الصلاة النصرانية لدى المتنصرين المسلمين ركوعا وسجودا وليست جلوسا على المقاعد كما هي في النصرانية، بل وأن تكون في المسجد الإسلامي الذي اقترحوا أن يسمى المسجد العيسوي بل واقترحوا تسمية المتنصرين ب”المسلمين العيسويين” وطالبوا لهم بكنيسة متميزة تصب المضامين النصرانية في قوالب الإسلام وثقافة المسلمين[2].

هكذا نستطيع فهم مدلولات المساعي الحثيثة التي ترعاها كنيسة الفاتيكان في اختراع رموزا وأوهاما يعملون على فرضها تدريجيا عبر سنوات ولو استغرقت عقودا. و من ذلك اختراع فرية معبد زقورة في أور، حيث حضر  البابا تجمعا للأديان مع ممثلين عن الشيعة والسنة والأيزيديين والصابئة والكاكائيين والزرداشتيين.

 فقد سبق أن روجوا لرجل وامراة من المسلمين(أو هكذا زعموا) حين قاما بأداء شعائر العمرة (المتوهمة في عقولهم المريضة) في معبد زقورة في 27-2-2014.[3]…ومع  يقينهم إن هكذا عمل سيلاقي الرفض الجازم من المسلمين ولكنهم لا ييأسوا، فهم يتبعون الاسلوب الانجليزي الخبيث :رويدا رويدا ولكن بثبات   slowly slowly but surely …وشبيه بهذا فرية (عيد البشارة) الذي اخترعوه في لبنان. وفي الطقوس التي أقامها البابا في اور قام رجل بقراءة بعض الايات من القرآن الكريم، تلاه ترانيم كنسية…وهذا نفس الاجراء في عيد البشارة المشترك في لبنان: إذ يؤتى برجل يقال له شيخ يقرأ ما  تيسر له من القرآن، ثم يعقبه رجال كهنوت نصارى يتلون بعض الترانيم…

المهم في هذا كله تكريس أعرافا جديدة تهدف الى تمييع عقيدة المسلمين ومفاهيم التوحية في قلوبهم وعقولهم، تحت شعار السلام الزائف..

وفات هذا البابا الدعي أن يرد على السؤال البسيط:إننا معشر المسلمين نؤمن إيمانا راسخا بكل الأنبياء والرسل عليهم السلام، ونؤمن بأن عيسى هو عبدالله ورسوله، فهل يؤمن البابا وكنيسته بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله؟ قطعا لا..إذن كيف يريد لنا ان نتغافل عن هذه القطعية الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار؟؟ وهل يظننا بلغنا من الخبل درجة أن ننسى ما اقترفت ايادي الاستعمار الغربي عبر قرنين من الزمن ضد امتنا وضد ديننا ولا يزال؟؟

وفي خطابه الذي القاه دعا البابا إلى دفن العداوة والكراهية قائلا:” يسعى البعض ليكون لهم أعداء، أكثر من سعيهم ليكون لهم أصدقاء” وفاته أن يعترف بأن جيوش الاستعمار الغربي هي التي اجتاحت بلادنا وعاثت فيها الفساد في الحروب الحديثة  كما في الحروب الصليبية السابقة، وها فلسطين المكلومة خير شاهد على إجرامهم، ثم يتهمنا بأننا “نسعى” ليكون لنا اعداء، نحن الذين آوينا اليهود الفارين من جحيم محاكم التفتيش التي قام بها أسلاف البابا في الأندلس!

أما عن الأهداف السياسية لزيارة البابا فقد حذر منها نوري المالكي، بأن ما يجري في محافظة ذي قار مقدمة لإعلان إقليم يكون مركزه الناصرية.وبحسب موقع “العهد نيوز” العراقي، فقد قال المالكي في تصريح له ان “المخطط من قبل جهات خارجية دون ان يكون للمتظاهرين علم بذلك، وندعوهم للانتباه”. فزيارة البابا التي لقت ترحيبا حارا من الرئيس المريكي بايدن، إنما تمهد للمطالبة بإنشاء كانتونات بذريعة حماية الأقليات، فالبابا يقدم الذريعة الدينية ثم تقوم امريكا وأوربا، وبشراكة روسيا، بتنفيذ المخطط السياسي الهادف الى تفتيت المفتت، و خلق النعرات العرقية والقومية والطائفية، وكل هذا تحت اكذوبة نشر السلام والمحبة.


[1] عقد في 15 اوكتوبر 1978 في مدينة جلين ايري في ولاية كولورادو الأمريكية، انظر عبدالرزاق دياربكرلي، تنصير المسلمين بحث في أخطر إستراتيجية طرحها مؤتمر كولورادو التنصيري، دار النفائس، الرياض،1409 هـ/ 1989 م.

[2] محمد عمارة، إستراتيجية التنصير في العالم الإسلامي دراسة في أعمال مؤتمر كولورادو لتنصير المسلمين ، 67

[3]  مناسك العمرة في اور، فيديو نشرته قناة (كعبة اور) وكفى بهذا الاسم فضحا لمراميهم الخبيثة https://youtu.be/3fjYDgFEZo0

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى