حقوق وحريات

مخيم الهول السوري في طي النسيان

الباحث المحامي ياسر العمر

محامٍ وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

يقع المخيم المعروف باسم (مخيم الهول) بالقرب من قرية الهول، الواقعة في شرق مدينة الحسكة. في عام 1991 أنشأت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة هذا المخيم لإيواء اللاجئين العراقيين إبان حرب الخليج الأولى بالتنسيق مع النظام السوري.

عند اندلاع الثورة السورية عام 2011، وتسلل المجموعات الكردية الانفصالية (جماعات جبل قنديل) من الأراضي التركية باتجاه محافظة الحسكة، المحاذية للأراضي التركية، في الجهة الشمالية الشرقية من سورية، وتآمر تلك المجموعات مع النظام السوري، أدى ذلك الى سيطرة تلك العصابات على قسم كبير من محافظة الحسكة. في حين كان النظام السوري وأعوانه يروجون أن تلك المناطق أصبحت وديعة لدى أكراد الجزيرة السورية،  وفي عام 2015 سيطرت وحدات حماية الشعب على مخيم الهول.

كما تسلل من الأراضي العراقية، إلى الأراضي السورية، ومن الجهة الشرقية  تنظيم الدولة( داعش)، واستطاعت هذه الجماعات من السيطرة على ” محافظة دير الزور والرقة، وقسم من محافظة الحسكة، كما سيطرت على مساحات واسعة من الأراضي السورية “، وكانت غالبية هذه المناطق يأخذها التنظيم بالالتفاف على “الجيش السوري الحر” الذي كان قد بسط سيطرته على نسبة تصل 80 %الأراضي السورية.  

مسرحية الاستلام والتسليم بين داعش والنظام وتصفية الجيش الحرولعل ما حصل بمطار الطبقة خير دليل ، ونسبة الإرهاب للثورة السورية ، والدعوة الأمريكية لقتال الإرهاب في سورية فقد

 أعلن تنظيم داعش عن قيام الخلافة الإسلامية في سورية والعراق عام 2014 !

كان هناك خيار أمام قوات التحالف الدولي تضمن التعاون مع تلك العصابات الكردية للقضاء على “تنظيم الدولة ” مع التنويه أن تلك العصابات الكردية، استطاعت تجنيد قسم كبير من الشباب العربي في تلك المناطق، مستغلة حاجتهم المعيشية للمال، إضافة إلى إغراء البعض لإدارة تلك المناطق من أبنائها بإشرافهم، وقاموا بتشكيل جسم -عسكري -من الكرد وغالبية عربية وبعضاً من المكونات الأخرى في تلك المناطق وأطلقت عليه تسمية ” قوات سورية الديمقراطية “ والتي عُرِفت ب – قوات قسد – إضافة الى الشق المدني والذي أطلقت عليه تسمية – الإدارة الذاتية – لإدارة المناطق التي تسيطر عليها تلك القوات، وكانت جميع إدارات المناطق تعمل تحت جسم ” مجلس سورية الديمقراطية / مسد ” الذراع السياسية لقوات قسد.

هذا الأمر أظهر الأكراد أمام قوات التحالف؛ أنهم جماعة منظمة يمكن الاعتماد عليها. والتقت مصلحة الطرفين ” قوات قسد والتحالف الدولي ” وكان للتحالف الدولي ما أراد  ، حيث قام بتجنيد قوات قسد لخوض المعارك مع تنظيم الدولة  .
دارت المعارك الكبيرة بين – قوات قسد –  المدعومة من التحالف الدولي بالعتاد والسلاح والدعم الجوي ، و داعش ومع مرور الوقت ، استطاعت قوات قسد والتحالف الدولي من دحر قوات تنظيم الدولة حتى آخر نقطة لهم في تلك المناطق ،  وهي قرية باغوز فوقاني وهضبتها التي تسمى ” جبل العرسي ” ومغارتها التي تسمى ” مغارة التيس ، والتي يربطها جسر مع منطقة البوكمال على الحدود العراقية السورية . نتج عن ذلك عن نزوح أكثر من 34الف شخص من تلك المناطق غالبيتهم من الأطفال والنساء، إضافة الى عوائل عناصر تنظيم الدولة، كما تم أسر أكثر من 3400 عنصر من تنظيم الدولة، ووضِع غالبية هؤلاء في مخيم الهول المذكور أعلاه، بعد أن تم تجهيزه من قبل الأمم المتحدة لاستقبال النازحين في سورية واللاجئين العراقيين الفارين من معارك الموصل. وهناك روايات تقول إن عدد الذين في مخيم الهول بحدود 60 ألف شخص، منهم 40 ألف طفل من حوالي ستين جنسية. أما ما بينته الإدارة الذاتية الكردية حول الأعداد في هذا المخيم؟ فقد قالت: المخيم يضم حوالي 11 ألف رجل من عناصر تنظيم الدولة، بينهم 2000من الأجانب، وهناك روايات تقول: إن عدد عناصر التنظيم الفعلي لا يزيد عن المئات. وقد تكون هذه الرواية هي الأقرب للصحة! بسبب أن ما سرب عن المعارك التي جرت بين تنظيم الدولة، وقوات قسد المدعومة من التحالف، وما رافقها من أعمال قتالية جرى فيها حرق الأخضر واليابس، توصل المتتبع للأحداث الى نتيجة مفادها: أن غالبية عناصر تنظيم الدولة لقوا حتفهم، أو يكون تم نقلهم إلى أماكن أخرى لغايات لم تتكشف معالمها بشكل واضح.

بعد نشوء هذه الحالة، قامت قوات قسد بتقُسِمَ المخيم إلى ستة أقسام، وكل قسم يتألف من قطاعات متعددة، ووضِع النازحون السوريون من أرياف مناطق المحافظات الثلاث غير المرتبطين بتنظيم الدولة، في قسم خاص بهم،  كما وُضِع اللاجئون العراقيون في قسم آخر، أما عناصر تنظيم داعش فقُسِموا إلى فئتين، الفئة الأولى ” الأوربيين ” ولهم قسمهم الخاص، والفئة الثانية من ” بقية الجنسيات “.

وسُمِح لبعضُ النازحين السوريين والذين لا علاقة لهم بتنظيم الدولة العودة لقراهم في وقت لاحق.

أما الأطفال السوريون الذين تجاوزت أعمارهم اثنتي عشرة سنة فرحلوا إلى سجن الأحداث في قرية تل معروف قرب مدينة القامشلي .

ذكرت الإحصائيات الصادرة عن المفوضة السامية لحقوق الانسان في الأمم المتحدة ميشيل باشيليت عن وجود آلاف من غير السوريين في هذا المخيم، وهناك أكثرمن80% منهم أطفال ونساء، وهؤلاء يتعرضون للعنف والاستغلال والإساءة والحرمان؛ ويعيشون في ظروف ومعاملة قد ترقى الى ” التعذيب “وفق توصيف القانون الدولي لهذه الاعمال، والتي يُحاكم مرتكبيها أمام محكمة الجنايات الدولية.  

هذا الأمر دعاها إلى المطالبة بعودة هؤلاء الى بلدانهم، ليتم تأهيلهم وادماجهم، وإذا لزم الأمر “التحقيق معهم” باعتبار غالبية الدول المعنية بهؤلاء الأشخاص لديهم أنظمة “عدالة جنائية ” قوية قادرة على اجراء التحقيق العادل، ومحاكمة أولئك الذين توجد ضدهم أدلة كافية على السلوك الاجرامي.

وبينت أن هؤلاء ليسوا موقوفين بشكل رسمي (الإدارة الكردية قسد غير معترف بها رسمياً) ولا يواجهون تهماً جنائية في سورية، لكن لا يسمح لهم بمغادرة المخيم وتركوا في طي النسيان القانوني.

كما طالبت اعتبار الأطفال، ومن بينهم المجندون بشكل إجباري في صفوف تنظيم الدولة، ضحايا والتعامل معهم بشكل يتماشى مع “حقوقهم لاتفاقية حقوق الطفل لدى الأمم المتحدة”

أما فيونولاني أولين مقررة الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق الانسان، فقد أكدت على أهمية استعادة الدول لرعاياها ويتوجب اتخاذ إجراء جماعي لإنقاذ العالقين في المخيمات. 

وفي تشرين الثاني من عام 2019 واثناء انعقاد اجتماع وزراء خارجية دول التحالف الدولي في واشنطن لمناقشة الخطوات المقبلة في مواجهة تنظيم الدولة، طالبت أمريكا الدول المشاركة باستقبال مواطنيها الذين كانوا منتسبين الى تنظيم الدولة والموجودين في المخيمات في سورية ومنها مخيم الهول.

أما “مجموعة الأزمات الدولية” فحذرت في شهر نيسان من عام 2020 من انتشار فيروس كوفيد 19 والمعروف باسم “كورونا” في مخيم الهول. وبينت أنه في حال تفشي هذا الفيروس في مخيم الهول سنشاهد الناس يموتون فيه.  

أمام هذه الدعوات، جرى الأخذ والرد بين تلك الدول، فالدانمارك بَينَتْ نيتها سحب جنسية العناصر المنتمين إليها، أما بلجيكا فكانت تصر على محاكمة مواطنيها من هؤلاء في الأماكن التي اعتقلوا فيها، وفرنسا قامت باستعادة الأطفال الأيتام والمنفصلين عن عوائلهم، أما بريطانيا فقد رفضت استقبال الحاملين لجنسيتها في المخيم، وجردت بعض المواطنين البريطانيين البالغين من جنسيتهم البريطانية معتمدة على المادة 40 من قانون التجنيس لعام 1981 والتي فسرتها أن هؤلاء الذين تم تجريدهم ، لهم أصول أخرى، وبإمكانهم نيل جنسية البلد الأصلي لهم.

إن أبرز الانعكاسات التي تنشأ نتيجة المواقف الاوربية المتباينة، هي في إيجاد المبررات القانونية للدول الأخرى من خارج الاتحاد الأوربي لاتباع نفس الأسلوب الذي تتبعه الدول الاوربية، (وخصوصاً النظام السوري بمواجهة السوريين المعارضين له الذين رفعوا بوجهه السلاح دفاعاً عن أنفسهم وأهلهم)، وهذا سيؤدي إلى نشوء حالة اجتماعية قانونية معقدة؛ تتمثل في عدم تسجيل وقوعات الزواج والأولاد الذين ولدوا نتيجة هذا الزواج، مما يؤدي إلى وجود أعداد كبيرة من مكتومي القيد، أما لو افترضنا أن هناك نية لإنشاء محكمة دولية لمحاكمة الأجانب المنتمين إلى تنظيم الدولة الموجودين في المخيم، فإن هذا سيصطدم بإشكالات قانونية وسياسية! أهمها عدم وجود الصفة القانونية للطرف الذي يحتجزهم (قوات سورية الديمقراطية الغير معترف بها دولياً) في المناطق التي يسيطرون عليها، إضافة إلى ما تتطلبه تلك المحاكم من أموال وموارد بشرية للقيام بهذه المهمة.

أما على المستوى الشعبي فظهرت الأصوات الكثيرة المطالبة بمعالجة وضع هؤلاء، وكان آخرها في شهر شباط من هذا العام عندما أعلنت الفرنسية ” باسكال دي كامب ” إضرابها المفتوح عن الطعام، لإجبار الحكومة الفرنسية لإعادة ابنتها البالغة من العمر ” 32عاماً ” والمصابة بالسرطان مع أطفالها الأربعة المحتجزين في مخيم الهول ”            

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى