مختارات

زيارة بابا الفاتكان فرانسيس إلى العراق 2021م والاعتذار لمن سبقه

الشيخ د. عبد الرزاق السعدي

عرض مقالات الكاتب

من ثوابت الدين الإسلامي الحنيف احترام الأديان السماوية واحترام أتباعها ما داموا مسالمين بل إن الإيمان بالرسل والأنبياء والكتب السماوية الأربعة (الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن) من أولى واجبات المسلم، وإنَّ إنكار واحد منها يعد كفرا وضلالا، وأيضا من الثوابت الإسلامية حماية أهل الأديان السماوية ومساعدتهم وبرهم والإحسان إليهم وعدم إكراههم على الدخول في دين الإسلام وكذلك حماية معابدهم وصيانتها لأداء شعائر أهلها فيها بحرية كاملة.
والعراق مهد الحضارات الضاربة في بطون التاريخ ومأوى الأديان ومحط رحال الرسل والأنبياء، والمسيحيون بكل طوائفهم مواطنون عراقيون يشكلون مكونا هاما أصيلا في العراق، والعراقيون بطبيعتهم كرماء يحبون الضيف ويقيمون له وزنا من الاحترام والتقدير، وليس غريبا على العراقيين أن يستقبلوا بابا الفاتكان فرنسيس الأول ويكرموه ويحترموه.
وانطلاقا من قول الله عز وجل: ( وقل الحق من ربكم) الكهف:129، اذكر الحقائق الآتية:

1 – أنا شخصيا قابلت البابا فرانسيس في الفاتكان في شهر أيلول (سبتمبر) من عام 2016م بمناسبة حضوري مؤتمرا دينيا كبيرا عقد في إيطاليا دُعيت إليه من منظميه ( سانت ايجيديو الكاثوليكية) ومما قلته وطلبته من البابا فرنسيس عن طريق المترجم باعتباره رئيس المسيحيين في العالم ومنهم بعض الحكام الذين قدموا كل خراب ودمار للعراق وللعراقيين، وذلك بأن يعمل على إنقاذ العراق من سطوة المحتل الذي أفسد البلاد ودمرها وآذى العباد بسفك دمائهم وتهجيرهم من ديارهم ووعد خيرا، لكن لم نلمس شيئا يذكر على أرض العراق.

2 – في عام 1999م طلب البابا يوحنا بولص الثاني من الحكومة العراقية أن يزورالعراق قاصدا منطقة ( أور) ليفتتح عام 2000م بهذه الزيارة، ولما عُرض الموضوع في حينه على رئيس العراق الراحل صدام حسين لم يتخذ قرارا منفردا في تلبية هذا الطلب وإنما شكل لجنة موسعة من علماء دين سنة وشيعة ومن أساتذة جامعيين بتخصصات متنوعة يستطلع رأيهم في موضوع زيارة البابا وكنت أنا من ضمن أفراد اللجنة وكان من أبرز أعضاء اللجنة الأستاذ الدكتور بهنام أبو الصوف وهو مسيحي عراقي وطني وعالم كبير في الآثار العالمية ومتخصص بالآثار العراقية ومستوعب لأماكنها وتاريخها، ولما اجتمعت اللجنة لمناقشة موضوع زيارة البابا إلى العراق اجتماعا حُراً ولم يكن للجنة توجيه مسبق في اتخاذ القرار من أي جهة كانت – والله شاهد على ما أقول – وأول من أبدى رأيه في منع هذه الزيارة هو الدكتور بهنام أبو الصوف ودافع عن رأيه بكل قوة وصرامة رغم ما كنا نحمله من رغبة في عدم الممانعة من الزيارة، لكنَّ أبا الصوف أصرَّ على رأيه معززا رأيه بالأدلة التي يحملها بحكم تخصصه ومنها أن هذه الزيارة ستنعكس على العراق بالخطر الكبير بسبب أن البابا أرد من هذه الزيارة إعطاء اليهود حقهم في أرض ( اور) كما هي الرواية التي يدعيها اليهود، وبين أبو الصوف أن الهدف من زيارة ( أور) إعلانها مقراً دينيا ومزارا حقيقيا تشترك فيه كل الأديان لأن نبي الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام ولد فيها ، على أننا لم نجد من الفاتكان موقفا صريحا في استنكار احتلال العراق والهجوم عليه بهذه البربرية التي لم يشهد لها العراق مثيلا في تاريخه ، ولم نجد استنكارا على تصريح بوش الصغير الذي أعلنها حربا صليبية ولم يستنكر الفاتكان اعتصام بوش بإحدى الكنائس ليلة ضرب العراق في 17/3/ 2003م حتى يعطي نفسه شرعية دينية من خلال هذا الاعتصام.
وعلى هذا فإن هذه الزيارة تشكل خطرا يهدد كرامة العراق واستقلاله، فما كان من سائر أعضاء اللجنة إلا أن تأخذوا برأي أبي الصوف ويرفعوا تقريرهم إلى الرئيس بضرورة الاعتذار عن هذه الزيارة في الوقت الحاضر بصورة دبلوماسية لما يمر به العراق من وضع لا يسمح له بهذه الزيارة، وفعلا تم الاعتذار ومرالموضوع بسلام.

أما ما نسمعه في بعض وسائل الإعلام العراقية بخصوص هذا الموضوع من تزييف للحقائق فهو جزء مما تعود العراقيون على سماعه مدة تسعة عشر عاما من احتلال العراق في عام 2003م على القاعدة العامية القائلة:(كل بنت كلب ترمى برقبة النظام السابق).

3 – في برنامج زيارة البابا فرنسيس في المدة 6-8/3/2021م لقاء مع مرجعات دينية ولا نجد مانعا من ذلك ولكن كنا نأمل أن يكون لقاء البابا بمرجعيات شيعية وسنية ومن الطوائف الأخرى من العراقيين الأصليين حتى يمثلوا شرائح المجتمع العراقي بشكل حقيقي .

4 – لا نستبق الأحداث وحري بنا أن ننتظر ماذا ستسفر عنه زيارة البابا فرنسيس في خدمة استقرار العراق وراحة العراقيين، مع أنه يحز في نفوسنا أن تكون صيحات من هنا وهناك أن المخلص للعراق من كبوته غير عراقي، ومع أن العراقيين جميعا قادرون على حل مشاكلهم إذا صدقوا وأخلصوا النية لله ثم للوطن لما يحمله العراقيون من أرث حضاري وكفاءة علمية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ونعتقد أنه لا خلاف ولا تناحر بين أفراد الشعب العراقي وعوائله وقبائله، وإنما المشكلة تكمن فيمن تعاقبوا على إدارة العراق بأجندات عملت على تمزيق وحدة الصف العراقي ومع ذلك فلا يزال الخير والأمل بعد الله في العراقيين بكل أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم ولن يستمر ظلام الليل مهما طال.

المصدر : صفحة الشيخ الرسمية على فيس بوك

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. هناك تداخل ينبغي فصله ، تلك العبارة عن احتلال 2003 كيف دخلت بـوسط كلام عن 1999 أم إنني غلطان ؟
    العبارة من : على اننا لم نجد من الفاتيكان …
    الى : و على هذا فان هذه الزيارة .

  2. ①❗هذه العبارة ⇩ المحصورة بين [ قوسين مربعين] ليست في المكان الصحيح .. لازم تذكر لوحدها ، و ليس في وسط حكاية اللجنة ! أم أنها جملة إعتراضية ؟

    *[على أننا لم نجد من الفاتكان موقفا صريحا في استنكار احتلال العراق والهجوم عليه بهذه البربرية التي لم يشهد لها العراق مثيلا في تاريخه ، ولم نجد استنكارا على تصريح بوش الصغير الذي أعلنها حربا صليبية ولم يستنكر الفاتكان اعتصام بوش بإحدى الكنائس ليلة ضرب العراق في 17/3/ 2003م حتى يعطي نفسه شرعية دينية من خلال هذا الاعتصام. ]*

    ② ❗هذه النتيجة ⇩⇩ بالإستئناف بالقول { و على هذا} لمن تعود ؟ هل الى رأي بهنام ابو الصوف أم الى – التعليق الإعتراضي – للشيخ ؟

    *{وعلى هذا فإن هذه الزيارة تشكل خطرا يهدد كرامة العراق واستقلاله، }*

    ③ ❗لذلك أرتأي أن تصاغ المادة 2 من كلام الشيخ هكذا ⇩⇩⇩ و الكلمات والجمل الأخرى توضع لوحدها : :

    2 – في عام 1999م طلب البابا يوحنا بولص الثاني من الحكومة العراقية أن يزورالعراق قاصدا منطقة ( أور) ليفتتح عام 2000م بهذه الزيارة، ولما عُرض الموضوع في حينه على رئيس العراق الراحل صدام حسين لم يتخذ قرارا منفردا في تلبية هذا الطلب وإنما شكل لجنة موسعة من علماء دين سنة وشيعة ومن أساتذة جامعيين بتخصصات متنوعة يستطلع رأيهم في موضوع زيارة البابا وكنت أنا من ضمن أفراد اللجنة وكان من أبرز أعضاء اللجنة الأستاذ الدكتور بهنام أبو الصوف وهو مسيحي عراقي وطني وعالم كبير في الآثار العالمية ومتخصص بالآثار العراقية ومستوعب لأماكنها وتاريخها، ولما اجتمعت اللجنة لمناقشة موضوع زيارة البابا إلى العراق اجتماعا حُراً ولم يكن للجنة توجيه مسبق في اتخاذ القرار من أي جهة كانت – والله شاهد على ما أقول – وأول من أبدى رأيه في منع هذه الزيارة هو الدكتور بهنام أبو الصوف ودافع عن رأيه بكل قوة وصرامة رغم ما كنا نحمله من رغبة في عدم الممانعة من الزيارة، لكنَّ أبا الصوف أصرَّ على رأيه معززا رأيه بالأدلة التي يحملها بحكم تخصصه ومنها أن هذه الزيارة ستنعكس على العراق بالخطر الكبير بسبب أن البابا أرد من هذه الزيارة إعطاء اليهود حقهم في أرض ( اور) كما هي الرواية التي يدعيها اليهود، وبين أبو الصوف أن الهدف من زيارة ( أور) إعلانها مقراً دينيا ومزارا حقيقيا تشترك فيه كل الأديان لأن نبي الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام ولد فيها ، 

    وعلى هذا فإن هذه الزيارة تشكل خطرا يهدد كرامة العراق واستقلاله، فما كان من سائر أعضاء اللجنة إلا أن تأخذوا برأي أبي الصوف ويرفعوا تقريرهم إلى الرئيس بضرورة الاعتذار عن هذه الزيارة في الوقت الحاضر بصورة دبلوماسية لما يمر به العراق من وضع لا يسمح له بهذه الزيارة، وفعلا تم الاعتذار ومرالموضوع بسلام.
    ————-

    الآن هل فهمتني رجاء ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى