مقالات

الصراع بين جيل الثورة وجيل المكاسب !من مذكرات ثائر سوري 5

محمد حساني

ناشط ثوري
عرض مقالات الكاتب

تكلمت في المقال السابق عن الثوار الذين ضحوا لتقوم الثورة، وتحمّلوا عبئها ودفعوا مهرها عن رضى وقناعة واسميتهم جيل بدر.
ولما بدأ النظام بالتهالك وبدا واضحا قرب سقوطه، خرج الجيل الثاني ليقطف الثمار ،ويحصد الغنائم علمًا أن البعض منهم كان يكتب فينا التقارير،ويعطيها للمخابرات، وبكل تأكيد بينهم عناصر مندسة من النظام لتشويه الثورة واسميتهم جيل “وين المصاري”
كان هدفنا إسقاط النظام ،وهدفهم الغنائم والمناصب، وهذا الحال يستوجب صراعًا بين الجيلين مما يعطي فرصة للنظام ، لكي يلملم صفوفه ،ويزيد الشرخ فينا طولاً وعرضًا…

حاولنا بشتى الوسائل تجنب هذا الصراع لئلا ندخل في حرب أهلية ،ونظرًا لوقاحتهم وتورعنا استطاعوا التغلب علينا في كثير من المواجهات، ومما أعطاهم القوة وزاد الطين بلة عدة عوامل :
أولاً – تغلغل المخابرات الدولية وب،خاصة السعودية منها ضمن صفوف الثورة ومعرفة من يمكنهم شراءه ومن لا يشترى، وتم دعهم بالمال والسلاح ليتقووا علينا، حيث تبيّن لاحقًا ان هدفهم إجهاض الثورة أوإسقاطها – وكما هو معلوم – إذا أردت ان تسقط ثورة أغرقها بالمال!

ما أدى أيضًا إلى مسألة في غاية الخطورة ، تكمن في تبعية هذا الفصيل أو ذاك للدولة الداعمة فتغيرت بذلك أهداف الثورة..
الثاني – وهو شراء الولاءات من قبل المجلس الوطني لتثبيت شرعيتهم ،وبدأ تصوير المقاطع لاستجلاب الدعم ،وشيئًا فشيئًا صار الدعم لهم، وحسب قوة ومكانة الدولة الداعمة لعضو المجلس الوطني ،تحول العسكري تبعًا لتلك الدولة !
وأحسست بالخطر القادم، وبدء انحراف الثورة ، لذلك ذهبت إلى تركيا لمقابلة المجلس الوطني وتحذيرهم من سوء المآل ، وأنه يجب عليهم توحيد صندوق الدعم، وعدم التصوير، لأنهم سيحولون الثائر إلى مرتزق ،ولا زلت أذكر أني قلت يومها:كفانا تصويرًا صرنا فرجة، وإن بقيتم على هذا النهج فإنكم غدًا ستجدون كل ثائر تحت نجمة “كناية عن التفرق”!
الثالث – بدأت انشقاقات الضباط تزداد، مما شكل مستقبلاً مشكلة كبيرة لم تحل حتى الآن ،وبكل صراحة اقولها للتاريخ لم يستطع العسكري كسب المدني ،ولم يستطع المدني كسب العسكري ،لذلك كانت السمة العامة التنافر الشديد، وحسب رأيي كانت الأخطاء من العسكريين أكبر وبخاصة عند الضباط ذوي الرتب العالية وعلى سبيل المثال عن تلك الأخطاء:
أ- ظن العسكري أن انشقاقه كاف لنيله مرتبة الشرف، وما سيقدمه تفضلاً منه حيث ترك وظيفته والتحق بصفوف الثورة ،ولم يقبل ان يقتلة أهله.
ب- اعتقد العسكري أنه يجب أن يتسلم القيادة من أول يوم ينشق فيه ،وكثيرًا ماكنت أحذر الإخوة الضباط من هذه المسألة ،وأقول لهم عليكم بالصبر قليلا ،وإثبات وجودكم بأعمالكم والقائد الذي ذاق المرّ أشكالاً ،لن يسلمكم القيادة بهذه السهولة وهذا حقه لاعتبارات معينة.
چ- الإحساس بعدم الاحترام للرتبة والانشقاق.
د- نجاح القادة المدنيين بإدارة المعارك أكثر من الضباط عندما كانت المعركة تدور بأسلوب حرب العصابات ،لأنهم هم من أبدعوا بينما الضباط كانوا مدربين على حرب الجيوش، و للتاريخ أقول الكثير من الضباط ابدعوا حقيقة في المعارك بما لا تتم منافسته، وكلامي كله ليس بشكل عام بل بالسمة العامة
ط- انقطاع الراتب عن العسكري فجأة مما سبب له صدمه ،فله اهل وعيال بينما المدني كان قد أمن مصروف عائلته تدىيجيا
ظ- فشل وعدم قدرة قيادة الجيش الحر في إسناد المهام وتأطير العسكريين في جيش ثوري منظم وتكليفهم بمهام مناسبة ؛وتامين راتب يعيش منه مما جعل العسكريين عالة على الثورة، بينما بالأصل كان يجب أن يقودوا الثورة ويقدموا افضل أساليب الحرب لاسقاط النظام ،فكان الاحساس بالغبن واضحًا عند كل ضابط منشق ،وأدت تلك الأمور إلى إلى سلبية بحيث الصقوا تلك السلبيات على قادة الفصائل بالادعاء أنهم مهمشون، بل كانت المسألة أكبر من ذلك ،والأسباب أبعد وهنا أبدًا لا أنفي أخطاء كثيرة وقعت من قادة الفصائل تجاه الضباط تمسكًا بمناصبهم.
رابعا – بدأت تتصاعد ظاهرة تشكيل الجيوش ،وتحولت الكتائب بقدرة قادر إلى جيوش لا تملك من صفات الجيوش إلا الاسم ،مما أدى لتغيير أسلوب إدارة المعارك من حرب العصابات إلى حرب الجيوش والمواجهة ،مما زاد في خسائرنا البشرية لأن جيش النظام مهيء لمثل هذه الأنواع من الحروب ،ويملك الطائرات والدبابات والراجمات وبحرًا من الذخائر، بينما نحن لانملك إلا النزر وأجساد الابطال..
ومما لا يخفى على من له نظر في مثل هذه الحالة ،فإن حرب العصابات هي المجدية في الأداء وارباك العدو، وتشتيت قواه مما يسهل السيطرة على الأرض والمفاصل والحفاظ على أرواح أبطالنا بحيث كانت مجموعة من خمسة أو عشرة مقاتلين قادرين على أحداث ضرر بالعدو أكثر من لواء ؛فالعدو لا يعلم من أين يأتيه الضرب مما سبب بانهيار كبير جدًا في معنويات الجيش ،ولا أبالغ أبدًا إن قلت كان الجيش يولي هاربًا مذعورًا من صوت التكبير، وقد لا يكونون أكثر من عشرة كل سلاحهم كلاشنكوف وقليل جدا من الذخيرة.
خامسا- تشكيل المجالس العسكرية في اجتماع مدينة أنطاليا في تركيا ،وهذا التأسيس برأيي كان ثالثة الأثافي بحيث أخرج الثورة خارج الثورة، وسلمها للمجتمع الدولي أو بالأصح للدول الداعمة وصارت المجالس العسكرية في أحسن حالاتها كمستودع ورئيس الأركان عبارة عن أمين مستودع يوزع الأسلحة حسب قوائم معدة من الخارج وكان هذا هو المطلوب.
علمًا أن هذه المجالس لم تنتج أي شيء ثوري أوتحرر أرضًا أو على الأقل ان تقوم بعملية تنظيمية للكوادر الثورية هذا إن لم نقل إنها قامت بما يشبه الثورة المضادة في بعض الأحيان كإغلاق بعض الجبهات عندما يتم فتحها كجبهة اللاذقية مثلا لان قادة المجالس العسكرية كانوا تابعين للمجلس الوطني واعضاء المجلس الوطني تابعين لدول مختلفة
والأخطر من ذلك كله تم تقييد أيدي الثوار بتقييد قادة المجالس العسكرية .

والمعروف أنه من المفيد لإنجاح الثورة أن تكون قيادتها في معظم حالاتها قيادة غير معروفة لكي لا يتم تقييدها أو الهيمنة على قيادتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى