منوعات

على خطى المغرب.. تعالي الأصوات المطالبة برفع التجريم عن القنب في تونس

لا تزال الحملات المطالبة بإلغاء قانون تجريم المخدر المستخلص من القنب الهندي (الحشيش) أو (الزطلة) مستمرة في تونس ولاسيما بعد أن صدر في أواخر الشهر الماضي حكما اعتبر قاسيا للغاية بالسجن 30 عاما على عدة شباب بسبب تعاطيهم ذلك المخدر الخفيف.

ويأتي ذلك بعد أصدرت إحدى المحاكم في ولاية حكما بالسجن ثلاثين عاما على متعاطين للحشيش في إحدى المنشآت الرياضية العمومية، ما أثار الكثير من الغضب والجدل في الأوساط الحقوقية والمدافعة عن حقوق الإنسان في البلاد.

وكانت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان قد أدانت “الحكم الجائر”، وقال رئيس فرع الرابطة بالكاف نور خماسي لفرانس برس إنه “يجب تنقيح فصول قانون 52 وهذا الحكم غير معقول”، فيما اعتبرت مديرة المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية آمنة القلالي أن كل الأحكام في ملف استهلاك وحيازة المخدرات غير مقبولة، مضيفة أن عقوبات السجن “وسيلة لردع الشباب وليس للإصلاح والهدف من ذلك هو تدمير الروح المعنوية لديهم”.

وينص القانون 52 الذي صدر بداية تسعينات القرن الماضي على عقوبة إلزامية بالسجن مدتها سنة لكل من يدان بحيازة مخدر، وخمس سنوات لمن يعاود ذات الجريمة، وتصل الأحكام إلى حد 10 أعوام سجن لكل من يستغل أي مكان لتعاطي المخدرات أو ترويجها.

“من أسوأ القوانين عالميا”

وفي هذا السياق يرى الإعلامي والناشط الحقوقي التونسي، بدر السلام الطرابلسي أن القانون  52 المتعلق باستهلاك بالمخدرات يعد من “أسوأ القوانين في العالم التي وضعت لهذا الغرض، فتدخين سيجارة حشيش ممكن أن تكلف صاحبها سنة سجن و1000 دينار تونسي عقوبة مالية، كما يمكن أن تصل الأحكام السجن لـ30 سنة إذا تعلق الأمر بتدخين الحشيش في منشأة صحيّة أو رياضية”.

وأضاف في حديثه إلى موقع الحرة: “هي أحكام في الحقيقة أغرب من الخيال ولا يمكن أن تجد لها منطقا أو فقا تشريعيا عقلانيا يصادق عليها أو يدافع عنها إلا المنطق التشريعي الذي أصدر هذا القانون في زمن الدكتاتورية في عهد الرئيس المخلوع بن علي، مع العلم أنها لم تكن ممنوعة في السابق وتم تشريع هذا القانون في بداية التسعينات من القرن الماضي”.

ونوه الطرابلسي إلى أن مبادرات عدة طالبت بتعديل القانون، موضحا: “انقسمت المطالبات لمبادرتين كبيرتين تقريبا: الأولى يقودها الشباب الناشط من أجل إلغاء القوانين التي تمنع تدخين حشيشة الماريغوانا أو القنب الهندي وتقنين زراعتها وتجارتها ومبادرة ثانية تقدمت بها كتل برلمانية تطالب بإلغاء عقوبات السجن واستبدالها بعقوبات أخرى مثل العمل لفائدة المصلحة العامة”.

وتابع: “في كلتا الحالتين، المطلوب على المدى القصير هو مصادقة البرلمان على تغيير القانون 52  الذي تسبب في دمار مستقبل عشرات الآلاف من الشباب التونسي وإلغاء العقوبات المقيدة للحرية للمستهلكين والاستثمار في مراكز معالجة الإدمان والتوعية الصحية بدل الاستثمار في السجون والعقوبات السالبة للحريات”.

رفض للعقوبات المقيدة للحرية

وفي سياق متصل، أكد رئيس  حزب “حركة مشروع تونس”، محسن مرزوق  أنه يرفض بقوة العقوبة السجنية لمتعاطي الحشيش، قائلا في حساباته عبر مواقع التواصل: “أريد التأكيد من جديد على موقف عبرنا عنه أكثر من مرة. وهو رفض العقوبة السجنية والتعامل مع الموضوع من وجهة نظر اقتصادية وصحية مختلفة عن المقاربة الحالية علما انه كل القوانين الحالية لا تمنع استهلاكا واسعا ومئات ملايين الدينارات تتجول في أيادي المهربين عِوَض أن تكون تحت مراقبة الدولة. وهذا مخالف تماما للمنطق أحترم الرأي المخالف ولكن هذا رأيي وبكل وضوح”.

واعتبر المحلل السياسي، فرحات عثمان أن السجون التونسية أضحت مصانع الإدمان على المخدرات، متابعا في مقال تحليلي: “لقد تكلّمتُ عديد المرّات عن واقع السجون التعيس عندنا، وما يفرزه من عادات سيّئة مهينة للمساجين، وأيضا لهيبة بلاد تسعى لشرف دولة القانون، واجبها الأوّل فيها احترام منظومة حقوق الإنسان كاملة”.

وهاجم عثمان في مقال نشر على موقع “أنباء تونس” القانون 52 مؤكد أن أضراره تصل إلى حد إفساد العقول، موضحا: “فقد أصبح في مجتمعنا(قانون تجريم الحشيش) كالسرطان الذي بلغ حالة الانبثاث في الجسم والانتقال فيه بسرعة تغيّر مركز المرض من البدن إلى العقل، ومنه إلى العقلية، فمنها إلى التصرّفات”.

ولم يكتف عثمان بالدعوة إلى إلغاء ذلك القانون، بل طالب أيضا برد الاعتبار بأثر رجعي لمن جرت محاكمته على أساسه، قائلا في مقاله الطويل المنشور على موقع “أنباء تونس”: “لا مناص لإعادة حقوقهم إلى الأبرياء، لا فقط بإبطال تجريم الزطلة، بل وأيضا بإعادة الاعتبار إليهم، على الأقل معنويا من باب النزاهة والعدل”.

وزارد: “فالحكم، حتّى وإن صدر مع توقيف التنفيذ، مدوّن في سجل سوابقهم العدلية؛ وقد رأينا، بعد الثورة، من قام في وجه النظام وتعاطى الإرهاب، أيًّا كانت دوافعه، يتحصّل على ردّ الاعتبار، وكذلك على تعويضات مالية سخيّة باسم العدالة الانتقالية!”.

تفاعل حكومي

سبق أن تبنى الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مطلب تعديل قانون جرائم المخدرات، ليتم تقديم مشروع قانون جديد على أساس حق المستهلك في العلاج ورفع العقوبة بالسجن عنه، غير أنه بقي حبيس الأدراج، وقد سبق ذلك تعديل طفيف يتيح للقاضي تقدير فرض العقوبة من عدمها دون أن يتعرض للفقرات الخاصة بتعاطي المخدرات في الأماكن العامة والمصالح الحكومية والتي تجعل العقوبة تصل إلى عشرات السنين جراء تعاطي سيجارة حشيش واحدة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أكد رئيس الحكومة هشام المشيشي ضرورة تنقيح القانون 52 المتعلق بالمخدرات. واعتبر المشيشي في لقاء له جمعه بممثلين عن المجتمع المدني والجمعية التونسية للإدمان في 13 فبراير الجاري، أن الجانب الانتقامي في هذا القانون يطغى على الجانب  الزجري، متحدثا عن أهمية إعداد مبادرة تشريعية لتنقيح القانون 52. وشدد على أن الحديث عن تقنين استهلاك المخدرات لا يجب أن يكون من المحرمات وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار للجوانب الاجتماعية والقانونية والصحية.

الموقف الحكومي غير المعارض بشكل قاطع لتقنين زراعة القنب أو على الأقل رفع التجريم عن تعاطيه، يتزامن مع الإعلان الرسمي المغربي بنية الحكومة تقنين زراعة القنب في أماكن محددة لأغراض طبية، بشروط تضمن للدولة التحكم في هذه الزراعة ومراقبة التجارة في محاصيلها، مما قد يحرك المياه الراكدة بشأن المطالبات المماثلة في تونس. 

المصدر : الحرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى