مقالات

الأمم المتحدة والتهريج التحشيشي!

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

تهريج الأمم هيئة الأمم المتحدة وتحشيشها العلني والمفضوح ليس بالأمر الجدي بحال من الأحوال، وشاهدنا اليوم ليس الأشنع تهريجاً ولا الأشد تحشيشاً، ما هو إلا مشهد من مشاهد تترى منذ تأسيسها إلى هٰذا اليوم، وإذا كانت من قبل هٰذه المشاهد تبدو قليلة فلقلة المشكلات الكبرى التي يزدحم بها الواقع العالمي منذ اندلاع الثورة السورية. وأصرُّ علىٰ أنَّ الثورة السورية هي التي أخرجت الديدان كلها من تحت الأحذية وكشفت الأقنعة عن العالم أجمعه بكل ما بَيْنَ قطبيه.

ماذا حدث اليوم؟

قبل يومين تحيداً، أي في 19/2/ 2021م. أعلنت الهيئة العامة للأم المتحدة عن ترشيح النظام السوري لمنصب رفيع في لجنة حقوق الإنسان في الهيئة العامة للأم المتحدة. أي في الأمم المتحدة ذاتها، وليس الأمم المتحدة راديو لتنقل أخبار الآخرين !

كل من قرأ ذا الكلام سيظن أني أنا من يهرج وليس الأمم المتحدة، فهٰذا الكلام غير معقول بحال من الأحوال.

علىٰ رسلكم، الكلام قطعاً ليس كلامي، وقطعاً ليس من طبعي الافتراء ولا الاختلاق، هٰذا تقرير نشرته عشرات بل مئات المواقع الإلكترونية علىٰ مدار اليومين السابقين، ولذٰلك تجد تقارباً شديداً بينها في نقل الخبر والتعليق عليه، وليس هٰذا مشكلتنا علىٰ أي حال.

السؤال: أ يحتمل أن تكون كلها كاذبة؟

بلى، وقد شهدنا الكثير من كذبات تنتشر في مئات المواقع وهي كذب ولٰكنَّ الجميع يتعامل معها علىٰ أَنَّهَا حقيقة. سأفترض أَنَّهَا كلها كذب. فماذا تقول هيئة الأمم المتحدة ذاتها وهٰذه اللجنة الحقيقية ذاتها؟

في الحقيقة الكلُّ نقل الخبر عن موقع المنظمة الدولية «UN Watch» أي منظمة مراقبة الأمم المتحدة، وقد تحققت منه بنفسي. ويمكن لأيِّ واحدٍ أن يتحقَّق منه من خلال هٰذا الموقع الذي يمكن الوصول إليه من خلال الاسم السابق المذكور باللاتيني في هٰذه الفقرة.

علىٰ موقها قالت منظمة «UN Watch» الحقوقية المتخصصة في مراقبة أداء الأمم المتحدة: إنَّ الأمم المتحدة رشحت النظام السوري لمنصب رفيع في لجنة «إنهاء الاستعمار»()، والمكلفة كذٰلك بدعم حقوق الإنسان بما في ذٰلك مكافحة «استعباد الشعوب وقهرها واستغلالها».

المدير التنفيذي لمنظمة مراقبة قرارات الأمم المتحدة هيليل نوير قال في تغريدة علىٰ حسابه في التويتر «ليست مزحة، الأمم المتحدة تنتخب نظام الأسد المتهم بارتكاب إبادة جماعية في سوريا».

الخبر بحد ذاته صادم من جميع الجهات لا من جهة واحدة. بل فيه تهريج بلا حدود في كل الاتجاهات المتعاكسة. 

يكفي أن تنظر إلىٰ عنوان اللجنة أو اسمها ومهامها لتنابك موجات من الضحك الهسيري غير قادر علىٰ ضبط نفسك حَتَّىٰ ولو أيقظت الحي كلها بقهقهاتك العالية. اسم اللجنة لجنة إنهاء الاستعمار. سوريا التي توجد فيها جيوش أكثر من عشر دول بصيغة احتلال للأرض السورية ستكون عضواً في لجنة إنهاء الاستعمار!!!

كيف ذٰلك وكيف يمكن أن يستقيم مع المنطق بل مع أي منطق يمكن أن يستقيم؟

دعك من سيرة النظام السوري وبخاصَّة في السنوات العشر الأخيرة، لنعدها صفحة بيضاء مع عدم جواز ذٰلك تحت أي ظرف… ومع ذٰلك سنعدها بيضاء علىٰ أشد المضض. ولننظر في الموضوع من الزاوية المنطقية وحسب… المنطق المجرد ومنطق الواقع. المهمة بعنوانها الغريض هي: إنهاء الاستعمار. وبمهامها الفرعية: مكافحة استعباد الشعوب ومكافحة قهرها ومكافحة استغلالها. لا اعتراض علىٰ المهمة من جهة المبدأ، وأكرر سنفترض أن صفحة النظام السوري بيضاء ناصعة… وسنفترض أَنَّهُ مستقل ولا توجد أي جيوش أجنبية محتلة علىٰ أرضه… هل تريدون مرونة وتنازلات أكثر من ذٰلك؟

بعد ذٰلك كله، من الناحية المنطقية المحض نجدنا أمام هٰذا القرار أو الترشيح وكلاهما في الميزان سواء حَتَّىٰ ولو لم ينجح الترشيح. من هي سوريا اليوم في موازين المعادلات الدولية الراهنة لتقوم بهذه المهمة؟

هٰذا يدل علىٰ شيء أو أمر واحد هو أنَّ هيئة الأمم  المتحدة بكل فروعها والمنبثاقات عنها ليست إلا بهو تهريج وضحك علىٰ الذُّقون. الأمم المتحدة بكل هيئاتها ليست إلا بؤرة لتمرير المشاريع الخبيثة والضَّحك علىٰ الشُّعوب بمثل هٰذه اللجان والجمعيات لإقناعها بأنها فعلاَ مؤسسة دولية تشترك في إدارتها دول العالم كلها.

ليس هٰذا أول قرار من هٰذا الشكل والشأن في الأمم المتحدة، هي كذٰلك طيلة تاريخها، وهٰذا دأبها وهٰذا نظامها… هي مؤسسة شكلية لا قيمة لها ولا قيمة لجمعياتها ولا لمؤسساتها إلا في سياق واحد هو الذي يستهدف الإسلام والمسلمين ولا مبالغة في ذٰلك بحال من الأحوال. قد يأتي من يستعرض لي عشرات القرارات، سأستعرض له مئات القرارات، ولنضع قرارات الأمم المتحدة كلها في الميزان ولننظر إن كانت هٰذه المؤسسة تهدف إلىٰ شيء آخر غير محاربة الإسلام والمسلمين.

فإذا عدنا إلىٰ ترشيح النظام السوري ليكون عضواً في لجنة إنهاء الاستعمار ووضعناه في سياقه الزمني والظرفي وجدنا أنَّ المصيبة أكبر بمليون بل بمليار مرة مما كنا نتكلم فيه.

تخيلوا من جديد أن سلطة أو نظاماً استجلب المستعمرين إلىٰ وطنه استجلباً ويدفع له الأجور والتعويضات ليحتلوا وطنه يتم ترشيحه ليكون عضواً في جنة إنهاء الاستعمار. تهريج ما بعده تهريج وتحشيش ما بعده تحشيش.

والأدهى والأمر والتهريج المنقطع النظير أن تكون مهمة هٰذه اللجنة هي مكافحة استعباد الشعوب واستغلالها وقهرها. هنا يبلغ التهريج مداه الذي لا يمكن يكون بعده تهريج. النظام السوري ستكون مهمته في السنوات القادمة هي مكافحة قهر الشعوب، مكافحة استعباد الشعوب… اعطني شاعراً أو رساماً أو مبدعاً في أي نوع من ضروب الإبداع يمكن أن يصور لنا هٰذه اللوحة التهريجيبة.

اعصر علىٰ عقلك بصلة حدة وحاول تخيل هٰذا المشهد السريالي التهريجي التحشيشي.

هل يمكن أن تتخيل أَنَّهُ يمكن أن يكون أشد من ذٰلك صفعاً وجلداً للعقل والأخلاق والمنطق. قطعاً لا يمكن تخيل ذٰلك بحال من الأحوال. تعجز اللغات عن التعبير عن هٰذه المأسوية التهريجيبة. 

العجيب الذي يفوق هٰذا العجب كله، والتهريج الذي يفوق ما سبق كله أنَّ في الأمر ذاته مزيد من التهريج عما سبق. فالأمر لا ينتهي هنا.

لجنة مراقبة قرارات الأمم المتحدة السابقة الذكر ذاتها لم تستطع أن تتمالك نفسها من الدهشة اللامحدودة وهي تنقل القرار أو الترشيح فحَتَّىٰ الآن لم يصدر القرار. 

لقد انتبهت هٰذه اللجنة الدولية إلىٰ أنَّ هٰذا الترشيح قد جاء في اليوم ذاته «الذي اتهمت فيه لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة نظام الأسد بارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانيَّة وجرائم حرب وجرائم دوليَّة أُخْرَىٰ بما في ذٰلك الإبادة الجماعية». في هٰذا اليوم ذاته فإنَّ هٰذه المنظمة الدولية ذاتها أي الأمم المتحدة التي أدانت النظام السوري تلك الإدانات قد أعلنت أنَّ النظام السوري سيتم انتخابه لمنصب رفيع في لجنة تابعة لها!!!

والأدهى من ذٰلك وأمر أَنَّهُ ما زال في الأمر ذاته ما هو أشد صفاقة ووقاحة من أيِّ صفاقة ووقاحة وأشنع تهريجاً وتحشيشاً مما سبق كله… فالمرشح السوري بسام الصباغ ليس مرشحاً لعضوية هٰذه اللجنة وحسب بل مرشح ليكون مقرر الجمعية، يعني عضوية عادية أقل بكثير مما يليق بالنظام السوري… أقل بكثير مما يستحقه النظام السوري، الذي يليق به رئاسة الجمعية أو اللجنة، مقررها. فتخيل الآن.

هل تريد أشد من ذٰلك؟

حقيقة أمر أعجب من العجب، فما زال ما هو أعجب من مما سبق كله، الأعجب من ذٰلك أنَّ المندوب السوري المرشح لهٰذا المنصب غير قادر علىٰ الذهاب إلىٰ واشنطن، ولا أحد يدري متَىٰ يمكنه الذهاب إلىٰ واشنطن ! ولذٰلك قامت الأمم المتحدة بتأجيل انتخابه إلىٰ حزيران القادم.، كرم لم يبلغه حاتم الطائي ذاته الذي بالكاد تجد مثل كرمه بَيْنَ البشر قاطبة، وفي هٰذا الشأن قالت كيشا ماكغواير ممثلة دولة غرينادا لدى الأمم المتحدة: «ستتناول اللجنة الخاصة، في وقت لاحق، انتخاب المقرر الخاص للجنة، بعد وصول السفير بسام الصباغ إلىٰ نيويورك». وقال مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة: «إنَّ انتخاب السفير الصباغ سيأتي في حزيران المقبل… كنا نتمنَّى أن يكون بَيْنَنا اليوم، ولٰكن لأسباب خارجة عن إرادتنا، لم يتمكن من الانضمام إلينا، نشكر اللجنة على تأجيلها الانتخابات».

الجميع اعتبر ذٰلك تبرئة للنظام السوري وتلميعاً له وهلم جرًّا مما في هٰذا السياق من التعابير والاستنتاجات. هٰذا صحيح. وكثيرون، منهم لجنة الممراقبة ومديرها التنفيذي، اعتبروا ذٰلك إهانة «إهانة لملايين الضحايا في سوريا»، وهٰذا أيضاً صحيح، لا اعتراض عليه.

ولٰكنَّ الحقيقة أبعد من ذٰلك وأعمق غوراً. إنَّهَا إهانة لكل حر وشريف وصاحب حق علىٰ هٰذه الأرض… هٰذه هي الحقيقة. الأمم المتحدة لا ترى في السوريين شيئاً مهماً حَتَّىٰ تخاطبهم وحدهم هٰذا الخطاب. إنَّهَا تخاطب مختلف شعوب الأرض وخاصة المستهدفين من إنشاء الأم المتحدة أي المسلمين والإسلام، وتقول لهم: هٰذا نحن، ونحن هٰذا، وهٰذه رسالتنا، وهٰذه أهدافنا.

وينتصب السؤال المر من جديد:

من أنشأ الأمم المتحدة ولماذا؟

من غير  المقبول بحالٍ من الأحوال القبول بأن هيئة الأمم المتحدة هٰذه تدافع عن الشَّرعيَّة، أو تحمي أيَّ شرعيَّة غير ما يراه الكبار شرعيَّة، أو أَنَّهَا تسعى إلىٰ أي شرعية… إنَّهَا هي ذاتها غير شرعية، وكل ما فعلته عبر تاريخها ضدَّ الشرعيَّة… وإن وجد هٰذا القرار أو ذاك مما يمكن الزعم أَنَّهُ إحقاق حق فانظر إلىٰ هٰذا القرار ومكانه والمستفيدين منه.

كان من الواضح منذ البداية أن الأمم المتحدة أنشئت لتنظيم أدوار الكبار في قيادة العالم، وتحكم الكبار في العالم. ولٰكنَّ الأمر أبعد من ذٰلك غوراً… ثَمَّةَ الكثير من الأسرار والحقائق القاسية التي يجب أن نكشف عنها بالأدلة أو الاستنتاجات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى