مقالات

حلايب.. نزاع يطل برأسه مجددًا!

د. ياسر محجوب الحسين

صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

تفاجأت أوساط سودانية بالتوجيه الذي صدر من الإتحاد الأفريقي إلى مكاتبه وإداراته بإعتماد الخارطة التي دفعت بها مصر والتي تشتمل فيها حدودها الجنوبية على مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين الخرطوم والقاهرة. وقضى التوجيه الذي عمم الاثنين الماضي 15 فبراير بإعتماد تلك الخارطة في كل المشروعات والمراجع والدراسات التي يقوم بها الاتحاد الافريقي. ويعتبر هذا الاجراء ضربة دبلوماسية مصرية خطيرة لجهود السودان الساعية لاثبات تبعية المثلث لأراضية.
فكيف تم إصدار مثل هذا القرار واعتماده في منظمة كان للسودان فيها وجودا فاعلا؟. وله أصدقاء مؤثرين في هياكل وإدارات الاتحاد المختلفة؟ فعلى سبيل المثال التشادي موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي أعلى منصب سياسي بالاتحاد والرجل قضى سنوات من حياته في السودان وعمل وزيرا لخارجية بلاده ثم رئيسا للوزراء. ودعم السودان تولي فكي هذا المنصب الرفيع في مارس 2017، وقد أعاد القادة الأفارقة اختياره رئيسا للمفوضية خلال لدورة الـ34 لقمة قادة الاتحاد الأخيرة. لكن يبدو أن حكومة الخرطوم مشغولة في هذا الوقت بنفسها وأزماتها وصراعاتها الداخلية ولا تعير اهتماما أو انتباها لتمرير مثل هذا القرار الخطير الذي يمس قضية وطنية استراتيجية بمفهوم الأمن القومي.
ولعل هذا القرار لم يتخذ هكذا ضربة لازب وإنما جاء بعد سعي دبلوماسي مصري دؤوب داخل أروقة الاتحاد الأفريقي في غياب تام لحكومة الخرطوم الغارقة في فشلها السياسي والاقتصادي. ومن يتابع التحركات الدبلوماسية المصرية سواء عبر دبلوماسيتها الرسمية أو واجهاتها الأخرى مثل الامانة العامة للجامعة العربية يلاحظ أن الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط ووزير خارجية مصر الاسبق، التقى في بداية هذا الشهر موسى فكي بالقاهرة وأعرب عن تقديره للدور الذي يقوم به الإتحاد الأفريقي في القارة.
ليس من السهل أن تؤخذ دولة من الدول على حين غرة في أمر يخصها داخل منظمة دولية، إلا إذا كانت دبلوماسيتها نائمة في العسل. فالمنظمات الدولية مثل الاتحاد الافريقي تمارس اختصاصاتها وتحقيق اهدافها عبر إصدار قرارات هي في واقع الامر أداتها في التعبير عن ارادتها، وتمر القرارات بمراحل عديدة منها المبادرة والدعوة للبحث في مسالة ما لمناقشتها، وغالبا ما يتم ذلك إما من خلال اجهزة المنظمة نفسها، أو حكومات الدول. وجرت عادة يكون أول من يناقش هي الدولة التي اقترحت الموضوع. ثم تأتي مرحلة الصياغة وهي المرحلة تسبقها مرحلة مشاورات جانبية مع الاعضاء خارج نطاق المناقشات للتأكد من عدم تعارضها مع قوانينها المحلية. ثم مرحلة التصويت. وتسود اليوم قاعدة الاغلبية الموصوفة والبسيطة كأسلوب للتصويت، وتعد مرحلة التصويت مرحلة مهمة وحاسمة، لأنه لا يمكن ترتيب اثار القرار الدولي من دون التصويت عليه.
وحتى بعد القرار الافريقي ومرور أكثر من 72 ساعة عليه ظل الصمت الحكومي السوداني مخيما على الخرطوم، إلا من مطالبة خفيضة من المفوضية القومية للحدود السودانية للاتحاد الأفريقي، بإلغاء قراره فورا، معتبرة ذلك خارج اختصاصات الاتحاد، ومؤكدة في ذات الوقت على تبعية المناطق المتنازع عليها للسودان بالوثائق والأرقام. لكن أمرا جللا كهذا كان يستدعي رفضا قويا من أعلى مستويات السلطة في السودان إذ أن استجابة الاتحاد الافريقي لمفوضية الحدود السودانية لن تكون بذات القدر لو أن الجهات السيادية في الخرطوم قد تصدت بالقوة والسرعة الواجبتين.
لقد استند الاتحاد الأفريقي في قراره، على مذكرة اعتبرها السودانيون خاطئة ومضللة، قدمتها الدبلوماسية المصرية. في حين أن أرشيف وأضابير الاتحاد الأفريقي، تشتمل على خارطة حدود مصر عندما انضمت للاتحاد في العام 1964، وكذا خارطتها في العام 1963 عندما وقعت على إعلان القاهرة، ومن قبلها خارطة مصر، في العام 1945 عندما انضمت إلى منظمة الأمم المتحدة، وكلها لا تشمل مثلث حلايب محل النزاع مع السودان.
وتقول مفوضية الحدود السودانية أنه ليس من حق الاتحاد الأفريقي تعديل حدود السودان المقدمة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة 1952. ولا حتى الأمم المتحدة تمتلك حق تعديل حدود السودان مع مصر، التي أقرتها لجنة الانتخابات المنشأة من قبل الأمم المتحدة لتقرير مصير السودان من الاستعمار البريطاني المصري.
معروف أن النزاع المصري – السوداني على مثلث حلايب وشلاتين، ظل قائما منذ استقلال السودان، عام 1956، لكنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه. ويطل المثلث الغني بالثروات المعدنية على البحر الأحمر، على الحدود المصرية السودانية، بمساحة نحو 20.5 ألف كيلومتر مربع، ويضم ثلاث مناطق: حلايب، شلاتين وأبو رماد.
إن الخرطوم في نزاعها مع القاهرة تواجه اليوم تحديات جسيمة؛ فالقاهرة تمضي قدما على أرض الواقع في تمصير المثلث عبر منح الجنسية المصرية لسكانه وتنفيذ عددا من المشروعات التنموية. في ذات الوقت تقوم بمحاصرة الخرطوم دبلوماسيا مع مرور الوقت، فبالإضافة لقرار الاتحاد الإفريقي الأخير أبرمت القاهرة اتفاقا في ابريل 2016 مع الرياض تنازلت فيه للأخيرة عن جزيرتي تيران وصنافير وتضمن الاتفاق ترسيم الحدود البحرية بين البلدين ووقعت الرياض على خرائط الترسيم التي تعتبر مثلث حلايب أراضٍ مصرية.
والأمر الذي يكرس ضعف الموقف السوداني افتقاد الخرطوم فعليا لسيادتها على المثلث بسبب وجود الجيش المصري. بينما على الصعيد الدبلوماسي تكتفي الخرطوم بتجديد شكواه أمام مجلس الأمن الدولي بشأن المثلث سنويا. ولعل القاهرة وجدت في التوتر الحدودي بين السودان وأثيوبيا التي في ذات الوقت تعتبر دولة مقر للاتحاد الافريقي ولها تأثيرها عليه. فضلا عن مرور السودان بفترة انتقال سياسي هشة، ظرفا مواتيا لكسب نقاط دبلوماسية اضافية عبر قرار الاتحاد الافريقي الأخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى