مقالات

بابا الفاتيكان يلبس “درع الله” ضد الصين!

ممدوح الشيخ

كاتب مصري
عرض مقالات الكاتب

وصف البابا فرنسيس لأول مرة مسلمي أقلية الإيغور في الصين بأنهم “مضطهدون”، وصنفهم على هذا النحو في كتاب ينتظر صدوره الشهر القادم عنوانه: “دعونا نحلم: الطريق نحو مستقبل أفضل”. وقد تحدث البابا فرنسيس سابقًا عن مسلمي الروهينغا في ميانمار، وعن اليزيديين إلا أن هذه أول مرة يشير فيها إلى الإيغور. وبحسب تصريح للبابا بثه الإعلام على نحو واسع تحدث بوضوح عن معطيات مستقاة من الخارجية الأمريكية. والمنظمات الحقوقية الدولية المشغولة منذ سنوات بالقضية، لم تفلح في إقناعه بإعلان إدانته، إلا أن أمريكا فعلت؛ وقد يكون الأكثر أهمية لمنطقتنا العربية أن هذا النوع من الصراع يرحج أن يرتبط بممارسات ديبلوماسية أمريكية أكثر اهتمامًا بإظهار الاحترام للقيم أكثر من المصالح، وكذلك إظهار “التقدير” الرسمي للأديان، وهو ما يمكن أن ينعكس على السياسة الأمريكية في المنطقة العربية والموقف من الحريات الدينية والحريات العامة، وصولًا إلى التحالف الصريح (أو الضمني) مع القوى الدينية المعتدلة (بالمعايير الأمريكية)، ومثل هذه التحالفات العابرة للأطلسي غالبًا تكون تحالفات استراتيجية لا تتأثر كثيرًا بالهوية الحزبية للرئيس الأمريكي.

وإن تكن حركة التاريخ أكثر تعقيدًا مما تبدو في نظر من يفسرونه وفقًا لمقولة أنه : “يكرر نفسه”، فإن شبح ما حدث في “الحرب الباردة” يجعل كثيرين يتوقعون منذ سنوات أن العالم على أعتاب “حرب باردة جديدة”، والتعبير تكرر مرات في خطاب الرئيس الروسي بوتين منذ اندلع خلاف روسي/ غربي حول الدرع الصاروخية وتوسع حلف شمال الأطلسي شرقًا، وكان الاحتلال الروسي للقرم ترجمة “خشنة” للقناعة بأن الحرب الباردة الجديدة ليست وهمًا.
وتصريحات البابا تعيد للحياة حقبة من التحالف بين الولايات المتحدة والفاتيكان، حيث تواصل الرئيس ترومان مع الجماعات الدينية لمساعدة الغرب في الحرب الباردة. وكان ترومان يعتقد أن معركة الحرب الباردة أخلاقية واستراتيجية، وأن من الضروري حشد دعم الأديان المختلفة لهزيمة الشيوعية؛ وقد ألقى خطابًا في كلية كاثوليكية لإظهار رغبته في حشد دعم الكنيسة في مكافحة الشيوعية، وبذل جهودًا لإقامة علاقات رسمية بين الولايات المتحدة والفاتيكان. وفي هذه السنوات كتب ترومان عبارته الشهيرة: لكي ننجح يجب علينا “أن نلبس درع الله”، وفي مواجهة معارضة إنجيلية شرسة حاول بكل طاقته تمرير الاعتراف الرسمي بالفاتيكان، ونجاحات الحرب الباردة، وبخاصة في عهد الرئيس رونالد ريغان في الثمانينيات بُنيت على حجر الأساس الذي وضعه ترومان. وفي أكتوبر 1951 عين ترومان الجنرال مارك كلارك سفيرًا في الفاتيكان، مؤكداً أن الفاتيكان كان “منخرطًا بقوة في النضال ضد الشيوعية”، وقوبل الترشيح الرئيس شرسة من البروتستانت ومن أعضاء بمجلس الشيوخ، وكانت نسبة رسائل البريد التي وصلت البيت الأبيض تعترض على تعيين سفير في الفاتيكان أكثر من 6 أضعاف رسائل التأييد. وتخلى الرئيس على مضض عن الاعتراف بالفاتيكان!.
تصريح البابا فرانسيس بناءً على هذه الخلفية يبلغ الغاية في الأهمية؛ ومن وجوه أهمية التصريح أنه قد يكون مؤشرًا على استعادة دور تاريخي قام به الفاتيكان في مواجهة الشيوعية، وبخاصة في عهد يوحنا بولس الثاني الذي يصفه كثير من المتخصصين بأنه أحد أهم معاول هدم الاتحاد السوفيتي. وبعد سنوات من التردد الأمريكي الرسمي في تحديد أولوية مصدر الخطر على المصالح الأمريكية بين من يرون الصين الخطر الأكبر، ومن يرونه روسيا، يبدو أو الولايات المتحدة تخو بخطى حثيثة نحو مواجهة مع الصين، ومثل هذه المواجهة ستنطوي على حرب أفكار كبيرة، وفي قلب حرب الأفكار ستكون هناك منظومة قيم يتم تسويقها لمنح الصراع وجهه الإنساني والأخلاقي؛ والتحالف مع الفاتيكان ليس مرشحًا لأن يكون عارضًا، والرسائل التي ترسلها إدانة البابا تحمل رسالة “ضمنية” لحكومات عربية عديدة تتحالف مع الصين، وأخرى تتنهك حقوقًا أساسية على نحو لا يمكن تبريره أخلاقيًا، وهو متغير ليس من الحكمة أبدًا باعتباره هامشيًا، والرئيس هاري ترومان يؤكد أن الحكام الذين ينتهكون الحقوق والحريات بشكل وحشي يفعلون ذلك لأنهم “غير مؤمنين بالله”.
والصوت الذي يصدح من الفاتيكان إلى واشنطون سيكون له صدى في بلادنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى