ثقافة وأدب

حتى إذا بلغت الأربعين رواية رومانسية للكاتبة ليندا الشبلي

د. مصطفى عبد القادر

أديب وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

عن دار ابن رشيق في الأردن صدرت مؤخرًا رواية (حتى إذا بلغت الأربعين) للكاتبة السورية ليندا المهلهل الشبلي،والتي تقع في/221/صفحة من القطع المتوسط. تناولتُ الرواية وفي ذهني سقف محدد من حيث الطرح والبناء،لالعدم ثقتي بالروائيات الفراتيات قليلات العدد،بل لكوني لم يسبق لي أن اطلعت على أي نتاج لها،وبذا فأنا أجهل خلفيتها الثقافية لطالما (زعمت) بأني متابع لكل نتاج أدبي فراتي بالقدر الميسور. بعد أن أتممت قراءة الرواية تشكّلت لدي قناعة راسخة مفادها أن عدد الأديبات الفراتيات اللواتي نجهلهن،ولم تتح لهن فرصة الظهور والانتشار يفوق عدد الأديبات (المتسيدات)للمشهد الثقافي موهبة وتجذرًا!

(حتى إذا بلغت الأربعين)رواية اجتماعية رومانسية اتسمت بطرح لافت،بنيت بناء صلبًا نابعًا من مخزون سردي تراكمي غني ومتنوع؛لمست ذلك من خلال سيرورة شخوص الرواية،والرصف الأفقي الدرامي المفروش بهندسة معمارية فنية لم تغب عنها أدق التفاصيل التي أضفت على الرواية تراصًا عزز من تماسكها،وأجج لهفتي كقارىء للسير قدمًا بغية معرفة النهاية العقلانية التي انتهت إليها الرواية عبر قصة حبّ مشوقة حملت طابع(الدراماتيكية) مرة،و(الرومانسية) مرات.

(لمار) تلك الفتاة الحالمة التي احتضنت ذاكرتها طويلاً أول قبلة هوائية من ابن الجيران وهي مراهقة،وحين شبّت عرفت المعنى الحقيقي لخلجات القلب وخفقانه مع (قسورة) زميلها العراقي في جامعة دمشق،حيث أخلصت له أيما إخلاص قبل تخليها وابتعادها عنه لأنها وجدت فيه ضالتها شكلاً ومضمونًا، ص77(فالحب يرسم لنا ويبتدع فينا طقوسًا يجعلنا نرى من خلالها مالايراه من لم يحب). لقد عانت (لمار)صراعًا مريرًا بين العقل والعاطفة،بين الدوس على مشاعرها التي ملكتها لحبيبها(قسورة)،وتاليا تحطيم حلم حياتها بفأس لم تجبر على الإمساك بها بغية الزواج برجل يكبرها بسنين…كرمى لعيني أمها التي تردّت حالتها الصحية والمادية بعد وفاة زوجها،ولم تعد قادرة على إعالة أسرتها،وبين الاستجابة لنداءات القلب الصارخة والتشبث بحبها (لقسورة) ذلك الشاب الذي غادر بلده كرهًا لاطواعية بسبب الاستبداد السلطوي هناك. حسمت(لمار)أمرها بعد محاكمة عقلية لم تطل،واقترنت برجل لايشبهها في شيء(روحيًا،فكريًا، سنًا…)،وهي عالمة بجفاف ينابيع القواسم المشتركة بينهما ص 99( وكان أول وعيها بجريمتها تجاه نفسها عندما خلا بها…لم يحدثها عن نفسه،وعن وضعه،لم يناقشها بشيء،ولم يقل لها كلمة من كلمات الحب،وكان أول عهده بها أن مد يده إلى رقبتها وهو يقول -:ماهذا الحرير الرباني. وراح ينهش شفتيها،ونهديها بطريقة مبتذلة جدا).بعد الزفاف سافرت معه إلى السعودية مقر عمله لتكتمل فصول خيباتها وانكساراتها…هناك تعرفت إلى (مها) بنت بلدها المتطابقة معها في الآمال والأحلام،ومرارة الزواج الفاشل، فتصبح ملاذها،ومكمن بوح أسرارها،أما حبيبها(قسورة)غالبًا ماتستحضره في يقظتها ونومها بصورته البهية كلما خلت إلى نفسها،أو صدمت بتصرف يستوجب المقارنة، فالهروب بخيالها إلى (قسورة) ينتشلها بعض الوقت من رتابة حياتها الجافة الخالية من مشاعر الحب السامية التي أضحت تقتات على ذكراها ليمضي إيقاع حياتها بلا حس أو إحساس بعد أن ضحت بحبها تحت وطأة الحاجة،واتساع مساحة الجانب الإنساني لديها مااستدعى اللجوء لأولادها حيث أولتهم جلّ وقتها واهتمامها لأنها وجدت فيهم دفء الأب، وحنان الأم،وعطف الأخ، ومحبة الزوج رغم عدم تخليها عن ذكرياتها مع حبيبها الأول(قسورة)القابع في ردهات عقلها الباطن حتى بلوغها سن الأربعين؛وعليه نلحظ التالي:

1- شيّدت الساردة روايتها بإتقان حرفي غير خاف على القارىء الحصيف،حيث الحبكة الدرامية المشدودة التي أطلت برأسها منذ الثلث الأول للرواية…وصولاً إلى النهاية المعقولة والمقبولة عبر تراتبية جملة من الأحداث تقديمًا وتأخيرًا.

2- استطاعت الساردة أن تتكىء على لغة شعرية وامضة ،أضفت على الرواية سلاسة قرائية،ومتعة بلاغية حلقت بهما في سماء المعاني لاسيما في حالات الوجد والتأزم.

3- كم تمنينا أن تقنعنا الساردة أكثر بتخلي (لمار) عن (قسورة)، لقد قامت بوأد ذلك الحب بقرار فيه من الاستعجال،وعدم التمهيد مافيه،علمًا بأنّها اكتفت بمبررات بسيطة غاية البساطة،ولم ترنا ردود الأفعال النفسية والذاتية.

4- سير الرواية (الزمكاني) كان حاضرًا وواسعًا في مدن ثلاث(ديرالزور،دمشق،الرياض). أغنتها الساردة بما يتسق مع التحولات الاجتماعية،والفكرية لشخوصها شرحًا وتفصيلا،ماأشعرنا بأننا نتجول معها…نشاهد ماشاهدت،ونحب ماأحبت من خلال تعاطفنا مع بعض شخوصها وكراهيتنا للبعض الآخر 5- مايحسب للساردة إيغالها العميق في الجانب(الأيروتيكي)الذي أقنع القارىء بضرورته بعيدًا عن الإقحام التسويقي) كما يفعل عادة بعض الكتاب مؤكدة بذلك مدى أهمية هذا الجانب في كشف حيوات بعض شخوص الرواية ضمن بناء النص وسياقه الدرامي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى