حقوق وحريات

بعد القتل والتدمير والتهجير النظام ينتهج سياسة الدولار أولاً وآخراً

الباحث المحامي ياسر العمر

محامٍ وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

منذ عدة أيام ظهَرَ فيديو للعميد الياس بيطار ، الذي يشغل منصب – رئيس فرع البدل والاعفاء في مديرية التجنيد العامة التابعة للنظام السوري- صرح في هذا الفيديو بمعلومات ، تفيد بأنّ  الحجز التنفيذي يقع على ممتلكات المكلف سواء له أو لذويه أو لأحد آخر يخصّه  ( ولم يحدد من هو الآخر الذي يخص المكلف ، هل هو جَد المكلف او خاله او خالته او أولاد عمه  وعماته  أو جيرانه ، مثلما صرّح به  رئيسه سابقًا أمام مجلس” التصفيق السوري” ،عندما  نَعَتَ جميع أقارب الإرهابي – حسب وصفه -وجيرانه بالإرهابين مثله )  والذي تخلّف عن أداء الخدمة الإلزامية ، الذي تجاوز سن ال42 عامًا ، استيفاءً للغرامة المفروضة عليه ،  وفقًا لأحكام المادة  97 وتعديلاتها من قانون الخدمة الإلزامية  الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007 .

أثارت هذه التصريحات ، ضجة إعلامية ، مثلما حَدَثَ مع تصريحات مدير إدارة الهجرة والجوازات التابع للنظام السوري المدعو ناجي النمير والمتعلقة بإلزام كل من يدخل الى الأراضي السورية عبر المنافذ الحدودية النظامية بصرف مائة دولار بالسعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي تنفيذًا للتعليمات الواردة إليهم من وزير داخلية النظام السوري والتي تنص على إعادة كل من لا يملك هذا المبلغ من الدولار من حيث أتى؛ والتي ألغيت لاحقًا من رئاسة مجلس الوزراء ، بعدما لقيت سخرية من المؤيدين قَبْلَ المعارضين.

من واجبنا نحن كرجال قانون سوريين أن نوضح الوضع القانوني للمواطن السوري ، والرد على تصريحات العميد الياس وفقا للدستور والقوانين النافذة حاليا في سورية.

بالمرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007 صدر قانون خدمة العلم، ونصت المادة 97 منه على ما يلي: من يتجاوز عمره السن المحددة بالتكليف بالخدمة الالزامية ولم يؤدها لغير أسباب الإعفاء المنصوص عليها في هذا القانون يعوض مدنيا بدفع بدل فوات الخدمة وفقا لما يلي:

أ -الراتب المقطوع لرتبة ملازم متطوع لمدة خمسة وثلاثين شهرًا بالنسبة لحملة الشهادات الجامعية التي تزيد الدراسة فيها على أربع سنوات.

ب /1 -الراتب المقطوع لرتبة رقيب أول متطوع درجة أولى لمدة خمسة وثلاثين شهرًا بالنسبة للشهادات الجامعية التي تكون الدراسة فيها أربع سنوات.

2 – الراتب المقطوع لرتبة رقيب متطوع درجة أولى لمدة خمسة وثلاثين شهرًا بالنسبة لحملة شهادة معهد متوسط أو ثانوية عامة بكل أنواعها.

ج -الراتب المقطوع لرتبة جندي أول متطوع لمدة خمسة وثلاثين شهرا بالنسبة لباقي المكلفين.

د -يتم الدفع بالليرة السورية أو ما يعادلها بالدولار لمن كان مقيما خارج الجمهورية العربية السورية.

ه -يرقن قيده بعد الدفع. يحصل هذا التعويض وفقا لقانون جباية الأموال العامة…

بعد قيام الثورة السورية ووقوع النظام بالعجز الاقتصادي، ولا سيما في السنوات الأخيرة!   بدأ بالبحث عن مصادر تجلب له العملة الأجنبية (الدولارالامريكي).  ولم يجد أمامه سوى المواطنين (الطرف الضعيف لديه) ولا سيما المهاجرين او المهجرين إلى  خارج الأراضي السورية .   فقام برفع رسوم الحصول على جوازات السفر أو تجديدها أو الحصول على أية وثيقة يحتاجها المواطن السوري في الخارج من سفارته وقنصليته، والتي تُدفع بالدولار الأمريكي.  

لم يكتف بذلك، إنّما بحث في القوانين وموادها، ومنها – قانون الخدمة الإلزامية  – ولا سيما المادة 97 منه، والتي كانت تنصّ على : الدفع بالليرة السورية او ما يعادلها بالدولار لمن كان مقيمًا خارج سورية وفقاً لما ذُكر أعلاه .

فقام بإجراء التعديل الأول لتلك المادة بموجب المرسوم التشريعي رقم 33 لعام 2014، وحدد المبلغ لكل الفئات المشمولة بها بمبلغ – ثمانية آلاف دولار امريكي – أو ما يعادلها بالليرة السورية، وحسب نشرة الأسعار الرسمية الصادرة عن مصرف سورية المركزي بتاريخ الدفع. وحَدَدَ مهلة للدفع بثلاثة أشهر لمرة واحدة من تاريخ الموافقة على دفع البدل …. مع إلقاء الحجز (لم يحدد نوع الحجز) على أمواله والتنفيذ عليها وفق قانون جباية الأموال.  وفرض مبلغ – مائة دولار امريكي او ما يعادلها بالليرة السورية -عن كل سنة تأخير بالدفع بعد انتهاء سن التكليف.

وأمام عزوف المكلفين بالدفع، وعدم تزويد النظام بالدولار، أقدم على إجراء تعديل آخر على تلك المادة!  فأصدر القانون 35 لعام 2017، وعدل بموجبه نص المادة 97 من قانون خدمة العلم، بحيث جعل هذا المبلغ بمثابة تعويض مدني، ورفع مبلغ التعويض عن سنوات التأخير من (مائة دولار امريكي الى مائتي دولار)، وحدد نوع الحجز بحيث – يكون حجز احتياطي -على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمكلفين (فقط) بالدفع الذين امتنعوا عن تسديد فوات الخدمة ضمن المهلة المحددة.

وأمام هذا التعديل، لم يلاق الإقبال من المكلفين المعنيين بالمادة 97 لتسديد ما هو مستحق بذمتهم ، هذا الامر حرمه من هذا المصدر الذي قد يزوده كثيراً بالدولار الأمريكي، والذي هو بأمس الحاجة اليه!  بعد أن إزداد ضغط المجتمع الدولي عليه، ومطالبته النظام بتخفيف الإجرام بحق الشعب السوري. 

 فأقدم على إجراء تعديل آخر من خلال إصداره القانون رقم 39 لعام 2019، والذي  بموجبه عُدِلت المادة 97 وبُدِلَ – الحجز الاحتياطي بالحجز التنفيذي -على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمكلف بالدفع الممتنع عن تسديد بدل فوات الخدمة. 

ولم يكتف بهذا التعديل، وإنما قام بإجراء تعديل آخر بموجب المرسوم رقم 31 لعام 2020 – وبموجبه  يكون سعر الصرف للدولار الذي يجب ان يدفع (وفق السعر الذي يحدده مصرف سورية المركزي) بدلاً من عبارة (سعر الصرف الصادر عن مصرف سورية المركزي).

هذه باختصار لمحة عن القانون الناظم لعملية الدفع للمتخلفين عن أداء خدمة العلم الإلزامية دون عذر مشروع ،والذين تجاوزوا سن التكليف.

لنرجع إلى المسألة التي أثارها العميد الياس بيطار ، والتي بَيًنَ فيها، أن الحجز التنفيذي سيطال بعض أقارب المكلف.

 من خلال ما ذكرناه  أعلاه ،  لم نجد أي نص قانوني يدعم مزاعمه ، وإن قوله جاء مرسلاً غير مؤيد بدليل ، والحجز الذي عنته المادة 97 من قانون خدمة التجنيد الإلزامية  يطال المكلف فقط  ، ولا يمتد ليشمل أقاربًا له ، وإن ما صرح به  بعد كل هذه  التعديلات التي طرأت على المادة 97 إنما هو عملية مدروسة ، هدفها (بث الخوف لدى المكلفين وأقاربهم )، وليدفعهم الى التصرف بأموالهم تحت ضغط الخوف من الحجز التنفيذي ، ولا سيما أنه يعرف جيدًا أن غالبية المواطنين وفي السنوات الأخيرة لم تَعد ترْغب بسماع ومعرفة ما يصدره النظام من قوانين ، لاعتقادهم أن هذا النظام في مرحلة الزوال ، وأن كل  ما يصدره من قوانين ومراسيم ستذهب معه ، هذا الأمر جعلهم – أي المواطنين – لم يَعدْ يَعرِفون الوضع القانوني لكثير من المسائل اليومية، التي تحدث لهم، ومنها موضوع (الحجز التنفيذي على أموالهم لصلتهم بمكلف ما).

ونتساءل هنا: هل يقع – شمول الحجز على ذوي المكلف – تحت بند الجرائم الإنسانية التي نصت عليها اتفاقية جنيف لعام 1949؟ الإجابة تكون (بنعم)، فما سيفعله النظام بالاستيلاء على أموال مواطنين بذريعة تطبيقه القانون، إنما يدخل ضمن بند الجرائم المرتكبة ضد أشخاص مشمولين بالحماية من إتفاقية جنيف؛ ويقتضي بالمواطن المعني بهذا الحديث ، ألا يَقْدِم على التصرف بممتلكاته غير المنقولة، وبيعها بأسعار زهيدة لأشخاص قد تكون ورائهم أجندات مذهبية وطائفية. وإن أقدموا على ذلك سيفقدون حقهم باسترجاع تلك الممتلكات مستقبلاً، وهذا الأمر أكد عليه الناشط في حقوق الإنسان المحامي الأستاذ أنور البني في إحدى منشوراته.  

كما نتساءل: هل هذا الامر – أي الحجز على ممتلكات ذوي المكلف – يخالف الدستور السوري النافذ؟  والاجابة تكون: (نعم).   فقد نصت المادة 51/1 من الدستور السوري النافذ على ما يلي: العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بقانون.

ويتساءل البعض؟ هل يمكن أن تطبق المادة 97 على الأشخاص الذين تجاوزوا سن التكليف قبل صدور قانون خدمة التجنيد الإلزامية عام 2007 ولم يؤدوها؟   والجواب يكون (بلا).  فالمادة 52 من دستور عام 2012 نصت على ما يلي: لا تسري احكام القوانين الا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي ….

كما يتساءل البعض ويقول: كيف يكون الحال، طالما قانون خدمة التجنيد الإلزامي صدر عام 2007، والدستور الساري المفعول الان صادر عام 2012؟  والجواب يكون: كذلك الأمر مثلما هو وارد بدستور عام 2012، فقد نصت المادة 30 من دستور عام 1973 والذي كان ساري المفعول عند صدور قانون خدمة التجنيد الإلزامية بعام 2007 على ما يلي: لا تسري احكام القوانين إلّا على ما يقع من تاريخ العمل بها ولا يكون لها أثر رجعي. 

وهناك حالة يمكن أن يقع الحجز الاحتياطي فيها على ذوي المكلف المتخلف، وهي عندما يحاول المكلف تهريب أمواله على أسماء بعضًا من ذويه، وبعد نشوء سبب استحقاق التعويض، وعندما تثبت عملية التواطئ بين المكلف المتخلف عن أداء الخدمة الإلزامية  ومن آلت إليه الأموال غير المنقولة أكانت زوجاته أو أبنائه .  وهذا الأمر نظمته أحكام القوانين المدنية  ؛كما نوهت  عنه الأسباب الموجبة للقانون 39 لعام 2019 والذي عدلت بموجبه الفقرة / هـ / وجاء في هذه الأسباب : (وحيث إن إقرار الحجز الاحتياطي لتحصيل مبلغ ثابت ،ومحدد المقدار بموجب نص تشريعي يتعارض والفائدة التي شرع من أجلها الحجز الاحتياطي من أنه تدبير احترازي يلجأ إليه عندما يكون المبلغ محل نزاع أو غير ثابت كما أنه واجب الاتباع لتثبيت أصل الحق ،عملَا بأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية لذلك كان لابد من تعديل الفقرة /هـ/ من المادة /۹۷/ بحيث يتم تقرير الحجز التنفيذي على أموال المكلف الممتنع عن الدفع مباشرة عند إتمامه /43/ عامة دونما حاجة لإنذاره وإلقاء الحجز الاحتياطي على الأموال العائدة لزوجاته وأبنائه ريثما يتبين أن هذه الأموال لم تؤول إليهم من المكلف في حال كانت أموال المكلف غير كافية للتسديد.)

نخلص من كل ما بينا أعلاه، أن الحجز التنفيذي يطال المكلف المتخلف فقط، ولا يمتد إلى أحد غيره. وقد يقع الحجز الاحتياطي على أموال زوجات المكلف وأبنائه إن كان هناك أدلة تثبت أن المكلف قام بتهريب أمواله بعد نشوء سبب الالتزام  ويثبت التواطؤ بين الطرفين ، وهذا الأمر ينظر فيه القضاء المدني المختص، باعتبار أن الحجز الاحتياطي له أصوله وأحكامه، والقضاء المدني هو المختص بالبت به. أما من وقع عليه الحجز التنفيذي من ذوي المكلف، فبإمكانه التصدي لهذا الحجز المخالف للقانون، عن طريق القضاء المختص ليوقف تنفيذه ومن ثم رفعه، ونحن على ثقة أن منصات المحاكم السورية لم تخل من الشرفاء، ولا سيما في القضايا المدنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى