بحوث ودراسات

سورية : دراسة في التكوين المجتمعي والطائفية السياسية 4من 6

أحمد الهواس

رئيس التحرير

عرض مقالات الكاتب

ثالثاً – حافظ أسد وتكريس الطائفية السياسية :

رغم أن حافظ أسد كان ينتمي إلى حزب البعث العربي الاشتراكي القومي التوجه إلاّ أنه يعد من أهم من كرس الطائفية في الجيش قبل أن يصل إلى السلطة , فقد أثبتت الأحداث أنه يعمل بغريزته الطائفية , فقد عمل الأسد ورفقاؤه في اللجنة العسكرية, على علونة البعث , وعلونة السلطة , وقد بدأت عمليات تطييف الجيش والبعث منذ انقلاب 8 آذار 1963 , واشتد مع تسلم الأسد لوزارة الدفاع في عهد نور الدين الأتاسي 1966 – 1970 , وبلغت ذروتها بعد انقلاب الأسد , حيث بدأ بإزاحة السنة من الجيش , والسلطة , ويفجر أسوأ أحداث شهدتها سورية بين عامي 1978 – 1982(62).

ولعل المأزق الذي تعرض له بعد انقلابه في 16- 11- 1970 هو الانتماء للطائفة النصيرية , وكان يبحث عن حلّ جذري حتى لا يتعارض مع المادة الثالثة لدستور البلاد في أن يكون دين رئيس الجمهورية الإسلام , وقد سعى للحصول على فتاوى من شيوخ الشيعة في لبنان وإيران لاعتبار العلويين طائفة من الشيعة لوجود مادة في الدستور السوري – حاول الأسد حذفها لكنه لم يفلح – تنص على أن دين رئيس الدولة الإسلام، حيث أن أهل السنة والشيعة الإثنى عشرية لا يَعتبرون العلويين الذين ينتمي إليهم الأسد مسلمين ، وسرعان ما لجأ الأسد إلى رجل الدين الشيعي الإمام موسى الصدر، فأصدر له في تموز 1973، فتوى تقول بأن العلويين مسلمون، وهم طائفة من الشيعة(63).

واعتمد حافظ الأسد على الأسرة والطائفة لكي يثبت أركان حكمه فقد اعطى مناصب عسكرية ومدنية لأخوته , وانسبائه , قبل أن يبدأ فيما بعد بإعداد أولاده لتوريث الحكم , ويذكر باتريك سيل أن والد حافظ أسد تزوج مرتين وأنجب ما يزيد على أحد عشر من البنين والبنات ، وكان حافظ الابن الرابع من الزوجة الثانية ناعسة ، ولعل من عُرف بالحياة السياسية السورية من أشقاء حافظ  هما رفعت وجميل ، فرفعت الأسد وهو الشقيق الصغير لحافظ , كان موظفاً بسيطاً في الجمارك , وخدم عريفاً في الجيش , وبعد انقلاب 1963 سرحت دفعة كانت في الكلية العسكرية ، وجلبت دفعة بديلة على عجل معظمها من المعلمين من طوائف معينة ، وكان منهم رفعت أسـد وتخرجت هذه الدفعـة بعد سنة ونصف فقط وسميت بدورة البعث الأولى , وقد ترفع في الرتب , والامتيازات حتى أصبح نائباً لحافظ أسد , وقائداً لمليشا سرايا الدفاع , وقد ارتكب مجازر تدمر وجسر الشغور وحماة(64). حتى حاول الاستيلاء على السلطة إبان مرض حافظ أسد 1984 , وقد تمّ التفاهم معه بالخروج من سورية , مقابل مبلغ مالي , وتبرع معمر القذافي بالمال لحافظ أسد الذي أعطى قسماً منها لرفعت , والبقية وضعت في البنك المركزي السوري الذي كان وقتها في حالة إفلاس(65) , أما الشقيق الآخر جميل الأسد لا تختلف حياته عن رفعت إلا أنه فضلّ الوظائف المدنية , فقد حصل جميل الأسد على الشهادة الإعدادية من مدرسة بانياس وترك الدراسة وعمل موظفاً في الأمن العام براتب صغير في مركز الأمن العام في شركة نفط العراق في بانياس ثم دفع به حافظ أسد رئيساً لبلدية القرداحة , ثم عضواً في مجلس الشعب 1973 ,ثم أصبح عضواً في المؤتمر القومي الثاني عشر لمنظمة الحزب الحاكم حزب البعث العربي الاشتراكي , أسس جمعية المرتضى 1981 التي كانت تدعو للتشيع , ثم انتقل للتجارة غير المشروعة(66).

وقد دأب حافظ أسد على تمكين أخوته , وابنائهم , وأولاد أخواته , ولم يهمل أسرة آل مخلوف أشقاء زوجته أنيسة مخلوف وأطلق أيديهم في سورية , في وظائف عسكرية , ومدنية حساسة , وكذلك تهيئة أولاده , ولاسيما بعد خلافه مع رفعت الأسد , فبدأ بتهيئة ابنه البكر باسل – مات بحادث سير غامض في يناير 1994 – , ومن ثم بشار  الذي خلفه في الرئاسة بعد وفاته في 10-6-2000 , وقد وضع أبناءه في الجيش , بعد تخرج كل ولد منهم من الدراسة الجامعية .

وعمد حافظ أسد إلى جعل النسبة الأعلى في الجيش والأمن لأبناء الطائفة النصيرية , وجعل هاجس الوجود عند الطائفة بالتخويف من الأكثرية السنية , فقد أحاط حافظ أسد نفسه منذ الأيام الأولى لتوليه السلطة بعدد من الأقارب الذين بقى بعضهم معه في الحكم حتى وفاته، ويمكن ملاحظة تولي أقارب الرئيس وأصهاره وأبناء عشيرته من المتاورة في أعلى المناصب العسكرية وأهم الفعاليات الاقتصادية، وذلك في فرقة سرايا الدفاع التي أسسها عام 1971 وأسند قيادتها إلى شقيقه رفعت، والحرس الجمهوري الذي أسسه عام 1976، وأوكل إلى ابن عم زوجته أنيسة مخلوف قيادته ، والقوات الخاصة التي أسندت قيادتها إلى اللواء العلوي علي حيدر ، ومن بعده ابن عشيرته اللواء علي حبيب. وكذلك الفرق المدرعة الأولى والثالثة والرابعة التي أسندت قيادتها إلى مقربيه إبراهيم صافي، وشفيق فياض وحكمت إبراهيم تباعاً، إضافة إلى المناصب القيادية الأخرى التي أسندت إلى أقاربه مثل : اللواء علي أصلان رئيس الأركان ، واللواء علي صالح قائد قوات الدفاع الجوي ، واللواء عدنان بدر الحسن قائد الفرقة التاسعة ، واللواء محمد إبراهيم العلي قائد الجيش الشعبي ، وكان أغلبهم أعضاء في القيادة المركزية لحزب البعث(67). وحين ننظر إلى الجيش السوري نجد أن من كانت لهم مراكز متقدمة من السنة كوزير الدفاع مصطفى طلاس , وقائد سلاح الطيران ناجي جميل – حتى 1978 – لم يكن لهما من وزن حقيقي في الجيش , فكل مراكز القوى كانت بيد الضباط النصيرية, وتجد أن النسبة لصالح العلويين في الكليات العسكرية , أي في العمل العسكري المحترف ونسبة متدنية للسنة وبقية الطوائف , وهذا استمر مع حكم بشار الأسد وفي تقرير عن الجيش السوري يشمل 12 دورة أي من 1987 – 2009 كان الآتي : بلغ عدد الضباط الخريجين المشمولين بالبحث 2336 ضابطاً، منهم 1786 علوياً، وبنسبة 76.5 في المئة، و368 سنياً، بنسبة 15.5 في المئة، و182 ضابطاً من الأقليات الأخرى، بنسبة 8 في المئة, ويشكل هؤلاء الضباط وزملاؤهم الكتلة الرئيسة من الضباط الميدانيين والقياديين في الجيش السوري اليوم، إذ تتراوح أعمارهم بين 27 و 48 سنة، على اعتبار أن سن الالتحاق بالكليات العسكرية يبدأ من عمر 18 سنة. وهيمنة العلويين على هذا الجيش تزداد مع الترقي في الرتب، وعند تقلد المسؤوليات الحساسة، فهم يشكلون غالبية قادة أجهزة الأمن وعناصرها، ومعظم قيادات الأسلحة الاستراتيجية كالطيران والصواريخ، فيما يقلد السنّة وبعض أبناء الطوائف الأخرى مناصب شكلية لإعطاء انطباع صوري بتوزيع ما للسلطة، لكن أولئك السنّة في المناصب القيادية، ليست لهم أي صلاحيات تقريرية، ويوكل أمر اتخاذ القرارات فعلياً لمعاونيهم أو نوابهم من العلويين(68).

واتضحت العلاقة الطائفية بين إيران ونظام الأسد بعد الثورة الخمينية 10-2-1979, بوقوف حافظ أسد إلى جانب إيران في الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت 21-9-1980, وانتهت في 8-8- 1988 , متخطياً شعارات البعث القومية , وكان عليه أن يواصل الهيمنة العسكرية والأمنية والسياسية على لبنان، فضلاً عن تمكين الشيعة في لبنان حيث بدأ السفير الإيراني في دمشق وممثل الولي الفقيه في هذه المنطقة محمد حسن اختري إقامة دولة حزب الله داخل الدولة اللبنانية(69).

وكان حافظ أسد قد دخل إلى لبنان 1976 تحت غطاء عربي لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان , وإذ به يمد يد المساعدة للمسيحيين ضد الفلسطينيين , ومليشيات أمل الشيعية , ومن ثم يتعاون مع إيران في إنشاء حزب الله 1982 التابع للولي الفقيه في قم , وقد كان تأسيس حزب الله في لبنان إحدى تجليات فكرة تصدير الثورة التي جاء بها الخميني ويعد السفير الإيراني السابق لدى سورية، محمد حسن أختري الأب الميداني لحزب الله الذي أخذ الفكرة وليدة من الأب الروحي لحزب الله السفير الإيراني الأسبق لدى سورية، علي محتشمي، وحولها إلى حقيقة واقعة(70) وقد مكّن حافظ أسد لحزب الله في لبنان , وحوله لدولة داخل الدولة اللبنانية بذريعة مقاومة إسرائيل , وحق المقاومة بتحرير جنوب لبنان .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

62-   البعث الشيعي , مصدر سابق . ص 31.

63-   هيثم الكسواني ,الوجه الآخر , موسى الصدر , الأربعاء 30 أبريل 2014 , موقع الراصد : http://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=6627

64-   هؤلاء حكموا سورية , رفعت الأسد الموقع على الانترنت:  http://syrianleaders.com/persons/125/250/

65-   مصطفى طلاس , ثلاثة أشهر هزت دمشق , عرض د, عبد الله الدهامشة , رابطة أدباء الشام , الموقع على الانترنت : http://www.odabasham.net/show.php?sid=42883

66-   هؤلاء حكموا سورية : جميل الأسد مصدر سابق .

67-   د. بشير زين العابدين , التحدي الطائفي في سورية 17/2/1434 هـ بحث موقع المسلم , الموقع على الانترنت: http://www.almoslim.net/node/176276

68-   عبد الناصر العايد ,صحيفة الحياة , بنية جيش النظام السوري: ميليشيا الطائفة. بقيادة زعيم الطائفة , , الجمعة، ٢٦ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٤.

69-   صالح القلاب , صحيفة الشرق الأوسط , هكذا أُخرجت سوريا من إطارها العربي وأُلحقت بإيران! الخميـس 03 رجـب 1433 هـ 24 مايو 2012 العدد 12231.

70-   صحيفة الشرق الأوسط , السفير الإيراني السابق في دمشق: هكذا أنشأنا حزب الله , الأربعـاء 08 جمـادى الاولـى 1429 هـ 14 مايو 2008 العدد 10760.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى