منوعات

ثمار “البلطجة”

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

“البلطچي”؛ وهنا أقتبس من القواميس لفظة دارجة يعود أصلها إلى اللغة التركية،من مقطعين :”بلطة” و”چي” أي “حامل البلطة”،و”البلطة”اداة للقطع والذبح، وكان “البلطچي” أحد أصناف العمال في القصر السلطاني- انتهى الاقتباس.

ويقال إن “البلطچية” هي تسمية تطلق سابقاً على مجموعة من الجنود الذين يتقدمون الجيوش الراجلة لتمهد الطريق لهم، وتقوم بقطع الأشجار التي كانت تعيق مسيرة الجند، إلى جانب مجموعة أخرى يسمّون”اللغمچية” الذين يقومون بزرع الألغام. هناك الكثير من هذه الأسماء التركية التي دخلت في مفردات لغتنا الدارجة، مثل”عربنچي” سائق العربة، و”بقچجي” البستاني، و”قهوچي”.. وهكذا.
وفي عصرنا الحالي، بات “للبلطجة” معنى آخر مرتبط بكل ما هو فعل مذموم وشائن، وصفة للمجرم الذي يقوم بابتزاز الآخرين وإرغامهم على الإنصياع له، وسلبهم ونهبهم، من خلال أساليب الترهيب والتخويف، والتهديد والوعيد.
لقد كثرتداول مفردات “البلطجة” في بلدان ثورات الربيع العربي، واتخدت مسميات عدة لتوصيف مجاميع هؤلاء “البلطجية”:
في سوريا أطلق عليهم “الشبيحة”، وفي مصر “البلطجية” ،وفي لبنان “الزعران”،وفي العراق”ميليشيا الحشد”،و في اليمن”البلاطجة”،وفي السودان”الرباطة”، وهكذا تعددت الأسماء لمسمى واحد، والمعني بها العصابات والمجاميع الإرهابية التي أطلقتها الأنظمة الاستبدادية، لتستخدمها كأداة قذرة، لقمع الإنتفاضات السلمية التي عمّت العديد من البلدان العربية، وقد استطاعت هذه العصابات -مع كل أسف- أن تنجح في مهمتها القذرة، وكان لها دور بارز في قمع المتظاهرين السلميين والتنكيل بهم.!

وهناك نوع آخر من “البلطجة” هي الأشد ضرراً، والأكثر إيذاءً من بلطجة “المجموعات”،ألا وهي “البلطجة الدولية”،التي تجلّت في هذا الزمن الرديئ، حتى أنها تمارس جهاراً نهاراً بمسوغات ومبررات لا تقل قذارة عن دوافعها الحقيقية، والتي لجأت إليها دول عدة، منها ما تمارسه دول عظمى تحت مقولة الحفاظ على السلم الإقليمي، كما هو حال “أمريكا” و”روسيا” وعدد من دول الغرب في المنطقة العربية، حيث تعتمد في “بلطجتها” على دعم أنظمة الاستبداد من ناحية، وإذكاء نار الفتن والاحقاد بين دولها من ناحية أخرى، وصولاً إلى دفعهم للإقتتال فيما بينهم ومن ثم لجوئهم لها لعقد صفقات شراء الأسلحة، بل للإنصياع لإرادة هؤلاء وتسليمهم زمام أمور بلادهم، بمقدراتها وخيراتها-نظام المجرم بشار الأسد في سوريا خير دليل على البلطجة الروسية، وسياسة أمريكا في منطقة الخليج العربي خير دليل على البلطجة الأمريكية!

أمّا أردأ نوع من أنواع البلطجة وأكثرها حقارة، فهي”البلطجة الإيرانية” التي تقوم على ركائز مافيوية بكل معنى الكلمة- ميليشيات مسلحة إجرامية تعبث بأمن دول الجوار العربي تحت مسميات عدة، بدعوات أيديولوجية تقوم على تصدير الفتن والقلاقل، وإثارة الضغائن بين أبناء شعوبها، واستجلاب حوادث من التاريخ مؤطرة بشعارات طائفية”- يا لثارات الحسين” وما اشتُق منها من دعوات بغيضة، وآخر أسلحة البلطجة الإيرانية، تهديدها بسعيها لامتلاك السلاح النووي ،كي تثير الرعب في نفوس أبناءالمنطقة، ولتبتز دولها العربية، والتي لم تعد تمتلك من وسائل الدفاع عن نفسها، سوى باللجوء إلى الأمريكي للدفاع عنها، مقابل ما تمتلك من أرصدة وثروات، لم تحسن استخدامها، ولم تعمل على توظيفها في مشاريع تنمية قدراتها العسكرية ، للدفاع عن كياناتها !
هنا نرى كيف تلتقي مصالح “البلطجية”: بلطجي إيراني يهدد ويتوعد، وبلطجي أمريكي يحمي ويدافع، وكل شيئ بثمن، وبذلك تلتقي المصالح المشتركة “للبلاطجة” الإيرانيين والأمريكيين في الصحراء العربية التي لم تعد فيها حُرمة لا لخيمة، ولا لقصر منيف!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى