مقالات

خيط العنكبوت والغار ! من مذكرات ثائر سوري2

محمد حساني

ناشط ثوري
عرض مقالات الكاتب

ذات يوم من شهر آب 2012 قرع بابي ابني الساعه الخامسة صباحًا، طالبًا مني سرعة الخروج وأخبرني أن الجيش قادم ليجتاح صوران !
ركبت السياره على عجل، وركب معي أحد أبنائي ،وانطلقت مسرعًا باتجاه التمانعة، ولما وصلت حدود البلد تفاجأت بالجيش مما اضطرني للعودة إلى منتصف المسافة ،وأدخلت السيارة إلى بستان من الفستق الحلبي واختبات فيه.
بدأت أجري الاتصالات المهمه والتحذيرية ثم الاطمئنان، شاهدت دخول أرتال الجيش الطائفي التي لم يحشد مثلها على إسرائيل والقناصين الذين اعتلوا أسطح المزارع القريبة،لكني لاحظت أن الله أجرى على لساني منذ البداية آيتين من القرآن الكريم (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)
والثانية (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)
حوالي الساعة الثامنة صباحًا تلقيت نبا استشهاد ابني الذي أيقظني فما زدت على قول إنّا لله وإنّا إليه راجعون ،لكني اتصلت معه 74 مرة خلال ساعات لكنه لم يرد !!
حوالي الثامنة والنصف، انتبهت أن الجيش قد طوّق المزرعة وأيقنت أن الموت محقق، فالعدد كبير جدًا جدًا…
كان أول فعل قمت به أن دفنت الحقيبة بالتراب ،ففيها أسرار الثورة وأسماء بعض الضباط الذين عند النظام ،ويتعاونون معنا ،وأسماء معنا مازالوا على رأس عملهم ،وأرقام هواتف وغير ذلك
ثم التفت إلى ابني وبدأت تحضيره نفسيا كيلا يخاف من الموت وارغبه بالشهادة ثم مازحته قائلاً: بعد ساعة سنكون بالجنة وفي استقبلنا الحور العين وخليني اخلص من امك ومناقرتها ، ثم قلت له يا بني اسمعني لقد حوصرت المزرعة ونحن اليوم شهداء وسأطلب منك آخر طلب في حياتي
قال أعلم يا أبي ،وتفضل أأمرني..
قلت لا ، إلّا ان تعطيني موثقًا من الله أنك ستلبي طلبي!
فردّ لك عهد الله وميثاقه..
قلت له : أولًا لن نستسلم وسنقاوم حتى الشهادة؛ ثانيًا أريدك أن تقتلني إن أصبت..
قال مستغربًا : كيف اقتلك ؟! وانحدرت دمعتان من عينيه أحرق بهما قلبي، ومازلت أجد حرارتهما حتى الآن ..! قلت له يابني؛ أنت تعلم كل أسرار الثورة عندي ،فكم سيقتل بسببي أناس إن امسكوا بي حيًا؟!
هنا أخرج مخزن البارودة، وأخرج أربع طلقات ووضعها في جيبه ،فقد تنفد الذخيرة وهو غير منتبه..
بدأ الحصار والتضييق ،وانتشر الجيش كمجموعات بين الأشجار يبحث عني لأنهم قد وجدوا سيارتي وفيها اثباتات من صاحبها..
لساني أبدًا لم يتوقف عن قراءة الآيتين بشعور ودون شعور، وكنت أنا وابني نركض بينهم أحيانًا، ونزحف أحيانًا باتجاه الأبعد عنا ،وتفاجانا مرتين بمجموعتين لم يبق بيننا وبينهم سوى عشرة أمتار وينظرون إلينا ،ونحن مكشوفين تمامًا لكنهم لم يرونا…
تجلى هنا أمامي ،وبكل وضوح الغار والعنكبوت، وكأني أنظر إلى العنكبوت يبني شبكته…
بقينا على هذا ما يقارب ست ساعات تقطعت فيها أعناقنا من العطش..
زحفت باتجاه أحد المنازل واستطلعت واقع الحال ، فبدا أن الجيش بعيد قليلًا ،وطلبت من صاحب البيت “قنينة ماء “، وعندما أحضرها لي بدا الكلب ينبح مما استدعى أحد العساكر أن يركب دراجة نارية وسار تجاه الصوت !
تفاجاأا بالعسكري خلف الشاب ،ورآنا ونزل عن الدراجة ،وقال ارفع يديك، وإلا قتلتك ..ثم مالبث أن رشقني برشقة ،فإذا بابني يرشقه رشقة جاءت في صدره لكنه كان يلبس الدرع، تبادل هو وابني أربع رشقات ثم توقف عن إطلاق النار، هنا صحت بابني لنهرب باتجاه غير متوقع للعساكر أي باتجاه البلد
هنا أحسست أن رجلي الاثنتين قد أشعل فيهما نار، فنظرت لهما وأنا اركض فكنت أرى قطعا من اللحم تتطاير، وقطع تقشرت وتتحرك..
لم أعد استطيع الركض ،أو كان صعبًا جدًا جدًا، فإذا بقطعة من الأرض بطرف المزرعة زرعت بالشوندر السكري؛انبطحنا فيها على بعد أمتار من الطرف بين خطين، وحاولنا تغطية أنفسنا أيضًا،
كنت أسمع صوت الوحوش وتهديدهم وكلامهم البذيء ،والآليات العسكرية تدور وتدور، وما أن تقترب وأغمض عيني ،وأنطق بالشهادة حتى تلف وتذهب باتجاه آخر..
ازداد عطشي من النزيف بشكل لايصدق ،وبدأت الآلام تتصاعد حتى بات دماغي يغلي، وكنت اقاوم الغيبوبة بشكل عنيف..
في هذه الحالة مابين الخوف والعطش والألم هداني الله إلى قطف الأعشاب ،ومضغها لأخذ منها الماء هكذا ثلاث ساعات..
الآلام تتصاعد، وكأن قدمي قد وضعتا في فرن ولا أستطيع الحراك لئلا تراني الوحوش
بينما كنت أركض أمام قطعان المغول جاءتني عزة المسلم فناجيت ربي بكلمات مازلت أذكرها:
اللهم أنك تعلم ولا أعلم وتعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
اللهم انك تعلم أني ماخرجت في الثورة أشرًا ولا بطرًا ،وما أخرجني إلا دفاع عن دينك ومحاربة الظالمين ونصرة الحق..
اللهم إن كنت تعلم أني صادق فلا تجعل ميتتي على أيديهم، وإن كنت تعلم أني كاذب فلك الأمر من قبل ومن بعد…

بعد ما يقارب ثلاث ساعات، بدأت الأصوات تخف من حولي، وأحسست أن الجيش بدا بالانسحاب والأصوات تبتعد..


عندما أيقنت أن الجيش انسحب، أعدت تركيب بطارية الجوال غير أني على وضعي لم اجرؤ على رفع رأسي، ولا حتى مناداة ابني، فقد كنت أعتقد أنه تم قتله بجواري لأني سمعت إطلاق نار كثيف، ثم تجمع العساكر في مكان واحد فأعتقد انهم يقفون فوق جثته وبمجرد أن فتحت الجوال جاءني انصال ، فإذا ابن عمي يقول أنت حي !وصرخ صرخة مازلت أسمع دويها براسي حتى الآن ،ثم سألني أين أنت لقد رأيت سيارتك مع الجيش؟
قلت له أنا شمال صوران في مزرعة أبو عزت..
قال هل آتي لاحضرك ، قلت له نعم، ولكن ليس الآن ،فأنا مصاب ،وادع الله أن يصبّرني، فلا تأتي حتى تتأكد أنه لم يبق عسكري فلربما هناك دورية متخلفة تقتلني وتقتلك..
قال خيرًا سادقق..
ما أن فصل حتى اتصل ابن اختي، وقال أين أنت ياخال؟
قلت له شمال البلد ،أنا قادم فلا تأت الآن، وأنا أي الله يصبرني حتى تتأكد أنه لم يبق أحد من القطعان عندها اتصل بي .. فإذا بزوجتي الثانية تكلمني باكية أنت بخير؟ قلت نعم اسمعيني من أين تتكلمين قالت من البيت.. قلت لها من بجوارك ؟ قالت كل العائلة قلت لها اخرجي للخارج ،ولما خرجت، قلت لها أنا مصاب ،وعبدالله ابني قد استشهد فتصرفي لتمهيد الموضوع لأمه..
لم تمض دقيقة ،فإذا بالجوال يرن ، وصوت ابن اختي أين أنت ياخال أنا الآن في المنطقة، ولا يوجد أي عسكري…
هنا رفعت رأسي فرايته، وقلت له : انظر شمالك تراني..
صاح رأيتك ،وجاءني على دراجة نارية، فإذا بابني يخرج من تحت العشب حيًا
أوقف الدراجة وارتمى فوقي باكيا صارخًا سلامتك يا خالي من هالصواب
لكنه ارتمى فوق إصابتي وآلمني ألمًا شديدًا…
صاح بابني اركب الدراجة ،وحملني ووضعني خلفه ،وقال اذهب ياعبدالله للبيت “عالسريع” فقلت له وأنت؟ قال انا أدبر نفسي …
أخذني ابني إلى بيت اختي وحبوت على ركبي من الشارع حتى البيت..
لم تمض دقيقتين إلا وسمعت صراخ اختي وصل عنان السماء، فقد رأت وهي داخلة بعض القطع من اللحم على الأرض..
صرخت شقيقيتي باكية وهي تنظر إلى إصابتي “ يا خيي ليش هيك عملت بحالك انت زلمة كبير خرج هالشي ؟!”
رفعت ر،سي واستويت، وقلت لها :اسمعيني يا مجنونة والله الذي لا إله إلا هو لادعس على رأس بشار بهالرجلين…….

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      بارك الله بكم وجزاكم خير الجزاء
      ممكن اتعرف على جنابكم

  1. كتب الله لك السلامة لكي نتعرف بليث هصور مثلك ورحم الله شهيدك وغفر ذنبك وبإذن الله ستدوسهم بقدميك

اترك رداً على خليل العجيلي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى