مقالات

الأهلي وبايرن ميونخ.. ركلة حُرَّة

عزت النمر

كاتب ومحلل سياسي مهتم بقضايا مصر والأمة
عرض مقالات الكاتب

قبل أمس كنا على موعد مع مباراة كرة قدم لم تكن كأي مباراة، سبقها وصاحبها وتلاها زخم شديد ملأ الآفاق وطغى على التهابات الجائحة والسياسة والمال.

بطبيعة الحال لست من المشغولين بملاعب الكرة، وأكره بالضرورة استقطاباتها المذمومة، لكن شغلني من تداعيات مباراة الأهلي وبايرن ميونخ أنها بدت عالية النبرة والجرس مع أن نتيجتها كان طبيعية وربما رحيمة بواقع الحال!!.

كشفت المباراة– وعلى غير رغبتنا جميعاً – حجم الفوارق الكبرى بين واقع الكرة في أوروبا وألمانيا بالتحديد، وبين ما يسمونه عندنا كرة، إذ العبرة عندنا في “الأسماء” لا المسميات!!.

الجميع تماهى مع الحماسة والانتماء وانتظر فلاحاً -على الأقل- في الأداء وليس النتيجة، فجاءت المباراة لتكشف أننا في مكان وأن القوم في مكان آخر.

أظهرت المباراة أن بطولاتنا ليست إلا نتاج بطولات محلية عقيمة أو قارية مفرغة من المحترفين الكبار، ويبدو كذلك أننا نجيد صنع بطولات من وهم، حتى إذا صدقناها واُختبرت في ميدان الجد تبين أنها شامخة فقط في الحوار والحَكي، لكن عند التنافس على أرضية الميدان أثبتت أننا دون مستوى المنافسة أو الفوز.

انها لحظة الحقيقة ينبغي أن نستلهمها وندرسها لا لنكرس حالة الانكسار واليأس، لكن لنُذَكِّر أنفسنا بحقيقة مفادها أن الواقع الرياضي أو الاقتصادي أو الفني أو أي المجالات، لا ينفك أبداً عن المشهد العام للوطن سياسة وثقافة وفكراً وعلماً.

مشاهد وحقائق كثيرة صدح بها الحدث لتذكرنا بما نتجاوزه كثيراً، ربما من باب التجاهل أو حتى كنوع من الجهل الفعلي اللذيذ المريح.

الملاحظة الأهم في مباراة الأهلي وبايرن ميونخ وهي أنها جاءت كاشفة بصدق لمدى الحضور والاهتمام بل وحجم الانتماء الرياضي لدى الشعب المصري، في الوقت الذي تفتقده السياسة وربما الوطن والأمة وهمومهما.

الأمر لا يقف عند حد الانتماء والاهتمام فحسب، بل تعدى ذلك الى مسألة المدافعة والحماسة والأمل، في حين أن هموم الوطن ونوائب الأمة لا تحظى بشيء من ذلك مما قل منه أو كثر.

يمكن في إيجاز أن نقول إن الفاعلية في الشعب المصري تجاه الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، تعلن وبمنتهى الوضوح أن حزب مشجعي الكرة بمختلف الوانهم هم الحزب الأكبر في مصر، وأنهم يمثلوا نسبة لا يستهان بها في الشعب المصري؛ شبابه وشيبه على السواء.

 حقيقة أشهد بها؛ أن جماهير الكرة في مصر تمثل نقاء وطُهر ونُبل الشعب المصري، وأنه لو وُجِد في أحزاب السياسة من يملك مثل هذه الجماهير حجماً وانتماءً و”إخلاصاً”، لتغير حال السياسة وانصلح حال مصر الشعب والوطن.

أسعدني من غير شك حجم الأمل والطموح الذي تَمَلَّك جماهير الأهلي وكثير من جماهير الشعب المصري الحالم، وهم في مقابل أحد أفضل أندية العالم، هذه الأمل والطموح الحالم هو أحد أسباب النجاح والانجاز، ورغم أنه وحده لا يكفي، لكنه هو ما تملكه الجماهير وقد وفت به.

من دروس المباراة الكاشفة والواضحة أن واقعنا الرياضي بائس ويلزم تغييره ومعالجته، بيد أن هذا التغيير لن يكون إلا بتغيير واقعنا الفكري والثقافي، والأهم والأولى؛ واقعنا السياسي.

علينا جميعاً أن نعتبر أن أولى خطوات التغيير العام؛ أن تنخرط هذه الجماهير النبيلة في العمل السياسي انتماء واخلاصاً وحماسة وأملاً، بمثل ما انخرطت في الرياضة والكرة، هذه الجماهير العاشقة للرياضة ينبغي أن تعلم أن نكبات الملاعب ليست بعيدة عن جنرالات السياسة وسدنة الاستبداد وقطط الفساد السمان.

على الجماهير كذلك أن تعلم أنه ليس من حق أحد – كائنا من كان- أن يخرجها من ملعب السياسة، أو أن يفرض عليها أن تكتفي بالانتماء والحماسة فقط في الرياضة واستقطاباتها، في الوقت الذي يحتاج فيها الوطن أن يتحرر من الفساد والاستبداد حتى ينافس في السياسة والاقتصاد والحرية والكرامة كما ينافس في الرياضة المظلومة مع الاستبداد كغيرها.

من المشاهد التي أقرتها المباراة وأكدت عليها أن هناك استقطاباً حاداً يملأ المشهد المصري ويكسر لُحْمَة المصريين، أخطر من الاستقطاب المسموح به والمقبول في مدرجات الكرة، علينا جميعاً أن نقاوم هذا الاستقطاب حتى يصبح سقفه الذي لا يتعداه؛ الولاء للوطن وأخوة المصريين والروح الرياضية للعبة.

كل التحذير للمصريين جميعاً من أن هناك مَنْ يستثمر في هذا الاستقطاب ويستفيد منه في تفريق الأمة وإشغال الرصيد الفتي في الشعب وتمزيق لحمته؛ خدمة للفساد السياسي وإطالة لزمن الاستبداد والقهر.

أقسم على شبابنا الرياضي وهم أنبل من أنجبت مصر وهم أمل الوطن اليوم وغداً، أن يوالوا فريقهم أياً كان لونه وأن يتحمسوا له، لكن أن يكون نصيب الفريق من الولاء والانتماء والحماسة والبذل جزء من الولاء الأكبر للوطن، وألا يسمحوا لأحد أن يخرجهم من المعادلة، فالوطن أعلى وأجل.

لا ينبغي أبدً أن يظل لون فانلة أو شعار فريق هما قضية الشباب طالما كان العَلَم المصري مهان والوطن نفسه في مهب الريح.

الهوان وفقد الكرامة وضياع الأمل والانكسار يعيشهم الوطن في كل لحظة، وكلها صنو السقوط في الرياضة والانكسار فيها، وجميعها تجلب النكسات والنكبات طالما ظل يحكمنا الخونة والسفهاء والحمقى والعملاء.

أي تبرير يمكن أن يقنعك بالفصل بين الرياضة والسياسة حينما يكون مُلِهم الشباب؛ الأهلاوي الخلوق محمد أبو تريكة؛ مصنف إرهابياً وممنوع من دخول الوطن، في الوقت الذي يدير دفة الرياضة في مصر أمثال فاروق جعفر ومجدي عبد الغني ومن قبل مرتضى منصور.

مَنْ الذي رضي عن هؤلاء وجَرَّم أبوتريكة؟!.

هل يعقل أن تنتصر الرياضة أو تفوز أو تجلب لنا السعادة أو الفوز، وفي بلادنا ساسة وحكام يرجمون القديسين والأطهار، ويرفعون كل تافه سيء السلوك منكور التاريخ؟!.

مَنْ المسؤول عن ذبح شهداء الاولتراس في بورسعيد وأخوتهم في ملعب الدفاع المدني، ولماذا لم يُقتَص لدمائهم إلى الآن؟!.

إن الفصل بين الرياضة والسياسة لا يليق بحيوية الشباب الوطني الحر، ولا يمكن بحال أن يختاره هؤلاء ولو من باب راحة البال.

أعتقد أن واجب الوقت الآن إعادة تصحيح بوصلة الوطن، وإلا فسنجني الخسار في كل ميدان وسنبكي كل يوم بسقوط جديد وستملأ دماء شبابنا المدرجات وستكون الملاعب والأندية قبور لهم، طالما ظل حكم العسكر القتلة للسياسة والرياضة على السواء.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى