منوعات

العمالة الأجنبية وأثرها على القطاع الخاص العراقي

المحامي محمد نادر العاني

باحث في مجال حقوق الإنسان
عرض مقالات الكاتب

تتجه الموازنات العراقية الأخيرة إلى سلك طرق لإيجاد حلول لمسألة البطالة لدى قطاعات الشباب العراقي مع الاستمرار في تدفق غير مدروس لعشرات الآلاف من الخريجين سنوياً ؛وسط حالة من الفوضى العارمة التي يشهدها العراق ، وما نراه من استقطابات عملية للتوجه نحو النظام الرأسمالي وتخفيف الدعم الحكومي لبقية القطاعات، فإن تفعيل الشركات الخاصة لتنشيط القطاع الخاص يكون أولى أولوياته معالجة مشكلة البطالة، حيث بقاء هذا الملف من غير ترميم يقود البلد البلد نحو خطورة سياسية ومجتمعية واقتصادية ، ويجعل من الشاب العاطل “قنابل” جاهزة للانفجار، ومادة سهلة للمتربصين من عصابات ومهربين وإرهاب وقطاع طرق .
ولكن رغم خطور هذا الأمر،هنالك مشكلة كبرى دخلت على هذا الخط، والتي ممكن أن تكون مقوضة لكل اتجاهات إصلاحية لتنشيط القطاع الخاص والقضاء على البطالة ؛وهذه المشكلة هي ( العمالة الأجنبية) حيث نجد هنالك موجات كبرى تدفق بشكل شهري وسنوي من العمالة الأجنبية ،وخصوصاً الآسيوية والإفريقية وبعض الدول العربية، ناهيك عن استمرار العراق بتسديد التزاماته التقاعدية نحو كثير من العمالة العربية التي كانت شاغلة ابان فترة السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم ؛ وهذا يجعلنا أمام فوهة بركان خطيرة تضر بخطوات الانتقال إلى الاقتصاد السليم .
فالتقارير تشير إلى نمو هذا الملف الخطير بشكل متفاقم في السنوات الاخيرة؛ فمع استقرار 100 ألف عائلة عربية قبل سقوط النظام ،ولا سيما من المصريين والسودانيين الذين مازال حضورهم واضحاً في بعض الأماكن وسط العاصمة بغداد.
وقد رفدت السنوات الأخيرة سوق العمل العراقية جنسيات مختلفة معظمها غير عربية ، حيث امتلأت المراكز التجارية والمطاعم ومؤسسات القطاع الخاص والمحلات في المناطق السكنية بعاملين أغلبهم من دولة بنغلادش ، وهنود وسرلانكيين وأعدادهم تتزايد باستمرار بسبب إقبال أرباب العمل على التعاقد معهم لبساطتهم والتزامهم وانضباطهم الشديد .
بينما التقارير تشير إلى ارتفاع مخيف نسب البطالة العراقية ، حيث أن تداعيات الحروب ، وتفاقم أعداد النازحين ، والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين من خلال سوء ادارة النظان الاقتصادي وتراكم الديون واتباع النظام الريعي ، وعدم قدرة الحكومة على استيعاب المزيد من الشباب في وظائفها ، وهو ما يجعل قدوم عمالة أجنبية يؤثر سلباً على سوق العمل المحلية والقطاع الخاص .
وبالتقارير الرسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية سجلت خلال عامي 2017 و2018 وجود أكثر من 100 ألف عامل أجنبي دخلوا ساحة العمل العراقية بشكل غير قانوني، مقابل 13 ألف عامل عراقي إزاء ذلك، ارتفع عدد العاطلين من العمل في العراق، فوصلت نسبتهم، وفق الجهاز المركزي للإحصاء، خلال عام 2018 إلى 22.6 في المئة، فيما أعلن صندوق النقد الدولي أن نسبة العاطلين من العمل في العراق تزيد على 40 في المئة ، بينما أعلن وزير العمل يوم أمس أن 600 ألف عامل أجنبي في العراق كان قد دخلوا البلاد بدون تصاريح رسمية ،وهذا بحد ذاته يمثل كارثة تحدق بأفشال نمو القطاع الخاص.
وحتى وأن كان دخول العمالة بشكل قانوني ، حيث سيعاني العراق من مشكلة مزدوجة تتعلق بالعمل والبطالة ، فهو يشهد استقداماً كبيراً للأيدي العاملة الأجنبية بالتزامن مع ارتفاع ملحوظ في معدلات البطالة، لتتمثل المعاناة بعشوائية استخدام تلك القوى العاملة من دون أي تصور لآثارها السلبية على السوق وحركة العمل، التي تشهد ركوداً ملحوظاً في قطاعات العمل الإنتاجية، خصوصاً الصناعية والتجارية.

وأن لهذه الظاهرة ليست مولودة من الصدفة بل هنالك أسباب عديدة منها:

١. ضعف إنتاجية العامل العراقي وما يلزمه من ملحقات مالية وقانونية، منها الضمان الصحي وتعويضات العمل، دعت كثيراً من الشركات والمعامل إلى الاستعانة بالعمالة الأجنبية، فقد أوضحت عدة تقارير مهنية إن نسبة تفوق العامل الأجنبي إلى العامل المحلي تقارب با 30% .

٢. ارتفاع نسب فساد الاحزاب السياسية ،حيث يعود أغلب الشركات الخاصة العراقية إلى الأحزاب السياسية ،ولغرض تحقيق الربح المادي تستعين بالعامل الأجنبي وتسهل استقطاب العمالة الأجنبية خارج الضوابط الرسمية.

٣. إنتشار مكاتب الترخيص في ادخال العاملين الأجانب وأغلب هذه المكاتب هي مكاتب موهومة تستعين بالرشى وفساد بعض المسؤولين لتسهيل ادخال العاملين بصورة غير قانونية.

٤. مشكلة قانونية تساعد من خلالها على تسهيل دخول الأجانب للعمل ومزاحمة العراقي ،ومنها استخدام سمة الخدمة بما نصت عليها المادة 7 / ك/ من قانون إفامة الأجانب رقم 76 لسنة 2017 والتي نصّت (( سمة الخدمة : تمنح للأشخاص الذين يحملون جوازات سفر خدمة على وفق تعليمات يصدرها وزير الخارجية بالتنسيق مع وزير الداخلية أو من يخوله)).

٥. سوء تفاوض الجانب العراقي في الاستثمارات الأجنبية ،حيث دائماً ماتكون هذه الشركات فارضة شروط مركزة لحمل عاملين ومستشارين وإدارين أجانب .

٦. تدني اجور العاملين الأجانب حيث ان العامل الأجنبي يعمل اكثر من العراقي ويعمل ليلا ونهارا وبدون اجازة ويعمل ساعات طويلة مقابل اجر العامل العراقي.

وغيرها الكثير من الأسباب التي تساهم في تفافم هذه المشكلة، وما لها من تأثير على القطاع الخاص ، فالحكومة مسؤولة عن إيجاد حلول لازمة لإيقاف تدفق هذه العمالة ،وتخفيض نسب البطالة في القطاع العمالي العراقي ويجب عليها اتخاذ عدة سبل في ذلك منها :

أ. تعديل القوانين والقرارات اللازمة التي تسمح بتدفق العمال عن طريق تشديد الشروط والراقبة على الدخول الغير شرعي.

ب. وضع شروط مقيدة على الشركات المؤسسة الخاصة ،والمشاريع الأجنبية النافذة أن تكون نسب العاملين لديها من العراقيين أن لاتقل عن ٨٠%.

ج. متابعة الإجراءات القانونية اللازمة بحق مكاتب التشغيل التي تسام في منح تصاريح غير رسمية للعاملين الأجانب.

د. من حسن الحظ أن ارتفاع سعر الدولار سيساهم بي تقليل التدفق الى العراق ،وذلك أن أجور العاملين الأجانب هي بالدولار الامريكي، ممايضعف رغبة العامل التوجه إلى العراق لغرض العمل.

ز. ايقاف الدراسات والكليات الأهلية غير الرصينة ،واتباع نظام تعليمي مشدد حتى لايكون تخريج مئات الآف من الدفعات لا هم لها إلا التعيين الحكومي ، وخلق الحوافز للمناطق والقطاعات التي عانت التمييز والعمل على تنمية الموارد البشرية، ورفع كفاءة العاملين عبر الارتقاء بالنظام التعليمي ،ووضع برامج لإعادة التأهيل والتدريب المستمرة ،وإشاعة استخدام التقنيات الحديثة، وتشجيع البحث العلمي والابتكار وتخصيص الموارد المالية اللازمة لذلك ،مع ضرورة توظيف العوائد النفطية لأغراض الاستثمار والتنمية .

ر. المحافظة على دور النقابات العمالية لضمان حقوق العمال العراقيين مع وضع ضوابط لتنظيم عمل العمال الأجانب في العراق ،ومراقبتها وإلزام أرباب العمل بعدم تشغيل العمال الأجانب إلا بعد استكمال اوراقهم الرسمية الخاصة بالإقامة وإجازة العمل داخل العراق ،وكذلك ضرورة تحديد ساعات عملهم وأيام العطل وضمان حقوقهم .

فتنشيط القطاع الخاص يحتاج إلى خاصية تدعيم القضاء على البطالة ،وإلا سوف تعتبر جميع الاتجاهات نحو إصلاحه فاشلة، ولايتم القضاء على البطالة حالياً إلا بإجاد حلول جوهرية لمسألة تدفق العمالة الأجنبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى