دين ودنيا

ندوة مركز “محكمات” عن (الخطاب الشرعيّ المسوغ للتطبيع المظاهر والمخاطر)

خاص – رسالة بوست

بالأمس” السبت 6-2- 2021 ” في تمام الثامنة والنصف بتوقيت اسطنبول عقدت على برنامج الزوم ندوة ثقافية شرعية سياسية موسعة، حضرها ما يزيد على خمسين شخصا، وشارك فيها العديد من الرموز الشرعية والسياسية، على رأسهم الدكتور عطية عدلان مدير المركز والدكتور حاكم المطيري الأمين العام لمؤتمر الأمة، والدكتور طارق الزمر مدير مركز حريات، وغيرهم، وقد دار الحوار حول ورقة مقدمة من مركز محكمات تناولت الرد على فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله.

وكان من أهم المضامين التي وردت فيها ما يلي:

الأئمةَ الأربعة وعلماءَ الأمصار كافَّةً متفقون على أمرين، الأول: أنّ الهدنة مع دار الحرب جائزة بشروطها، الثاني: أنّ جوازها مرهون بشروط لا بدّ من توافرها، وإلا كانت باطلة ولو بفقد شرط واحد من الشروط

ووافقهم على ذلك: الزيدية، والإمامية، والإباضية، وغيرهم، بل لقد نُقل الإجماع على هذين الأمرين، لكن دعوى الإجماع يردها أن الظاهرية قالوا بأن المهادنات كلها منسوخة بآيات السيف.

ومستندهم في ذلك القرآن والسنة العملية؛ قال تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) وقد عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريش عقد هدنة على ترك الحرب عشر سنين.

اشترط العلماء لصحة الهدنة أو الصلح شروطاً، اتفق عليها القائلون بجواز الهدنة وهم الجمهور.

فإذا إضيف لاتفاقهم أنّ الظاهرية خالفوهم في جواز الهدنة من حيث الأصل؛ فيكون القدر المجمع عليه هو عدم جواز المصالحة مع دار الحرب إذا غاب شرط من الشروط التي اشترطها العلماء.

الشرط الأول: أن يكون في المصالحة مصلحة راجحة للمسلمين.

الشرط الثاني: «ألا يشتمل عقد الهدنة على شرط فاسد»

الشرط الثالث: يرى جمهور الفقهاء « المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية» أن عقد الهدنة لا يجوز أن يعقده مع المشركين إلا الإمام أو من ينوب عنه، وخلاف الحنفية ضعيف لا دليل عليه.

الشرط الرابع: ألا يكون العقد مؤبداً.

نصت فتوى الشيخ ابن باز بإيجاز: “تجوز الهدنة مع الأعداء مطلقة ومؤقتة إذا رأى وليّ الأمر المصلحة في ذلك”  “ولأنّ الحاجة والمصلحة الإسلامية قد تدعو إلى الهدنة المطلقة ثم قطعها عند زوال الحاجة، كما فعل ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم” و”لا يلزم من الصلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اليهود ما ذكره السائل بالنسبة لبقية الدول، بل كل دولة تنظر في مصلحتها، فإن رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء وغير ذلك من المعاملات التي يبيحها الشرع المطهر فلا بأس في ذلك”

وكان الرد على الفتوى في ضوء الأحكام التي قررها العلماء أنّ الهدنة جائزة مقيدة ومطلقة، ولكنّ معاهدات السلام مع إسرائيل وما ترتب عليها من التطبيع مع الصهاينة ليست هدنة وليست مؤقتة ولا مطلقة. وإنّما هي سلام شامل ودائم بين المسلمين وبين العدو المحتل الغازي المعتدي المغتصب، الذي أوجب الله قتاله وجوبا عينيا. فجعل جهاده من الصور التي يتعين فيها وجوب الجهاد.

وكون معاهدات السلام مع الكيان الصهيونيّ لا يجهله ولا ينكره أحد، فقد نص فيها جميعا على سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط”، وعدم جواز تأبيد الهدنة موضع اتفاق العلماء، بل نقل كثير من العلماء الإجماع على عدم جواز التأبيد، مثل الطبري والونشريسي والشيخ عليش وغيرهم.

أمّا التقييد والإطلاق فهو أمر آخر لا علاقة له بالتأبيد، فالتقييد هو توقيت العقد بمدة محددة، وأما الإطلاق فهو عدم التقييد بمدة معينة، ولكن الإطلاق لا يعني التأبيد، وإنّما يعني قيام الهدنة ما لم يحدث ما يستدعي إنهاءها؛ وهذا ما نص عليه العلماء الذين أكثر الشيخ من النقل عنهم كابن القيم، وجميع ما اتكأ عليه الشيخ فهو إمّا عقد هدنة موقت بمدة، وإمأ عقد ذمة، وعقود الذمة مؤبدة بخلاف الهدنة.

   وفي ظل انقسام الأمة إلى كيانات متعددة فإن عقد الهدنة لا يمكن أن يصح شرعا إذا عقده واحد من الحكام بانفراده، إلا إذا كان أمر السلم يخص الإقليم الذي يحكمه فقط ولا ينعكس على غيره من بلاد الإسلام.

والعدو الإسرائيلي ليس عدوا لإقليم واحد، وقضية الصراع معه لا يمكن أن تتجزأ؛ لأنّه صراع على الدين والمقدسات، لذلك لا يصح أن تكون المحادثات ثنائية بين إسرائيل وكل طرف عربي على حدة.

وبذلك لم يتوافر في واحدة من كل تلك المعاهدات شرط أهلية المتعاقد لإبرام العقد؛ فمن الواضح تماماً أنّ المصلحة كاملة وموفورة آلت للصهاينة المجرمين، وأنّ المفسدة تمحضت للعرب والمسلمين أجمعين؛ فلقد نجحت إسرائيل في الإفلات من مؤتمر جنيف الذي كان من المفترض أن يردهم إلى حدود ما قبل 67 وهذا ما لم تحققه جميع معاهدات السلام بأجمعها.

وفي المقابل تم الاعتراف الكامل بدولة إسرائيل، التي نجحت في التغلغل والتوغل في أحشاء الدول العربية كافة عبر تطبيع ظاهره التشارك وباطنه التركيع!! لقد حققت إسرائيل في ظل هذا الأمن والاستقرار تفوقا كبيرا في مجال التسلح، وقد أعد مركز مكافحة انتشار الأسلحة النووية التابع لسلاح الجو الأمريكي تقريرا عام 1999م أورد فيه أهولا، هذا كان منذ عقدين من الزمان أو يزيد أما الآن فحدث ولا حرج.

   إن مصلحة استرداد رقعة من الأرض لا تساوي شيئا إذا قيست بحجم المفاسد والشرور المترتبة على الاعتراف بسيادة إسرائيل على أرض اغتصبتها من المسلمين، وإعطاء الفرصة لها لكي تنطلق انطلاقتها الكبرى في التسلح والاستعداد العسكري الكبير، وفتح المجال على مصراعيه للتغلل الصهيوني الذي يفسد كل صالح في حياة المسلمين.  

وبذلك الذي أسلفنا ينضاف للمحكمين محكمات وثوابت، نتلوها على حضراتم بترتيبها:

1- الصلح مع أيّ عدو من غير المسلمين جائز إذا استوفى شروطه التي قررها العلماء.

2- الصلح لا يجوز إذا افتقد شرطا واحدا من الشروط التي لا يصح إلا بها.

3- شروط صحة الصلح التي اتفق عليها العلماء أربعة: الأهلية من العاقد، وعدم التأبيد، والمصلحة المعتبرة شرعة، وعدم الاشتمال على شرط فاسد.

4- جميع الشروط التي اشترطها العلماء لصحة الهدنة أو الصلح لم يتوفر منها شرط واحد في أيٍّ من المعاهدات التي عقدها الكيان الصهيونيّ مع الدول العربية.

5- ويترتب على ما مضى أنّ جميع هذه المعاهدات باطلة وغير صحيحة ومحرمة وغير جائزة.

6- وعليه فإنّ جميع الفتاوى التي صدرت من أشخاص أو هيئات رسمية وغير رسمية تجيز هذه المعاهدات تعد ساقطة وباطلة وليست ملزمة للأمة ولا يلزم المسلمين اتباعها.

7- والأمة حيال ذلك كله مأمورة بألا تعترف بهذه المعاهدات، وأن تعتقد أنّها ليست ملزمة للأمة، وإن تعد العدة للخروج عليها وإلغائها وإن كان في ذهابها ذهاب الأنظمة التي تدافع عنها.

وفي أوصت الندوة بالىتي:

  1. أن ينبري العلماء الربانيون للدفاع عن محكمات الدين وثوابته، وأن يتعاونوا على ذلك ويتكاتفوا، فهو أفضل البر وأعظم التقوى.
  2. أن يجتهد العلماء وطلاب العلم في ملْ الفراغ الكبير في مساحات السياسة الشرعية، وأن يعتمدوا في ذلك على الكتاب والسنة القولية والعملية وعلى سنة الخلفاء الراشدين المهديين، وألا يحرموا أنفسهم من الاستفادة بتجارب الأمم في مساحات الآليات والوسائل والأدوات والأمور الفنية؛ فإنّ الحكمة ضالة المؤمن.
  3. ألا يمنعنا تقديرنا للعلماء من الرد عليهم وتفنيد أقوالهم، بل والتحذير من فتاواهم في مجال السياسة الشرعية إذا تكرر منهم الخطأ بما يشير إلى قصورهم في فهم الواقع السياسيّ أو وقوعهم تحت ضغوط ربما لا نعلمها تؤدي إلى استخلاص كلام منهم لا يمت للحقيقة بصلة.
  4. على العلماء وطلبة العلم والدعاة والمفكرون والأحرار التابعون أن يرفعوا أصواتهم في وجه الحكام الظلمة المستبدين الذين يوالون أعداء الله ويظاهرونهم على المسلمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى