مقالات

هل يعود اليمن سعيدًا بوقف الحرب؟

د. ياسر محجوب الحسين

صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

سبع سنين عجاف شهدها اليمن الذي كان سعيدا، صراعا وتقتيلا لتحصد الحرب أكثر من ربع مليون من اليمنيين، بينما بقي 80% من الأحياء منهم يعيش على المساعدات للبقاء أحياءً، في أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم مؤخرا، كما سارت بذلك أخبار منظمة الأمم المتحدة. لكن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أعلن أمس الأول الخميس بأن إدارته ستوقف دعم بلاده للعمليات العسكرية في اليمن، بما في ذلك بيع الأسلحة والمعدات. فهل يغدو اليمن سعيدا كما كان وتضع الحرب أوزارها؟؛ أم أن دهاقنة حرب اليمن سيسخرون من حلم بايدن بوقف الحرب فلا يعدو الأمر كونه أضغاث أحلام. وقديما سخر الكهنة والحُزَاة من ملك مصر حين أراد منهم تفسير رؤياه التي رأى فيها سبع بقرات سمان يأكلهن سبعٌ عجاف، فقالوا له أن ذلك أضغاث أحلام وما هم بتأويل الأحلام بعالمين.
ولعل أسوأ أنواع الحروب هي الحروب الأهلية، لأنها تظل مستمرة ومتكررة أكثر من أنواع الحروب الأخرى، بل أنّ معظم الوفيات المُسجلة في التاريخ أفرزتها الحروب الأهلية، فضلا عن تسببها في الانهيار الاقتصادي للدولة، وتعطيل الأنشطة التجارية، وزيادة معدلات البطالة، وتعقد المشكلات الاجتماعية المترتبة على كل ذلك. وربما نكون متفائلين إن أعتبرنا الحرب في اليمن حربا أهلية وفقا لهذا التوصيف الكلاسيكي؛ إذ أشد خطرا وفتكا من الحروب الأهلية، حيث يصعب الإتيان بتعريفٍ شامل للحرب هناك لكثرة عواملها وتشابكها، وتعدد الأطراف المشاركة والمتورطة فيها، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فهي ذات روافع سياسية وحمُولات طائفية ومذهبية، فلا هي بالحرب الأهلية، ولا هي بالحرب الدولية، بل هي حرب هجين مركبة. لقد قُدّر لهذه الحرب مبتدأً أنها مجرد عملية خاطفة تحسم وتحزم الصراع في أسابيع قليلة، ثم انحفض السقف لتتحول لعملية لإعادة الأمل في غضون شهور، بيد أن أمل نهاية هذه الحرب العبثية لا يزال سرابا يحسبه اليمنيون ماءً بقيعة.
قد لا يعني وقف واشنطن للعمليات العسكرية الميدانية الهجومية في تلك الحرب وقفها تلقائيا، فإدارة بايدن مطالبة بأكثر من ذلك لمنع أسوأ السيناريوهات. وإن كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب داعمة أو متواطئة، فأن إدارة باراك أوباما التي سبقته وقد مثلت نفس الحزب الذي ينتمي إليه بايدن، كانت في أحسن الاحوال سلبية أو داعمة لأحد أطراف الصراع. ولعل ما يبعث ويشيع الأمل إعلان بايدن سياسة خارجية تتضمن عودة الدبلوماسية الأمريكية بعد 4 سنوات من تراجع التزامات الولايات المتحدة الدولية في عهد ترامب، وفقا للسياسة الانكفائية التي اعتمدها وهي “أميركا أولا”.
إن عودة الولايات المتحدة لقيادة العالم كما بشّر بايدن، يتطلب منه ذلك القدرة الكافية والإرادة القوية لوقف الحرب اليمنية والذي حتما سيكون عملا صعبا، ولن ينجح دون متابعة يومية. وربما الاعلان الأمريكي عن تجميد صفقات سلاح وذخائر لبعض أطراف الحرب في اطار إستراتيجية أمريكية جديدة في المنطقة، لبيع الأسلحة كما ونوعا، وكذلك مراجعة تصنيف طرف آخر باعتباره جماعة إرهابية، فضلا عن تعيين دبلوماسي مخضرما، مبعوثا خاصا في اليمن، يصب في اتجاه قيام واشنطن بدور “نزيه” لوقف الصراع الدامي، من منطلق أنها طرف محايد. إن واشنطن معنية بالضرورة بأمن الممرات البحرية والتجارية الإستراتيجية ومنها مضيق باب المندب جنوبي غرب اليمن والذي يعد شريانًا للملاحة والتجارة الدولية.
لعل الصراع اليوم في اليمن على أعتاب أحد 3 سيناريوهات: استمرار الحرب وتهديد أمن البحر الأحمر، أو تقسيم وتفكيك الدولة اليمنية، أو أن يتحقق طموح بايدن بوقف الحرب بضغط أمريكي. وإن فشلت إدارة بايدن في ما تعهدت به فإن تقسيم اليمن سيكون السيناريو الذي يطرح نفسه بقوة في ظِلّ تداخل الأبعاد الإقليمية والدولية في الصراع. فذاك طرف يمانع قيام دولة يمنية مذهبية، وطرف ثاني يتمسك ببسط نفوذه لتحقيق مصالحه وأطماعه الاقتصادية، في ذات الوقت يرفض طرف ثالث التنازل عن فك ارتباطه بجماعته في اليمن.

إن أي حل سياسي يستبعد أو يتجاهل ضرورة عودة الدولة المركزية في اليمن الموحد وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحرب، لن يمثل الترياق الناجع للصراع. وأي حل بدون ذلك قد يقترب من رغبة أطراف عديدة في استمرار دورة الصراع والاقتتال الداخلي، وتصبح اليمن شذرا مذرا. وبالضرورة ليس مطلوبا ان يحدث انسحاب شكلي للتدخلات الإقليمية في اليمن، وذلك بأن يكون هناك نوع من التوافق تحت الطاولة بين طرفين أو أكثر، يؤدي إلى انسحاب غير مباشر لطرف من المناطق الواقعة تحت نفوذ الطرف الآخر، مقابل سيادة ذلك الطرف على مواقع استراتيجية تشبع أطماعه. فقد يوقف ذلك قعقعة السلاح لحين ولكن حتما لن يكون سلاما مستداما لأن الأطراف الخارجية هي من أهم أسباب الصراع والاقتتال وستبقى متأهبة ومتحفزة خلف الكواليس، لكنها ستكون حتما جميعها خاسرة وخسارة اليمن وشعبه هي الأقسى بكل تأكيد.
ومثلما أعتقد الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر قبل 59 عاما أن دخول مصر الحرب في اليمن نزهة؛ تظن الأطراف المتورطة حاليا أن الدخول في الحرب الراهنة كذلك نزهة. ففي تلك الحرب أصطرع السعوديون والمصريون صراعا داميا مما أثر سلبيا على حرب 1967 التي انتصرت فيها إسرائيل على العرب فسموا الهزيمة نكسة.
وما من أحد يبرئ النخب السياسية اليمنية، فهي تتحمل مسؤولية تحول بلادهم إلى ساحة صراع إقليمي عقيم، وليس ذلك فحسب بل أن ر هذه النخب رضيت بأن تقوم بأدوار الوكلاء في حرب الكبار فيذيق بعضهم بأس بعض، بينما يدفع شعبهم وحده فاتورة الحرب العبثية. يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر إن الساسة مهما أوجدوا المبررات للحرب فإنها تبقى مسألة لا أخلاقية، يبدأ بها الأغنياء ويموت فيها الفقراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى