العلاقات المصرية التركية ( 2013 – 2020 )
مرّت العلاقات المصرية التركية خلال السنوات القليلة الماضية بفترة متوترة وخاصة عقب عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي , وهو الرئيس المصري الوحيد الواصل لهذا المنصب بعد ثورة شعبية , وبعد انتخابات رئاسية شهدت لها جميع المنظمات المصرية والإقليمية والدولية بالنزاهة والدستورية .
لم يكن المشروع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي أراده مرسي لمصر ما بعد مبارك ، متوافقاً يوماً مع رتابة الدولة العميقة ولا مع القواعد الجيوسياسية التي ثبتتها القوي الدولية والإقليمية منذ زمن بعيد ، وكانت محاولة مرسي الانقلاب على هذه الرتابة وكسر هذه القواعد كافية بالإطاحة والانقلاب عليه .
بفعل التفاعلات الجيوسياسية والاجتماعية تتأثر بلدان الجوار الملاصق والإقليم القريب وتنتقل إليها الظواهر والأفكار وربما بعض العادات والتقاليد ، ونلاحظ كيف انتقلت الثورات فى البلدان العربية ، ونلاحظ كيف تنتقل ثقافة الانقلابات العسكرية فى البلدان الإفريقية منذ أمد .
المكونان المصري والتركي ، يربطهما الدين فهُما بلدان فى القلب من العالم الإسلامي ، ويربطهما تاريخ مشترك طويل مر بألوان طيف مختلفة ، وتربطهما عادات اجتماعية متقاربة ، وتربطهما بِنّيَة مؤسساتية للدولة مبنية على القاعدة الغربية نفسها . وغير ذلك .
ما يجعل المكونان قرينان إن صح التعبير ، ومن الحكمة أن نُذكر أن الأقران أضداد ، والضدية التي نعنيها من هذه الحكمة هي التكافؤ والتنافس ليس الصدام والمواجهة ، فعناصر التقارب ونقاط التفاهم أكبر حجما وأكثر عددا من عناصر التنافر والاختلاف .
في مثل هذه الحالات من التنافس مع الإدراك لطبيعة تكوين المنافس ، يكون الاطلاع بين كافة مؤسسات المكونين سهلة ويسيرة ونقل الخبرات ومدارسة المشاريع ، كما يجعل إمكانيتها في نقل تجارب النجاح فى مرمي البصر .
كانت تجربة المؤسسة العسكرية المصرية فى الانقلاب على الرئيس محمد مرسي حالة نجاح للمؤسسة العسكرية فى الاحتفاظ بإدارتها لشؤون البلاد مع الفوقية على باقي السلطات والمؤسسات ، عكس ما كان يأمل مرسي ، أن يفصل بينهم فصلاً حقيقياً ، لم يكن بعيداً عن المكون التركي بكل مؤسساته الأحداث فى الجوار المصري .
كانت التجربة المصرية مصدر قلق وتوجس لرأس المكون التركي كما كانت مصدر إلهام ودفع لبعض المؤسسات التركية ، المحاولة الانقلابية التركية 2016 كانت بعد ثلاث سنوات من نجاح الانقلابي المصري 2013 .
وخاصة مع النظرة التركية المَخُوفة والمتوجسة من الانقلابات العسكرية عموما وفى محيطها الإقليمي خصوصا , ولاسيما أن تاريخ تركيا الكبير والقريب فى الانقلابات العسكرية يجعلها أكثر حذراً وأكثر تخوفاً .
إن خطورة التجربة المصرية كانت تمثل تهديد وجودي للمكون والمشروع التركي ، في حالة نجح استنساخها فى تركيا ، وهي لا تقارن بدعم تركيا للمعارضة المصرية فى تركيا ، التي ربما كانت تصب أحياناً فى مصلحة مصر فضلاً عن تشكل لها تهديداً ، إن لم تستطع أن تجمع شعبك أو أمتك من خلفك فلا عليك سوي اصطناع حرب مع عدو ، فإن لم تجد عدو فاستعدي أقرانك ، واكذب حتى يصدقك الناس ، ثم استمر فى الكذب حتى تصدق نفسك .
تزايد الخوف التركي من ارتداد هذه الانقلابات فى الداخل التركي وما يمكن أن ينعكس على مناخها السياسي والذي بلا شك سيؤثر على المناخات الأخرى . ومع التقاطعات الحادة للانقلابات العسكرية فى تاريخ تركيا الحديث مع الدولة والحكومات المنتخبة .
ومن هنا ومع عوامل أخرى تبنت تركيا المعارضة المصرية داخل تركيا ودعمت القضية المصرية , وتصلبت الحكومة المصرية عند موقفها المدافع عن ثورة 30 يوليو المجيدة ( حسب تعبيرهم ) , وتخندقت خلف الآلة الإعلامية الضخمة التي تحركها اذرع الدولة المصرية فى مصر وخارجها , لتأخذ موضع المدافع عن الحكومة المصرية وتتبنى مواقفها وسردياتها , كما أنها امتهنت كيل الاتهامات على أعداء مصر ( كما يقولون ) تركيا نموذجا الحكومة والدولة ولم يسلم حتى الرئيس التركي منها .
لقد خلقت هذه الأجواء مناخ مُغبرا فى طبقات الغلاف السياسي والإعلامي والنخبوي للعلاقات بين البلدين , ومع طول هذه المدة وامتلاء الأعين بالغبار لم تتمكن عيون المراقبين والباحثين من تتبع التفاعلات الحادثة فى طبقات أخرى من العلاقات بين هذين البلدين الكبيرين , لاسيما الأمني والعسكري والاستخباري .
لقد بَعُدت المسافة بيننا وبين الانقلاب المصري ، وأنهي الرأس التركي ذيول المحاولة الانقلابية الفاشلة ، ولم يعد هناك وجود دولي أو إقليمي يتحدث عن حكومة انقلابية فى مصر ، فلِم القطيعة إذاً ؟
إن إحراق غابة خضراء وتحويلها إلى رماد لا يستغرق سوي بضع ساعات ، ولكن إعادتها خضراء مرة أخري يحتاج بعض الفصول المناخية .
مقال رائع يستحق القراءه