مقالات

انتخابات “الأسد” رُبَّ ضارة نافعة !

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

منذ عقد من الزمن، هبّت رياح الحرية على المنطقة العربية لتأتي بما سمّي بـ “ثورات الربيع العربي”،التي عمّت عدّة بلدان عربية”تونس-مصر-ليبيا-اليمن -سوريا”أطاحت بأربعة من أنظمتها الاستبدادية – أو على الرؤوس في الأنظمة – وأبقت على النظام الحاكم في سوريا-النظام الأشد ظلماً وجوراً والأعنف والأكثر إجراماً- لارتباطاته وعمالته الأكثر تعقيداً والتي ساعدته على البقاء في الحكم لأكثر من خمسة عقود، عانى الشعب السوري خلالها معاناة قلّما عرفها شعب من شعوب الكرة الأرضية!

ثورات الربيع العربي، يبدو أنها أتت في الزمن الرديء، وبالتالي لم تحقق أهدافها كما كانت تطمح لها شعوبها، فكانت متباينة في تأثيرها المجتمعي- في تونس وليبيا تغيير نسبي، في مصر واليمن انتكاسة بسبب الثورة المضادة، في سوريا لا زال النظام قائماً ويمارس جرائمه، وحتى الإنتفاضات الشعبية التي أتت لاحقاً في الجزائرو السودان والعراق ولبنان، جميعها لم تات بأُكلها في هذا الزمن الرديئ-!
أمّا لماذا كان حظ الثورات العربية سيئاً وجاءت في زمن رديئ؟ فهو رديء للأسباب الآتية:
1_ تبين أن دول الغرب الديموقراطي، ليست معنية بما يحدث خارج بلدانها، إلاّ بما هو مرتبط بمصالحها، بعيداً عن القيم والمبادئ الديموقراطية التي صدّعت رؤوسنا بها،والتي ثبت- وبالدليل القاطع- أنها لم تكن سوى بضاعة “نصّابين” يجري تسويقها في بازار”المغفّلين”.
2- تزامن حدوث هذه الثورات في زمن إدارة أمريكية تعتبر من “أحطّ” الإدارات وأكثرها “خسة ودناءة”، فقد جاءت في زمن التافه”أوباما”، والذي كانت فترة حكمه الأحلك والأكثر قتامة بالنسبة للعرب، فقد خذل الجميع وفتح باب المشرق العربي أمام نظام الملالي في طهران، ليطلقوا كلابهم المسعورة من الميليشيات الطائفية في العراق وسورياو لبنان واليمن تحت يافطة
شعار “تصدير الثورة”، والتي لم تكن سوى تصدير للفوضى وللإرهاب والهيمنة على المنطقة.
3- في زمن ثورات الربيع العربي، وفي غفلة منه، استطاعت روسيا “المتربّصة” أن تستغل ظروف المنطقة لتدخلها من بوابة عمالة النظام في دمشق،وبرضى اسرائيلي -أمريكي” وهوان أوروبي،
وغياب عربي.
4- في زمن ثورات الربيع العربي- وعلى وجه الخصوص الثورة السورية- كثرت الخلافات بين دول الخليج العربي التي كان من المفترض أن تقف إلى جانبها كونها هي الخندق الأول أمام جحافل ميليشيات إيران التي باتت مصدر خطر حقيقي يهدد أمن المنطقة برمتها.
5- مسيرة ربيع الثورات العربية لم تحظ بنخب قيادية تقودها إلى بر الإنتصار بأقصر السبل وبأقل التكاليف.
في ظل هذه الظروف، تأتي الدعوة لانتخابات رئاسية في سوريا لتكون خير دليل على رداءة هذا الزمن!
فبعد الكارثة الكبرى التي ألحقها النظام المجرم في سوريا ،وما نتج عنها من تدمير وخراب وقتل للشعب السوري، وضياع للوطن السوري، وبعد حكم استبدادي امتد لأكثر من خمسة عقود، هي الأسوأ في تاريخ سوريا، يدعو “مجرم دمشق” إلى انتخابات رئاسية تؤهله لحكم البلاد لفترة زمنية -وربما لفترات- ليبقى حاكماً للبلاد قاهراً للعباد!
ما يدعو له النظام هو ” مهزلة استفتاء” وليس “انتخابات”! فلن يكون فيها سوى رأس النظام حتى ولو تم ترشح آخرين لها، فاللعبة مفهومة ونتيجتها مضمونة معروفة.
إذا ما مرّت هذه الانتخابات بسلاسة دون منغّصات، وبحد ادنى من القبول الدولي أو العربي، وبعدم اكتراث من قبل الشعب السوري، فستكون هي الشهادة التاريخية بتبرئة النظام من جرائمه، والقبول به كحاكم ولعائلته من بعده، وستنتقل سوريا من مرحلة حكم الإستبداد إلى حكم الإستعباد.
لذلك على شعب سوريا بكل مكوناته الإثنية والقومية والمذهبية، أن يقفوا وقفة وطنية صلبة لإفشال مخطط الإنتخابات، وتجنّب مخاطر نتائجها الكارثية وذلك من خلال مقولة”رُبَّ ضارة نافعة” والعمل على ما يلي:
1- على جميع القوى السياسية التي لا زالت على موقفها من النظام، ولا زالت تنادي بإسقاط، أن تعلن بصراحة، وبلا مواربة، أن هذه الإنتخابات جريمة، وكل من يشارك بها سواء بالترشح أو الإقتراع، هو بالضرورة شريك بالجريمة التي تجرمه بالخيانة الوطنية.
2- على جميع قوى المعارضة التي شاركت في مسيرة التفاوض مع النظام، بأي صورة، وتحت أي مسمى أن تتوقف عن المتابعة في مسيرة التفاوض المهين، وأن تعود عن الخطأ ،وتعود إلى رشدها الثوري، ووعيها الوطني.
3- نستطيع ان نجعل من مناسبة هذه الانتخابات، مناسبة لنا للعودة إلى الثوابت الأولى الثورة ،وأن تكون فرصة لانطلاقة ثورية أقوى، مستفيدين من أخطاء الماضي التي وقعنا فيها جميعاً.
4- علينا ان نجعل من هذه الانتخابات مناسبة لحملة إعلامية موجهة بشكل منهجي وموضوعي لتحفيز الذين لا زالوا يقفون إلى جانب النظام المجرم لحثهم للالتحاق بالصف الوطني بعد أن تبين لكل ذي عقل، أن هذه الانتخابات ما هي إلاّ تجديداً لبيعة مجرم وتأييداً له للاستمرار في قتل شعب بكامله، لا يميز فيه القاتل بين “موالٍ خنوع”، و”نصف معارض”، و”معارض مفاوض”.!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى