ثقافة وأدب

مشاهير (الدرك الأسفل من التفاهة )

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب

في كل زمان ومكان يشتهر بين الناس ثلاثة ( المبدعون ، والسياسيون . والسفهاء ) ..
أما السياسيون :
فهم ثلاثة فرق ..
 وإنما يشتهرون؛ لأنهم  يحكمون الناس ، ويجلسون على رأس الهرم ، وبيدهم مقاليد الأمر والنهي ، ومصائر الناس ، وقد تكون لهم أعمال مشكورة، وأخرى مرذولة .. وهم الحكام والولاة، والأمراء، والأعيان، وبياض الحضرة ، ممن كانت له أسباب دعت لشهرته، وهؤلاء في كل زمان ومكان .. وطائفة منهم تشتهر بالعدل، وطائفة بالخيانة، والبطش . ومنهم من يشتهر بأنه (حمار ) !! نعم : حمار !!..
هل سمعتم (بالخليفة الحمار )؟
هكذا سمي الخليفة مروان بن محمد الثاني . و( ذيل الكلب ) ك بشار الأسد . أما الكلب فهو في روسيا، أو إيران على خلاف بين العلماء  ، و(المنشار ) ك (mbs) والأهطل كال(cc) إلى غير ذلك من تلك المخلوقات العجيبة   ..
وأما (المبدعون )
مبدعون في العلم، والذكاء، والفطنة، والاختراع، والتأليف والفن وغير ذلك …
فهم ثلاثة فرق أيضًا ،فريق حقيق بالمكانة ، جدير بالثقة ، أهل للمكارم ، يستحق الشهرة والمنزلة ، ترفع له قبعة النبل ، وتقدم له تحية السبق، والريادة غيروا مجرى التاريخ، وكان لهم أثر عظيم بالإنسانية، والمجتمع، وهم مجهولون إلا من اغترف غرفة بيده .. 
وفريق دون ذلك أصابته لحظة سعد، أو مصادفة كونية، أو واسطة اجتماعية ، أو نسبة قرابة، أو وشيجة صلة ، جعلته بين لحظة وضحاها نجمًا متألقًا، وأحد مشاهير الناس، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه، وهو بسيط لا يستحق شيئًا من ذلك شأنه كشأن ذاك المغمور الذي سيق للإعدام مع كبار الثوار المعروفين ، فقال الناس أنى لهذا أن يقتل مع هؤلاء .؟
وعادة ما ينطفئ نجمه سريعًا ولكن ! (للناس حظوظ ! )..
وفريق مبدع لكن في الحمق ، ومتألق لكن بالسفاهة ، متميز لكن بالغباء ،  سجل اسمه في التاريخ لكن في كتب الحمقى والمغفلين ، أو النوكى والمجانين ، أو الظراف والمتماجنين . فاستحق شهرة عظيمة ، ومكانة وضيعة ..
وأما القسم الثالث، فهم السفهاء ..
السفهاء طائفة واحدة يشترك فيها أصناف المتناقضات ، وأشباه الرجال ، الذين جعلوا من القذارة سلمًا، ومن السخافة مرتقى ، ومن الزناخة معرجًا .

المصيبة لا تكمن في إشهار الوضيع ، وإعلاء السفيه حسب ، بل في الأمة !
(الأمة) التي امتاز غالب جيلها الناشئ بأمية الأفكار ، وفساد العقل ، وسوء التربية ، وقلة الوعي ، تابعت هؤلاء السفلة ، وزادت رصيد انتشارهم ، وصار لهم عشرات ملايين المتابعين على وسائل التواصل ،في الوقت الذي تجد فيه أعلام أهل القرآن والعلم، والأدب، والبحث، والاختراع لا يحظون ببعض تلك المتابعات ..
(الأمة ) التي أصبح فيها فسقة المطربين، والسفهة من الممثلين نجومًا يتهافت الشباب لالتقاط صورة معهم ، وتتزين جدران صفحاتهم ، وغرفهم بصورهم ، ويتابع الشباب كلامهم ولباسهم وحركاتهم، وقصات شعرهم ليقلدوها ، بينما يعيش العالم، والمفكر لا يعرفه حتى أهل حيه يعيش، ويموت نكرة بين الناس ..
(الأمة) التي أصبح فيها لاعبو كرة القدم، والبيغ بونغ، أساطيرًا بين الأجيال ، يتقلبون بأموالهم التي انتزعوها من الشباب الحالم ، الذين فضلوا الإنفاق على حضور مباراة على شراء كتاب ، والاشتراك بقناة رياضية على الاشتراك بدورات تعليمية وتنموية ..
الأمة التي صار شبابها منزوعي الهوية ، فاقدي الانتماء، يتغنون بكل طارئ جديد شريطة أن يأتي من الغرب ، ويديرون ظهورهم لكل ما من شأنه أن يكون عربيًا إسلاميًا ..
ولكن :
إذا فسد الأبناء فأين الآباء ؟ أين الأمهات ؟ أين العقلاء ؟ أين الحكماء ؟ أين المثقفون ؟
ماكان لهذه الجراثيم أن تنتشر لولا وجود بيئة حاضنة، وتربة خصبة ، وجو ملائم ..
هكذا يُصنع الغثاء
فما الذي أزرى بهذه الأمة حتى وصلت إلى هذا الحضيض ؟
الحكام يلومون العلماء، والعلماء يشتمون الحكام ، والمصلحون يشتمون الاثنين معا ، وعامة الناس تشتم الثلاثة ،  والجيل الجديد يرون ذلك كله من مخلفات الماضي ، حقيق بالدفن لا بالحياة . وخلفهم عدو متربص لا شغل له إلا أن يخترع لهم ما يلهيهم، ويفسد حاضرهم
، ويشوه ماضيهم  ، ويفتن ناشئهم ، ويسفه أحلامهم ، ويضعف ملكاتهم ..
وبين هذا وذاك وصلت الأمة إلى هذا الحال من الإسفاف المنظم ، والحضيض الأقعر .. وصار السفهاء، والحمقى أعيان المجتمع ..
لا أستطيع وصف عجبي، وغضبي ، وانبهاري،
وأنا أرى (لاعب ببجي) يتابعه الملايين ، يشن هجومًا لاذعًا على (مشاهير التيك توك) الذين يتابعهم الملايين أيضًا .. ويقول لهم : بأسلوب النصح والتهكم ، ماذا فعلتم؛ لتصبحوا مشاهير ؟ ماذا قدمتم لبلدكم وأمتكم ؟ كفى سفاهة واستخفافًا!! كفى استهتارًا وإسفافًا !!  ..
ثم يردف : أترون لو أنجبتُ بنتًا ذات يوم !(ولا أتمنى أن يفعل ) وذهبنا إلى الشارع ، فرأت الناس يتصورون معكم أيها المشاهير ، فسألتني من هذا ؟ وماذا قدم للناس والمجتمع؟  ولم هذا الاهتمام ماذا سأجيبها ؟
أنا أستحي أن أنتسب إليكم، أو أقول أنا منكم ومن بلدكم !
قلتُ في نفسي : (جميل )!!
ثم تابع ليقول :
أنا ما وصلت إلى ملايين المشاهدات إلا بسهر الهواجر ، وإيصال الليل بالنهار، وتعب لا يعدله تعب ، ذهبت عيوني، وتشنجت مفاصلي وتيبست أصابعي ، وأنا أجاهد لأصل لما وصلت إليه اليوم من المتابعين ..
ويضيف : سأعطيكم قبضة لعب ، أو (كيبورد وماوس) ، وأتحداكم أن تلعبوا مثلي !!
وايم الله : ليست دعابة ..
وايم الله : لو ذكرنا هذه الحادثة لابن الجوزي قبل تأليفه كتاب الحمقى والمغفلين ، أو كتاب الظراف والمتماجنين ، لاكتفى بها مثلًا للسائر، وعبرة للمتوسم ..
لا يمكن لأرباب السخرية من الجاحظ، و المازني، وجلال عامر، والماغوط أن يبلغ بهم البيان، والفكاهة المعهودة عندهم أن يسردوا  قصة كهذه ، مهما عصفت بهم الأذهان ، وأسعفتهم الخيالات .. 
صدقوا أنني رأيت رجلًا من ( الدعاة إلى الله ) يحمل شهادة الماجستير من أهم الجامعات في العالم يلعب ببجي!! وآخر مدير منظمة إنسانية يلعب (كاندي كراش) !! ورأيت ورأى العالم رؤساء دول يحضرون مباراة كرة قدم ، وشكت لي امرأة زوجها أنه مدمن على ألعاب (الباتل رويال ) ولا عجب إلا أن علمت أنه أحد قراء القرآن، وحفاظه ويحمل إجازة جامعية ..
إن كنت تظن أن هذه حالات فردية، فتابع لتعلم أن هناك آلاف طلاب العلم، والشيوخ، ورجال الفكر يقلدون هؤلاء !! ويفعلون !! قريبًا مما يفعله سفهاء السوشل ميديا ليشتهروا مثلهم ..
يا لله !
هل كلمة (الدرك الأسفل من التفاهة) تفي هؤلاء حقهم من المنزلة ..
أيها الجيل كفوا عن أن تجعلوا من هؤلاء السفهاء مشاهير ..
أيها الآباء وسائل التواصل اليوم تصنع من أبنائكم مسوخًا مشوهة ..
أيها المصلحون لاشيء يفسد حاضر الأمة، ومستقبلها كغيابكم عن مواطن نظر هؤلاء .
أيها الجيل القادم :
لتصبحوا غثاء كغثاء السيل، ينبغي أن يطغى فيكم أشباه هؤلاء ، ولعله قد كان ..
إن أمة لا تحظر على سفاها، وتأخذ على يد مغفليها ، قمين بها ما وصلت اليه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى