تحقيقات

عصام حمزة “عصاميّة” الثورة وملهمة الأحرار تغادرنا بصمت ..

أحمد الحسين أبو أيوب

ناشط سوري مقيم في لندن
عرض مقالات الكاتب

لكل من اسمه نصيب ، فقد نسبت صفة العصامية “الاعتزاز بالنفس” لعصام بن شهير الجرمي ، حاجب النعمان ، وأصبح المثل نفس عصام سوّدت عصامًا ، يضرب لكل صاحب عزّة وكرامة ،وكان للسيدة عصام حمزة ذلك في هذا الزمن .

النشأة والأسرة

ولدت الأخت الفاضلة والحرّة عصام حمزة أم أحمد في مدينة حمص عام 1953 ،شهر كانون الثاني وتوفيت عام 2021 في شهر كانون الثاني ، ترعرعت في عائلة محافظة مؤلفة من مجموعة بنات، وأخ، وكانت محبوبة بين أفراد عائلتها وحارتها لما كانت تمتلكه من روح الدعابة التي يتحلى بها أبناء حمص عادةً ، وكانت متفوقة في دراستها عبر مراحلها حتى حصولها على “الثانوية”، ومن ثم درست فنية مخبرية، وقد شهد لها من عمل معها بعملها الدؤوب؛ لتطوير المراكز المخبرية التي عملت بها، وأحد مديريها في العمل، ففي يوم من الأيام قال لزملائها: عصام وحدها فعلت كل ذلك ،فما بالكم لو كان لدينا 10 مثلها كيف سيكون مستوى المختبرات الطبية في سوريا؟ وطبعاً هذا الإطراء من رئيسها  بالعمل جعلها تجتهد أكثر، ما دفعها لتطوير نفسها، فكانت لها فرصة بعثة عن طريق الأمم المتحدة إلى جمهورية مصرالعربية لمتابعة دراستها هناك ..

كانت عائلتها تتألف من ست بنات، وأخ، وكان ترتيبها الرابع، وكانت الأقرب لوالدتها من حيث العمل بالمنزل ، درست “معهد طبي” بحمص ، وقضت سنة بمصر، وعملت صداقة جيدة مع زملائها بالدراسة والمجتمع، ومن ثم حصلت على بعثة إلى بريطانيا عام 1983 وكانت الأولى على بعثتها بإتقان اللغة الإنجليزية مما سهل عليها إنهاء دراستها بالبعثة، وفتح لها مجال لدراسات أخرى ، وأصبحت مدرسة في بعض المعاهد في مجال العلوم الحيوية والطب النفسي.

كانت تعاني كثيراً من مشكلة الكلى ، وقد قامت بعملية زراعة كلية عام 2005 ما جعلها تتوقف عن متابعة عملها كاختصاصية بالتحليل المخبري، ونظّمت بعدها معرضًا كونها فنانة تشكيلية منذ الصغر، وساهمت بالمبلغ لمشفى زراعة الكلى التي أجريت لها عملية زراعة الكلية بسبب معاناتها من مرض الفشل الكلوي ، وكانت رحمها الله قد أصيبت بشلل الأطفال بسن مبكر في سن السادسة، ما أدى؛ لإصابتها بإعاقة جسدية دائمة، لكن قوتها وإرادتها جعلتها تتغلب على كل ذلك ، وهذا مارأيناه من صبرها، وإرادتها من خلال ما قدمته للثورة سواء بالاعتصامات، والندوات

الفن التشكيلي

لم يقتصر نبوغ السيدة عصام على ما ذكرنا بل تعدى ذلك إلى الفن التشكيلي وإقامة المعارض الفنية، وقد سخّرت ريشتها لرسم المعالم التاريخية ،والحضارية محاولة تسليط الضوء على تاريخ سوريا، وحضارتها الممتدة لآلاف السنين، مخاطبة الشارع عن خذلان العالم المتحضر لإرث تاريخي من حقّ البشرية أن تفتخر به، وتحافظ عليه وليس، فقط الشعب السوري؛ لأن سوريا هي ملك للبشرية، والعالم مازال يتفرج كيف تدمر من قبل طيران روسيا، والأسد وإيران،بل ساعد أيضاً طيران التحالف بحجة محاربة الإرهاب، ولم تكن رحمها الله مقصرة بمساعدة الداخل، بالتبرع ماتستطيعه من دخلها البسيط، من المعارض الفنية، ورسوماتها. 

عرفتها منذ انطلاقة ثورتنا المباركة عام 2011 أمام سفارة الإرهاب الأسدي في لندن، وكانت دائماً تتصدر الصف الأول هي، وابنها، وأحياناً وحدها، مهما كان توقيت الاعتصام، حتى لو بعد منتصف الليل، ولم تتوان يوماً عن الاجتماعات التأسيسية لتنسيقيات الثورة، أو أي تنظيم سياسي، أو ثقافي، أو إغاثي يساعد أهلنا بالداخل .

وكانت رحمها الله دائماً تتألم، وتبكي أحياناً لبعض الخلافات بين الأحرار محاولة دائماً لم الصفوف وتوحيدالكلمة ، ولا تنقطع عن أي نشاط ثوري أينما كان، ولا يهم من منظم النشاط إلا في حالة كانت مريضة جداً، أو أنها بالمشفى التي كانت “زبوناً “دائماً لديهم بسبب إمراضها المزمنة بدءاً من الكلى إلى السكر، والضغط، والشقيقة التي كانت تدخلها في غيبوبة لساعات طوال لكن شفيت منها فيما بعد ، وكانت دائماً تتواصل معي متأسفة لعدم القدرة لمشاركتي الاعتصام الأسبوعي، أو حتى اليومي عندما تراني انشر نشاطي عبر صفحتي، وأقول لها أختي لا عتب عليك، صحتك أهم مافي الدنيا، وكانت تجيبني كيف أجلس بمنزلي، وأهلنا يذبحون بدم بارد، وبعض السوريين هنا في لندن غير مبالين، وبحياتهم لاهين ، وهذا مالا أسمعه من غيرها من مدعي الثورة ، كانت رحمها الله رقماً صعبً بحراكنا الثوري في لندن ولا ينكر هذا إلا جاحد، وأستطيع أن أجزم بأنها محبوبة من الجميع ، لكن حبها لسوريا، وللثورة أحياناً يجعل منها عصبية، ويفهمها البعض بشكل خاطئ حتى نشرح لهم وضعها، والأدوية التي تتناولها ، وأكثر المتابعين لنشاطنا الأسبوعي يرونها معي أثناء البث المباشر كيف تعاني من البرد، وترفض المغادرة حتى أجبرها بنفسي، وآخذها للسيارة وهي تتأسف لعدم الاستمرار معي بالوقفة قائلةً طيب لماذا أنت ستستمر، ولا تذهب لمنزلك كونك تقول إن الطقس بارد، وأحياناً ماطر ، وكانت رحمها الله هي الوحيدة التي تذهب معي إلى باب السفارة، لترفع علم الثورة، وتعلقه على سور السفارة غير آبهة بما ينتج عن ذلك من مسؤولية كما يدعي الآخرين، وكم من مرة قطعت السير لتلفت انتباه الشارع حتى يأتي البوليس لإعادتها إلى نقطة الاعتصام المخصصة لنا مقابل السفارة الروسية في لندن ، وكانت بالذكرى السنوية تقود المظاهرات مسافة لا تقل عن 3 كم سيراً بالعكازات، ولوحات صممتها بنفسها لصور ضحايا الإبادة بسوريا على ظهرها وصدرها وعلم الثورة بأحد يديها ، بصراحة لو كتبت مجلدات لن أفيها حقها رحمها الله، وأحسن مثواها الأخير و تغمدها بواسع رحمته ومغفرته وأسكنها فسيح جناته. 

كلمة وعهد

كنت معنا تزيدنا قوة ، ونشهد لكِ بضعفنا أمام إرادتك وعزمك ، وإننا نقول لكِ :“عهداً أيتها الفاضلة سنتابع طريقكِ بمحاربة الإرهاب الروسي البوتيني والأسدي والإيراني من خلال استمرارية الثورة” كانت رحمها الله تمني النفس أن تشهد ساعة النصر لتعود لمدينتها التي عشقتها حمص العدية وتقول : “عن نفسي “سأكون” دائماً حاضرة بنشاطي أمام السفارة الروسية من خلال اللوحات التي رسمتها خصيصاً لاعتصامي اليومي”

مؤهلاتها العلمية 

  • بكالوريوس علوم لعام 1989
  • جائزة المتعلمين لكبار السن
  • منحت درجة الماجستير في العلوم بعد اتباعها برنامجاً معتمدا في العلوم الطبية الحيوية 1997 في بريطانيا 
  • تم قبولها كزميل في معهد العلوم الطبية الحيوية عام 2002
  • شهادة معهد العلوم الطبية الحيوية 2004 من مجلس العلوم البريطاني 
  • فضلاً عن أنّها فنانة تشكيلية متميزة

طبعاً لم يتسن تحقيق حلمها بمتابعة دراسة اختصاص الطب الذي كان حلمها منذ الصغر، بسبب الأمراض المزمنة وتوقفت عن متابعة مهنتها اختصاصية التحليل المخبري ، ما جعلها تعوض ذلك بهوايتها الأخرى متمثلة بالفن التشكيلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى