ثقافة وأدب

شتاء أمي !

فيصل عكلة

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب

في ليالي الشتاء الباردة وعندما كنت أعجز عن كتابة الوظيفة -وأنا يومها في المدرسة الابتدائية – كانت أمي ترقبني و ليس لها من حيلة بمساعدتي، فهي و أبي رحمهما الله أميّان ، فتهرع إلى قرفوش الجَلّة لتشطره نصفين و تسكب بعض الكاز على أحدهما و تشعله لينير لنا الطريق الوعر والمظلم ؛،حيت لم تكن في بلدتنا طرق معبّدَة، ولم تكن الكهرباء قد حطّت رحالها عندنا بعد ….
تحمل الشعلة بيد ،وبالأخرى طاسة دبس العنب ،واتعلق بزنارها وأنا أضع دفاتري تحت إبطي فرحًا بالسهرة التي حصلت عليها دون ميعاد ..
و نذهب إلى بيت أحد الأقرباء ممن تعرف أن عندهم من هو أكبر مني، ويستطيع مساعدتي في دروسي
كان الحديث عما حدث معهم في الحصاد والبيدر يأخذ أمّي مع أهل البيت إلى عالم الماضي ،مما يعطيني فرصة لأن أغفو قليلا في المكان المحبب لي في قِرنة المنزل ،وهي الزاوية القريبة من جمر موقد الحطب ،وتحتي جلد الصوف ،وأشعر بالسعادة لحصولي على هذا المكان رغم منافسة أولاد البيت كوني أنا الضيف …
و في النصف الثاني من السهرة يتحول الحديث إلى سِيَر الأموات ،وتقول أمّي كان (حياة أبوي كذا و فعل كذا و كانت حياة مرة عمّي و قالت كذا) و يضحك الحضور كثيرًا على تلك الطرف البسيطة التي كانت تزيّن حياتهم ، و في آخر السهرة يعرجون على الأحداث المأساوية التي عاشوها و تنتهي السهرة ببعض دموع الذكريات ….
و عندما يحين الانصراف من السهرة ،كنت أتجاهل الأصوات التي تناديني ،وتطلب مني الاستيقاظ و أتمنى ان يتركوني على تلك الحال حتى الصباح ، و تحسب أمي أني أغطُّ في نوم عميق ، فتبادر إلى حملي على ظهرها بمساعدة أهل البيت ،وأنا الذي تجاوزت العاشرة من عمري لتسندني بيد، وتحمل بالثانية شعلة الضوء ذاتها ……
في رحمة الله …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى