بحوث ودراسات

‘‘جمهوريَّة كأنَّ’’: نموذج واقعي لتحقُّق أهداف الماسونيَّة 2من 5

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

نشطاء تيَّار الاشتراكيين الثَّوريين ودورهم في تصعيد الأحداث

يتسلَّط التَّركيز على جانب آخر من جوانب المرحلة المؤدّية إلى اندلاع انتفاضة يناير 2011م، وهي إهدار حقوق العمَّال على يد الشَّركات الاستثماريَّة الأجنبيَّة، ومطالَبة العمَّال بالخنوع، حفاظًا على مصدر عيشهم. وبطل هذا الجانب هو المهندس مازن، عضو حركة ‘‘كفاية’’ الثَّوريَّة، الَّذي يعمل في مصر يشتريه مستثمر إيطالي. وفي حوار للشَّاب مع مدير المصنع المصري، المدمن على الكحول والموالي للنّظام الحاكم، يطلب الأخير من الشَّاب إقناع العمَّال بالسُّكوت عن حقوقهم، على أساس أنَّ المستثمر الإيطالي مدعوم من النّظام. من جديد، يستخدم الأسواني أسلوبًا ملتويًا في الطَّعن في الإسلام، بزعم يشجّع على “طاعة الحاكم المسلم، حتَّى لو جَلَد ظهرك وسرق مالك”، على لسان مدير المصنع السّكّير (ص129). أمَّا ردُّ المهندس الشَّاب، فبرغم ما يبدو عليه من دفاع عن الإسلام، فهو يحمل في طيَّاته طعنًا مبطَّنًا في الإسلام بادّعاء أنَّه “كان أساسًا ثورة ضدَّ الظُّلم، ثمَّ تحوَّل إلى مؤسَّسة لها مصالح مرتبطة بنظام الحُكم” (ص129). يؤيّد المهندس مازن، نجل المناضل الاشتراكي الَّذي أمضى 10 سنوات من عمره خلف القضبان بسبب انتمائه السّياسي، إضراب العمَّال، ويطالب بالإفراج عن المعتقلين منهم، إلَّا أنَّه يعيب على العمَّال انعدام وعيهم السّياسي، وعدم انتفاضهم لإدانة قانون الطَّوارئ أو تزوير الانتخابات، بينما يثورون من أجل حقوقهم المادّيَّة. يؤكّد مازن أنَّ من واجبه وأمثاله “أن نشرح للنَّاس أنَّهم لم يحصلوا على عيشة كريمة إلَّا في دولة ديموقراطيَّة” (ص151).

 تبدأ أحداث انتفاضة يناير 2011م، وتعمُّ المظاهرات السّلميَّة محافظات مصر، ويبدأ نظام مبارك في إطلاق قنابل الغاز والرَّصاص الحيّ لتفريق المتظاهرين. يُبعد الأسواني فكرة أن يكون مدوّنو الإنترنت من المنتمين إلى الحركات الثَّوريَّة هم الَّذين أنجحوا المظاهرات في أوَّل أيَّامهم، إنَّما البسطاء من أبناء المناطق الفقيرة الَّذين وفدوا إلى الميادين دون استخدام لشبكة فيسبوك هم الَّذين أنجحوا المظاهرات بدعمهم للمدوّنين. يردّد الرُّوائي على ألسنة الشَّخصيَّات مآسي الشَّعب المصري، ما بين البطالة والظُّلم الاجتماعي والتَّهميش، ويجعل من إسقاط مبارك الحلَّ الوحيد لإنهاء مرحلة الظُّلم والاستبداد تلك، في ظلّ تصاعُد الشُّعور باليأس بين الشَّباب. يقول أحد المتظاهرين، وهو خرّيج كليَّة العلوم وعاطل عن العمل منذ تخرُّجه قبل 10 سنوات، “ما عنديش أمل في أيّ حاجة…لا زواج ولا عمل ولا سفر. أنا جيب الليلة وقدَّامي اختيارين: أشيل حسني مبارك أو أموت…أنا مش خايف من الموت. أنا ميّت فعلًا” (ص168). أمَّا عن موقف جماعة الإخوان، كما يعرضه الرُّوائي، فكان إدانة المظاهرات في بيان، معلنين غير مشاركة الجماعة، ولكن كان نظام مبارك يخشى من استغلال قيادات الجماعة للفوضى، إذا ما استمرَّت المظاهرات. ومن الأمور الشَّائكة الَّتي يثيرها الكاتب ادّعاء أنَّ وزارة الدَّاخليَّة في مصر هي الَّتي كانت وراء فتْح السُّجون والسَّماح بهروب الآلاف من المتَّهمين، لنشْر حالة من الرُّعب بين المواطنين، كما يقرُّ وزير الدَّاخليَّة في الرُّواية (ص177):

جدير بالإشارة أنَّ محمَّد مرسي وبعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين قد اتُهموا بتدبير اقتحام السُّجون في 28 يناير 2011م، بالاشتراك مع عناصر تخريبيَّة تنتمي إلى جماعات إرهابيَّة من خارج مصر، وأُشير حينها إلى عناصر من حركة حماس وحزب الله، كما نشَر موقع العربيَّة بتاريخ 29 يناير 2014م.

بينما يخطّط اللواء علواني لقمْع المتظاهرين السّلميين وإحداث فوضى في البلاد لوأد الانتفاضة، تتوجَّه ابنته دانية، طالبة الطّب، إلى ميدان التَّحرير للمشاركة في إسعاف المصابين من المتظاهرين في المستشفى الميداني الَّذي أقامه زملاؤها. شاركت ابنة اللواء في المظاهرات، بناءً على إلحاح من زميلها خالد، لكن يُقدَّر أن يُصاب الشَّاب برصاصة في جبهته ويسقط قتيلًا وهي تسير إلى جانبه.

مؤامرة نظام مبارك لإجهاض الانتفاضة

يتَّخذ عمَّال المصنع الَّذي كان يعمل به المهندس الثَّوري، عضو حركة ‘‘كفاية’’، موقفًا مؤيّدًا للانتفاضة، ولكن من دعا إلى الإضراب تضامنًا مع متظاهري التَّحرير، أُلقي القبض عليه، مع تهديد مدير المصنع السّكّير، الموالي لنظام مبارك، بالإبلاغ عن كلّ من يدعو إلى التَّظاهر. في حين بدأت زوجة المدير، الَّتي كانت تعمل مذيعة بالتّلفزيون المصري، تشنُّ حربًا إعلاميَّة، من خلال التَّنسيق مع مشاهير لإجراء مدخلات هاتفيَّة لسبّ المتظاهرين واتّهامهم بـ “العمالة للمخابرات الأجنبيَّة”؛ وكان من بين ضيوفها الشَّيخ شامل، الَّذي أفتى بأنَّ “هذه المظاهرات تُغضب الله ورسوله. الإسلام يفرض علينا طاعة وليّ الأمر، والاكتفاء بنصحه إذا خالَف الشَّرع”، معتبرًا أنَّ ما كان يحدث “مؤامرة ماسونيَّة دبَّرها اليهود”، وداعيًا المتظاهرين إلى العودة إلى بيوتهم (ص220):

يطمئن مدير المصنع زوجته المذيعة، الَّتي تخشى أن تعمَّ الفوضى البلاد إذا تنحَّى الرَّئيس، بقوله إنَّ كافَّة مؤسَّسات الدَّولة، ويقصد “أمن الدَّولة والمخابرات العامَّة والمخابرات الحربيَّة والشُّرطة والجيش والإعلام والقضاء”، ولاءها للنّظام، مؤكّدًا أنَّ “السُّلطة في مصر ممكن تفشل في أيّ شيء، إلَّا في إخضاع المصريين” (ص223). وفي تلك الأثناء، وبرغم تساقُط الشَّباب بعد إصابتهم بالرَّصاص الحيّ، كان ميدان التَّحرير يشهد غليانًا متصاعدًا ضدَّ النّظام، وكان تنظيم الشَّباب للاعتصام مذهلًا، حيث كان التَّنسيق متكاملًا لتوفير الأغذية، واستدعاء الأطبَّاء للمصابين، والإدلاء بالتَّصريحات للإعلام. يصف الأسواني ميدان التَّحرير بأنَّه “تحوَّل…إلى جمهوريَّة صغيرة مستقلَّة؛ أوَّل أرض مصريَّة يتمُّ تحريرها من حُكم الدّيكتاتور” (ص238). وكان من بين وسائل إنهاء الاعتصام توافُد شخصيَّات سياسيَّة وإعلاميَّة بارزة على الميدان لإقناع المعتصمين بسخف صنيعهم، وضرورة عودتهم إلى بيوتهم، ولكن لم يكن المعتصمون يعيرون هؤلاء اهتمامًا.

بعد فشل خطَّة الدَّفع ببعض المثقَّفين إلى الميدان لإقناع المعتصمين بضرورة فضّ الاعتصام، يستخدم النّظام حيلة جديدة، هي الزَّج ببلطجيَّة لمهاجمة الخيام وضرْب المعتصمين بالأسلحة البيضاء، وليس بالرَّصاص الحي هذه المرَّة. يحرّر الأسواني وثيقة اتّهام ضدَّ نظام مبارك على لسان المهندس مازن، الَّذي يعرف عن إصابته بعض المتظاهرين على يد البلطجيَّة، ومن بينهم أشرف ويصا، الَّذي يهاجمه هؤلاء في بيته، وهو مختلٍ بخادمته الَّتي تنزل معه إلى الميدان يوميًّا بعد أن خلعت حجابها (ص249):

ومن المفارقات أنَّ قوَّات الجيش المصري الَّتي تتولَّى تأمين مداخل ميدان التَّحرير لم تتدخَّل لإنقاذ المتظاهرين من البلطجيَّة، مبرّرين ذلك بأنَّهم لم يُعطوا أوامر للتَّدخُّل؛ ولم ينتفض للدّفاع عن المتظاهرين السّلميين سوى ضابط واحد، هو مسيحي، كما يشير اسمه. وبعد فشل مؤامرة استخدام البلطجيَّة لفضّ الاعتصام، يتَّبع رجال النّظام أسلوب الإقناع من جديد، من خلال تجنيد المشاهير، من فنانين ومشايخ ورياضيين وإعلاميين ورجال أعمال، للتَّصريح عبر وسائل الإعلام الرَّسميَّة بأنَّ تنحّي مبارك، الَّذي كان وشيكًا حينها، جاء نتيجة مخطَّط صهيوني لإحداث الفوضى في البلاد، كما يخبر اللواء علواني، رئيس الجهاز الأمني في البلاد، الحاضرين (ص260):

تآمر الإخوان على الانتفاضة في مقابل الوصول إلى السُّلطة

يتَّهم الأسواني جماعة الإخوان بالاشتراك في التَّآمر على الانتفاضة، بمشاركة مرشدها في اجتماع رئيس الجهاز الأمني بالشَّخصيَّات العامَّة في مصر للتَّخطيط لتقويض مكتسبات الانتفاضة. يستدعي اللواء علواني مرشد الجماعة ليطلب منه على انفراد إقناع الشَّعب بالموافقة على تعديل بعض موادّ الدُّستور بعد رحيل مبارك، بدلًا من كتابة دستور جديد، في مقابل تسهيل نجاح مرشَّحي الإخوان في الانتخابات البرلمانيَّة. يوافق المرشد، مذكّرًا اللواء بالتزام الجماعة في الماضي بما كانت تتعهَّد به للسُّلطة، بقوله “سيادتك عارف، إنّنا عمرنا ما اتَّفقنا معكم إلَّا والتزمنا بالاتّفاق”، في إشارة إلى تواطؤ الجماعة مع السُّلطة لخدمة مصالحها (ص263). يتفاجأ اللواء حينها بابنته، طالبة الطّب، تطلب منه أن يسمح لها بأن تشهد أمام النّيابة ضدّ ضابط شرطة قتَل زميلها أمام عينيها، بعد أن حرَّر والد خالد، وهو سائق المهندس عصام، مدير المصنع الَّذي كان يعمل به مازن، محضرًا ضدَّه. بالطَّبع، برفض اللواء، بحجَّة أنَّها بذلك تساعد “الخونة…الَّذين عملوا المظاهرات وشالوا الرَّئيس مبارك” وهدفهم “تدمير البلد والوصول للحُكم” (ص290). تفقد الفتاة، الَّتي تربَّت في أُسرة ظاهرها التَّديُّن، ثقتها في القيم الدّينيَّة الَّتي نشأت عليها، بعد إصرار والدها على كتمانها شهادة الحقّ.

تتطوَّر الأحداث، بعد ظهور شخصيَّة جديدة لرجل أعمال من الموالين للنّظام البائد، يُدعى محمَّد شنواني، يعمل في صناعة السّيراميك، ويُشاع أنَّه كوَّن ثروته من الاحتيال على زوجته الأجنبيَّة الثَّريَّة ومن تجارة المخدّرات ومن الاستيلاء على القروض من البنوك وأراضي الدَّولة، وأنَّه اتَّخذ من نشاطه التُّجاري ستارًا لغسل أرباح تجارته الممنوعة. بالإشارة إليه بلقب “الحاج” بعد استعراض ماضيه الملوَّث ومصادر ثروته غير المشروعة، يتعمَّد الأسواني من جديد وصْم المسلمين بالنّفاق والانتهازيَّة. يجنّد الحاج شنواني قناته الفضائيَّة للهجوم على الانتفاضة الشَّعبيَّة، ويستعين بالمذيعة، زوجة عصام، الَّتي تبدي استعدادها للتَّعاون، شريطةً أن يسمح لها الحاج بالظُّهور بالحجاب، الَّذي اضطُّرت إلى خلْعه عند التحاقها بالعمل في مبنى التّلفزيون. يتفنَّن الرُّوائي في إبراز مفاتن تلك المرأة وجاذبيَّتها، مع الإشارة إلى التزامها الدّيني بالصَّلاة وعدم مصافحة الرّجال وإنكارها على زوجها معاقرته للخمر. أمَّا عن حجَّة المذيعة في الهجوم على الانتفاضة ورموزها، فهي حُركة الخروج على الحاكم (ص299):

تبدُّد أحلام الإصلاح…واستمرار سياسة القمع

لم تدم فرحة الشَّعب طويلًا بعد رحيل مبارك عن السُّلطة؛ وما تردَّد عن تحسُّن الأوضاع وتغيرُّ أحوال المصريين ثبت زيفه مع الأيَّام. لم يسقط يوم 11 فبراير 2011م سوى رأس النّظام، ليبقى الفساد والقمع وتآمُر المستولين على أموال البلاد مع أصحاب المناصب على الشَّعب. لم تتغيَّر أوضاع العمَّال؛ ولم يُثأر للقتلى؛ ولم ينتهِ عهد التَّنكيل بالمعارضين. يوثّق الأسواني ما تعرَّض له بعض المعتصمين في ميدان التَّحرير في 9 مارس 2011م، بعد شهر واحد من تنحّي مبارك، على يد قوَّات الأمن المصريَّة، بالإشارة إلى ما أدلت به بعض المعتصمات من شهادة ضدَّ المجلس العسكري الحاكم للبلاد وقتها. ألقي القبض على المعتصمين الَّذين اعترضوا على استمرار رموز نظام مبارك في السُّلطة واتّباع نفس سياسة الحُكم، وتعرَّضوا إلى أشدّ أنواع التَّعذيب؛ ووصل الأمر إلى تجريد الفتيات من ملابسهن، وترك أجسادهن مكشوفة أمام الجميع، وإخضاعهنَّ لكشْف للعذريَّة (ص321):

لم يكن للمحقّقين، الَّذين كانوا لايزالون يضعون صورة الرَّئيس الأسبق، مبارك، في مكاتبهم، هدف سوى كسْر إرادة المتظاهرين وإثنائهم عن الثَّورة على الظُّلم. يوظّف الأسواني تلك الواقعة في الرُّواية، من خلال ربطها بالأحداث، وادّعاء تواصُل نشطاء سياسيين معارضين مع الفتيات اللاتي خضعن لكشْف للعذريَّة لرفع قضيَّة على المجلس العسكري، بعد فطن الجميع إلى حقيقة أنَّ الجيش لم يكن يدًا واحدة مع أفراد الشَّعب، كما كانت هتافات الميادين تُردّد. رفضت غالبيَّة الفتيات الانضمام إلى القضيَّة، يقينًا منهنَّ بأنَّ “البلد بلد الجيش، ولا أحد سيرجع لنا حقَّنا” (ص343). تتعهَّد النَّاشطة أسماء بالوقوع إلى جانب الفتيات حتَّى يتخلَّصن من الشُّعور بالعار وينتصرن على الهزيمة المعنويَّة.

يتفاجأ والد طالب الطّب، المقتول برصاصة اخترقت جبهته خلال المظاهرات، بالشَّيخ شامل يزوره في بيته ليقنعه بالتَّنازل عن القضيَّة الَّتي رفعها على ضابط الأمن القاتل. أمَّا عن المبرّر الشَّرعي الَّذي ساقه الشَّيخ، فهو أنَّ وليَّ الدّم يحقُّ له القصاص، فقط إذا كان على يقين بأنَّ القتل كان عمدًا؛ وله الحقّ في قبول الدّيَّة. وبما أنَّ الدّين يحضُّ على العفو عند المقدرة، فمن الأفضل له أن يتنازل عن القضيَّة في مقابل نصف مليون جنيه (ما يقارب 100 ألف دولار حينها). غير أنَّ والد القتيل رفَض وطرَد الشَّيخ والضَّابط المرافق له، ويحاول الضَّابط ضرْب الأب المكلوم، لكنَّ الشَّيخ شامل يمنعه.

في حين تبدأ المذيعة المحجَّبة حملتها لتشويه سمعة الانتفاضة الشَّعبيَّة، وتستضيف الشَّخصيَّات الأكاديميَّة للتَّنديد بما حدث، ليؤكّدوا جميعًا على أنَّ “الثَّورة في مصر لم تكن إلَّا مؤامرة موَّلتها وخطَّطت لها المخابرات الأمريكيَّة بالاشتراك مع المخابرات الإسرائيليَّة”، وأنَّ “ما يسمُّونها ثورة ما هي إلَّا مؤامرة حقيرة لتدمير بلدنا”، مع الإشارة إلى أدلَّة علميَّة تثبت ذلك (ص374). يتحدَّى الأسواني مقال صحيفة تليجراف البريطانيَّة، الَّذي في مقال نشرته في 28 يناير 2011م، تحت عنوان “احتجاجات مصر: دعْم أمريكا السّرّي لقادة المتمرّدين وراء الانتفاضة”، وأشارت فيه إلى تلقّي نشطاء الحركات التَّمرُّديَّة تدريبًا في صربيا على إشعال الثَّورات السّلميَّة، نقلًا عن وثائق للسَّفارة الأمريكيَّة تسرَّب إليها. يشير الأسواني إلى الحدث على أنَّه ضمن مخطَّط تشويه الثَّورة وتخوين رموزها. تستضيف المذيعة شابًّا يذكر أنَّه سافر إلى صربيا وإسرائيل، وتلقَّى التَّدريب على إحداث فوضى، وحصل على مبلغ مالي كبير، مضيفًا أنَّ “شباب الثَّورة” كان الواد منهم يحصل على ألف دولار في اليوم (ص376):

يؤرّخ الأسواني حدثًا واقعيًّا آخر ويدمجه في أحداث الرُّواية، وهو ما يُعرف إعلاميًّا باسم ‘‘مذبحة ماسبيرو’’ أو ‘‘الأحد الدَّامي’’. وقع ذلك الحدث يوم 9 أكتوبر 2011م، حينما خرج مسيحيون في مسيرة من أحد أحياء القاهرة ذات الأغلبيَّة المسيحيَّة إلى مبنى الإذاعة والتّلفزيون في منطقة ماسبيرو، المطلَّة على نهر النّيل، تنديدًا بهدم كنيسة في إحدى محافظات جنوب مصر بحجَّة أنَّها غير مرخَّصة. وبعد مناوشات بين المتظاهرين وقوَّات الأمن، استُخدمت القوَّة المفرطة، ممَّا أسفر عن مقتل العشرات وإصابة المئات، بعد دهْس المتجمهرين حينها بالمدرَّعات. ويوظّف الأسواني الواقعة، الَّتي تُستخدم في إثارة التَّعاطف مع المسيحيين وإثبات تعرُّضهم للقمع في مصر، في أحداث الرُّواية من أجل التَّنديد بممارسات المجلس العسكري ضدَّ المواطنين، من خلال الإشارة إلى اعتراف اللواء علواني، رئيس الجهاز الأمني، بأنَّ ما حدث كان بداية لحملة يشنُّها النّظام ضدَّ “المخرّبين” (ص416). خلال اجتماع له مع كبار شخصيَّات الدَّولة، من السّياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال، يطلب اللواء من الحاضرين أن يحمل الخطاب الموجَّه إلى الشَّعب إدانة للمشاركين في الانتفاضة، الَّذين لا بدَّ وأن “يفقدوا أيَّ مساندة من الشَّعب”، تمهيدًا للزَّجّ بهم في السُّجون. يحمّل الأسواني المجلس العسكري مسؤوليَّة أحداث ‘‘مذبحة ماسبيرو’’، ويندّد باستخدام المجلس العنف ضدَّ المسيحيين، على لسان المدرّسة أسماء، حيث تقول “كيف يصل الإجرام بالمجلس العسكري إلى أن يُصدر الأوامر بدهس الأقباط بالمدرَّعات؟! لماذا لم يكتفوا بقتلهم بالرَّصاص؟ هل تعمَّدوا ذلك من أجل ترويع الأقباط؟” (ص417-418). تشارك الفتاة الثَّوريَّة في الصَّلاة على قتلى الأحداث الدَّامية في الكاتدرائيَّة، وتندّد بهتاف مسلمين ضدَّ المسيحيين وتهديدهم بالموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى