..المخيمات والأبنية تقضمان ما تبقى من الأراضي الزراعية في المحرر !
محزن ما يحدث لأراضي الشمال بل هو مُفزع بكل المقاييس ، الزحف العمراني في سباق محموم مع المخيمات لإلتهام ما تبقى لدينا من أرض زراعية نعيش على ما تجود فيه …
رغم الكثافة السكانية الهائلة في الشمال الغربي من سوريا، اثرحملات التهجير القسري التي طالت معظم المناطق السورية و التي جمّعت الناس في الشمال ،و ندرة الأراضي الزراعية فيه بعد سيطرة قوات النظام على الأراضي الخصبة من ريفي حماه و ادلب، إلا أنّ الأراضي الزراعية تُقضم أمام مرأى المسؤولين عن المنطقة ..
أينما وجهتَ نظرك ترى الخيام في السهول وعلى ذرى الجبال ، بين الأشجار و فوق الهضاب ، حتى سكة القطار الوحيدة التي تعبر المحرر باتجاه الساحل لم تسلم من الخيام بل وجدها الناس ملائمة لبناء خيامهم بعد توقف القطارات منذ سنوات ..! إلى الجنوب من مدينة (الدانا ) الحدودية وعلى أرض زراعية خصبة انتشرت بعض المخيمات ، التقينا (أبوحمّاد )مدير أحد المخيمات و سألناه عن سبب اختيارهم لهذه الأرض عند انشاء المخيم ،تنهّد طويلا قبل أن يجيب :
” في ليلة شاتية نزحنا من ريف حلب الجنوبي قبل سنوات عدة في بعد أن فوجئنا بوصول قوات النظام إلى مشارف البلدة ، فررنا بأطفالنا و بما نلبس و تركنا خلفنا كل شيئ ، و حطت بنا الرحال هنا ، صاحب الأرض هذه ( جزاه الله خيرا ) أعطانا إياها مجانا لنقيم عليها و ما زلنا فيها” ..
التقينا خلال جولتنا في مخيمات (تل الكرامة ) أبا أحمد و هو مسؤول أحد المخيمات و سألناه عن سبب بقائهم في هذه الأرض الزراعية مع صعوبة التنقل في فصل الشتاء الذي نعيشه ، حتى أن صهريج الماء يقف بعيدا عن خيمهم و يقومون بتجميع الخراطيم و توصيلها مع بعضها لتصلَ لهم الماء ، أخبرنا أبو أحمد أنه راجع دائرة أملاك الدولة للحصول على أرض جبلية لنقل المخيم إليها فأخبروه عن تشكيل لجنة فنية ستعمل على فرز المنطقة الجبلية و تخصيصها للمخيمات و ذلك بغية عودة الأرض الزراعية ، و سألناه عن امكانية توفر الأموال اللازمة لنقل المخيم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون هذه الأيام فأجاب بأنّ بعض المنظمات الانسانية ستعمل على انشاء المخيم بعد فرشه و تجهيز بنيته التحتية ..
يُذكر أن المنظمات تنشئ في هذه الأيام عشرات الآلاف من الوحدات السكنية و تعمل على توزيعها على ساكني الخيام علُها تحفف عليهم مأساة المعيشة في الخيم .
عباس الكامل مهندس مساعد في الاشراف على انشاء المخيمات وعن دواعي استخدام الأراضي الزراعية في عمل المخيمات فأجاب :
(تآكل الأراضي الزراعية حدث بعد موجة النزوح الأخير من مناطق الريف الجنوبي لإدلب و الشمالي لحماه و الغربي لحلب و انحسار المناطق المحررة و ظهور العديد من المخيمات العشوائية و النظامية أصبح واضحا للعيان على حساب المباني التجارية و السكنية اضافة للمخيمات و هذا الأمر جدّ خطير و يؤدي إلى تناقص الإنتاج الزراعي من محاصيل شتوية و صيفية حتى أشجار الزيتون تناقص عددها مع مرور الزمن )..
و أكدّ الكامل على أن البناء في المناطق الجبلية أقل تكلفة من الأراضي الزراعية من حيث الكلفة الانشائية ،و يكون البناء محمي من العوامل الجوية و الفيضانات التي تحدث بالسهول و الأراضي الزراعية ،و يكون في مأمن من الهبوطات و الإنزلاقات و التصدّع للمبنى ..
و تمنّى المهندس المشرف من جميع الإدارات و المجالس المحلية و المنظمات العمل على انشاء مخيمات في المناطق الجبلية و تجهيزها بشكل جيد و نقل المخيمات العشوائية من الأراضي الزراعية إليها ..
سألنا عبد الله السليم و هو أحد المشرفين على مخيم مُقام في أرض زراعية قرب (سرمدا ) عن سبب أختيارهم هذه الأرض رغم قرب الجبل ، فأشار إلى سهولة بناء المخيم على الأرض الزراعية و خاصة في فترة النزوح الكبير حيث كنا بحاجة إلى السرعة لتجنيب الناس المبيت في العراء ، لأن المناطق الجبلية تحتاج إلى كلفة تأسيسية مرتفعة ناهيك عن الاجراءات الروتينية في العقود و روتين الدوائر الرسمية و هو الأمر الذي جعلنا نختار الحل الأسرع و الأرخص …!
المهندس جميل الخضر مسؤول سابق في دائرة أملاك الدولة و سألناه عن رؤيته للواقع الزراعي الحالي فأجاب :
(تدهورت الزراعة بعد تقلص المساحات الزراعية بشكل كبير مقارنة بعدد السكان و أمسى هناك تراجع كبير في القطاع الزراعي بشقيّه النباتي و الحيواني ، فإن كانت خسارتننا ٠٦% من الأراضي فخسارتنا من الثروة الحيوانية تزيد عن ٠٧% و هذا وبال على الأهالي ).
و أشار الخضر إلى استسهال الناس عمل المخيمات في الأراضي الزراعية و هو ما سبب انحسار المناطق في المناطق المزروعة رغم قرب المناطق الجبلية كما هو الحال في مناطق (سرمدا ،الدانا) ، بينما منطقة غصن الزيتون قد يكون الوضع مختلف قليلا بما يخص الأمور الزراعية لتوفر مساحات زراعية أوسع .
و عن الحلول المقترحة أكدّ الخضر على ضرورة البحث عن المحاصيل البديلة ،و أن نبتعد عن التفكير بالمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح و القطن و الشوندر السكري أو ما شابه لأن ذلك يحتاج معامل و القمح نستورده مطحونا و هو متوفر رغم غلائه إضافة إلى دعم المنظمات للنازحين ، و عليه يجب اللجوء إلى زراعات أخرى مثل محاصيل الخضار و الفواكه و الأشجار مثل التين التي فقدناها في مناطقنا حيث يمكن زراعتها في هذه المناطق الجبلية أو نصف الوعرة )..
و طالب الخضر من المنظمات التي كانت تدعم المشاريع الزراعية الصغيرة بمبالغ نقدية للحدائق المنزلية أو بالبذار و السماد حتى مساحة ٠٠١ متر مربع ينبغي أن تدعم في هذه الظروف حتى مساحة عشرة أمتار و لو كانت حول الخيم لزراعة خضار بسيطة مثل البقدونس و الفجل للحصول على الاكتفاء الذاتي ، و يمكن أيضا انتاج علائق ممتازة للأبقار و الأغنام من زراعة نبات سرخسي اسمه” الأزولا” ينبت على الماء و المستنقعات حيث يخلط مع التبن و بالتالي نستطيع الاستغناء عن الأعلاف المركزة ، و لزيادة البروتينات و العلائق الحيوانية بإضافة اليوريا للتبن أو ما يسمى معاملة الأتبان باليوريا حيث أثبت كل التجارب نجاح الفكرة و كانت النتائج جيدة جدا و أخيرا يجب الإتجاه نحو تطوير الانتاج الحيواني و الزراعي و التحول نحو الشعير و البرسيم كعلف عوضا عن القمح …
رئيس اتحاد العام للفلاحين الأسبق في محافظة ادلب أحمد العثمان قال لنا أن موضوع التعدي العمراني على الأراضي الزراعية خطير جدا و يجب استخدام و تنظيم الجبال للسكن ، كما يجب الضغط على الدول من أجل عودة المهجرين إلى قراهم ..
و بعد وضوح الخطر أليسَ من حق الأجيال الحفاظ على استمرارية توفر الغذاء و على حقوق أطفالنا المستقبلية كما يتوجب علينا تسليم الأرض لهم دون تشوه بيئي أو عجز في تأمين الغذاء فماذا نحن فاعلون ..؟