تحقيقات

..المخيمات والأبنية تقضمان ما تبقى من الأراضي الزراعية في المحرر !

فيصل عكلة

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب

محزن ما يحدث لأراضي الشمال بل هو مُفزع بكل المقاييس ، الزحف العمراني في سباق محموم مع المخيمات لإلتهام ما تبقى لدينا من أرض زراعية نعيش على ما تجود فيه …

رغم الكثافة السكانية الهائلة في الشمال الغربي من سوريا، اثرحملات التهجير القسري التي طالت معظم المناطق السورية و التي جمّعت الناس في الشمال ،و ندرة الأراضي الزراعية فيه بعد سيطرة قوات النظام على الأراضي الخصبة من ريفي حماه و ادلب، إلا أنّ الأراضي الزراعية تُقضم أمام مرأى المسؤولين عن المنطقة ..

أينما وجهتَ نظرك ترى الخيام في السهول وعلى ذرى الجبال ، بين الأشجار و فوق الهضاب ، حتى سكة القطار الوحيدة التي تعبر المحرر باتجاه الساحل لم تسلم من الخيام بل وجدها الناس ملائمة لبناء خيامهم بعد توقف القطارات منذ سنوات ..! إلى الجنوب من مدينة (الدانا ) الحدودية وعلى أرض زراعية خصبة انتشرت بعض المخيمات ، التقينا (أبوحمّاد )مدير أحد المخيمات و سألناه عن سبب اختيارهم لهذه الأرض عند انشاء المخيم ،تنهّد طويلا قبل أن يجيب :

” في ليلة شاتية نزحنا من ريف حلب الجنوبي قبل سنوات عدة في بعد أن فوجئنا بوصول قوات النظام إلى مشارف البلدة ، فررنا بأطفالنا و بما نلبس و تركنا خلفنا كل شيئ ، و حطت بنا الرحال هنا ، صاحب الأرض هذه ( جزاه الله خيرا ) أعطانا إياها مجانا لنقيم عليها و ما زلنا فيها” ..

التقينا خلال جولتنا في مخيمات (تل الكرامة ) أبا أحمد و هو مسؤول أحد المخيمات و سألناه عن سبب بقائهم في هذه الأرض الزراعية مع صعوبة التنقل في فصل الشتاء الذي نعيشه ، حتى أن صهريج الماء يقف بعيدا عن خيمهم و يقومون بتجميع الخراطيم و توصيلها مع بعضها لتصلَ لهم الماء ، أخبرنا أبو أحمد أنه راجع دائرة أملاك الدولة للحصول على أرض جبلية لنقل المخيم إليها فأخبروه عن تشكيل لجنة فنية ستعمل على فرز المنطقة الجبلية و تخصيصها للمخيمات و ذلك بغية عودة الأرض الزراعية ، و سألناه عن امكانية توفر الأموال اللازمة لنقل المخيم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون هذه الأيام فأجاب بأنّ بعض المنظمات الانسانية ستعمل على انشاء المخيم بعد فرشه و تجهيز بنيته التحتية ..

يُذكر أن المنظمات تنشئ في هذه الأيام عشرات الآلاف من الوحدات السكنية و تعمل على توزيعها على ساكني الخيام علُها تحفف عليهم مأساة المعيشة في الخيم .

عباس الكامل مهندس مساعد في الاشراف على انشاء المخيمات وعن دواعي استخدام الأراضي الزراعية في عمل المخيمات فأجاب :

(تآكل الأراضي الزراعية حدث بعد موجة النزوح الأخير من مناطق الريف الجنوبي لإدلب و الشمالي لحماه و الغربي لحلب و انحسار المناطق المحررة و ظهور العديد من المخيمات العشوائية و النظامية أصبح واضحا للعيان على حساب المباني التجارية و السكنية اضافة للمخيمات و هذا الأمر جدّ خطير و يؤدي إلى تناقص الإنتاج الزراعي من محاصيل شتوية و صيفية حتى أشجار الزيتون تناقص عددها مع مرور الزمن )..

و أكدّ الكامل على أن البناء في المناطق الجبلية أقل تكلفة من الأراضي الزراعية من حيث الكلفة الانشائية ،و يكون البناء محمي من العوامل الجوية و الفيضانات التي تحدث بالسهول و الأراضي الزراعية ،و يكون في مأمن من الهبوطات و الإنزلاقات و التصدّع للمبنى ..

و تمنّى المهندس المشرف من جميع الإدارات و المجالس المحلية و المنظمات العمل على انشاء مخيمات في المناطق الجبلية و تجهيزها بشكل جيد و نقل المخيمات العشوائية من الأراضي الزراعية إليها ..

سألنا عبد الله السليم و هو أحد المشرفين على مخيم مُقام في أرض زراعية قرب (سرمدا ) عن سبب أختيارهم هذه الأرض رغم قرب الجبل ، فأشار إلى سهولة بناء المخيم على الأرض الزراعية و خاصة في فترة النزوح الكبير حيث كنا بحاجة إلى السرعة لتجنيب الناس المبيت في العراء ، لأن المناطق الجبلية تحتاج إلى كلفة تأسيسية مرتفعة ناهيك عن الاجراءات الروتينية في العقود و روتين الدوائر الرسمية و هو الأمر الذي جعلنا نختار الحل الأسرع و الأرخص …!

 المهندس جميل الخضر مسؤول سابق في دائرة أملاك الدولة و سألناه عن رؤيته للواقع الزراعي الحالي فأجاب :

(تدهورت الزراعة بعد تقلص المساحات الزراعية بشكل كبير مقارنة بعدد السكان و أمسى هناك تراجع كبير في القطاع الزراعي بشقيّه النباتي و الحيواني ، فإن كانت خسارتننا ٠٦%  من الأراضي فخسارتنا من الثروة الحيوانية تزيد عن ٠٧% و هذا وبال على الأهالي ).

و أشار الخضر إلى استسهال الناس عمل المخيمات في الأراضي الزراعية و هو ما سبب انحسار المناطق في المناطق المزروعة رغم قرب المناطق الجبلية كما هو الحال في مناطق (سرمدا ،الدانا) ، بينما منطقة غصن الزيتون قد يكون الوضع مختلف قليلا بما يخص الأمور الزراعية لتوفر مساحات زراعية أوسع .

و عن الحلول المقترحة أكدّ الخضر على ضرورة البحث عن المحاصيل البديلة ،و أن نبتعد عن التفكير بالمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح و القطن و الشوندر السكري أو ما شابه لأن ذلك يحتاج معامل و القمح نستورده مطحونا و هو متوفر رغم غلائه إضافة إلى دعم المنظمات للنازحين ، و عليه يجب اللجوء إلى زراعات أخرى مثل محاصيل الخضار و الفواكه و الأشجار مثل التين التي فقدناها في مناطقنا حيث يمكن زراعتها في هذه المناطق الجبلية أو نصف الوعرة )..

و طالب الخضر من المنظمات التي كانت تدعم المشاريع الزراعية الصغيرة بمبالغ نقدية للحدائق المنزلية أو بالبذار و السماد حتى مساحة ٠٠١ متر مربع ينبغي أن تدعم في هذه الظروف حتى مساحة عشرة أمتار و لو كانت حول الخيم لزراعة خضار بسيطة مثل البقدونس و الفجل للحصول على الاكتفاء الذاتي ، و يمكن أيضا انتاج علائق ممتازة للأبقار و الأغنام من زراعة نبات سرخسي اسمه” الأزولا” ينبت على الماء و المستنقعات حيث يخلط مع التبن و بالتالي نستطيع الاستغناء عن الأعلاف المركزة ، و لزيادة البروتينات و العلائق الحيوانية بإضافة اليوريا للتبن أو ما يسمى معاملة الأتبان باليوريا حيث أثبت كل التجارب نجاح الفكرة و كانت النتائج جيدة جدا و أخيرا يجب الإتجاه نحو تطوير الانتاج الحيواني و الزراعي و التحول نحو الشعير و البرسيم كعلف عوضا عن القمح …

رئيس اتحاد العام للفلاحين الأسبق في محافظة ادلب أحمد العثمان قال لنا أن موضوع التعدي العمراني على الأراضي الزراعية خطير جدا و يجب استخدام و تنظيم الجبال للسكن ، كما يجب الضغط على الدول من أجل عودة المهجرين إلى قراهم ..

و بعد وضوح الخطر أليسَ من حق الأجيال الحفاظ على استمرارية توفر الغذاء و على حقوق أطفالنا المستقبلية كما يتوجب علينا تسليم الأرض لهم دون تشوه بيئي أو عجز في تأمين الغذاء فماذا نحن فاعلون ..؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى