دين ودنيا

حكم عقد النكاح عبر وسائل التواصل الاجتماعي في زمان (كورونا) وغيره

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب

      للزواج أركان وشروط لا بد من توافرها، وقد تحدث الفقهاء عنها قديما على خلاف في التفصيلات، ومما تحدث عنه الفقهاء: (الإيجاب والقبول، وإذن ولي الزوجة، وحضور شاهدي عدل[1]). 

      وهناك بعض الوسائل الحديثة جدّت لم تكن في القديم، منها: المكتوب كالفاكس، والمسموع كالهاتف، والمرئي كبرامج المحادثة (الشات)، فما حكم عقد النكاح عبر هذه الوسائل سواء في (كورونا) أم في غيرها؟ 

والحكم سأبينه على هذا النحو: 

أولا: عقد النكاح عن طريق وسائل الاتصال المكتوبة: 

      المقصود بالوسائل المكتوبة: ويقصد بالمكتوبة ما كان خطيا في حضور الرجل والمرأة والولي والشهود، وفي عصرنا جدّ من ذلك وسائل أخرى، مثل:

  1. الفاكس. 
  2. التليكس. 
  3. البريد الالكتروني. 
  4. الرسائل المكتوبة عبر الهاتف سواء كانت رسالة نصية أم من خلال البرامج الأخرى مثل: (واتس – فيبر- ماسنجر- تليجرام…). 

الحكم الشرعي: وجمهور الفقهاء على عدم صحة عقد النكاح كتابة، جاء في (الموسوعة الفقهية): واستثنى جمهور الفقهاء من صحة التصرفات بالكتابة عقد النكاح فلا ينعقد بالكتابة عند المالكية والشافعية والحنابلة، بل إن المالكية يقولون: إن النكاح يفسخ مطلقا، قبل الدخول وبعده، وإن طال، كما لو اختل ركن كما لو زوجت المرأة نفسها بلا ولي أو لم تقع الصيغة بقول بل بكتابة أو إشارة أو بقول غير معتبر شرعا[2]. أما الحنفية فإن النكاح ينعقد عندهم بالكتابة كسائر العقود[3].

والصحيح ما ذهب إليه الجمهور، فلا يصح العقد كتابة إلا للعاجز عن النطق كالأخرس. 

وإذا كان العقد فاسدا -كما هو قول الجمهور- سواء كان ذلك في مجلس العقد، أم كان مراسلة، فإن استخدام الوسائل المعاصرة غير جائز من باب أولى، وذلك لما يلي: 

  1. عدم اتحاد المجلس، لأنه يتم في مكان غير المكان. 
  2. أن هذه الوسائل يمكن التلاعب فيها. 
  3. عقود النكاح لها من الخطورة ما ليس لغيرها، لأنها تتعلق بالنسب والعرض، حيث تملك المرأة نفسها للزوج. 
  4. يمكن الاستعاضة عن ذلك بتوكيل أحد الأفراد ليقوم بالعقد. 
  5. ويكون المنع هنا من باب سدّ الذرائع. 

ثانيا: عقد النكاح عن طريق وسائل الاتصال المسموعة: 

المقصود بالوسائل المسموعة: وأعني به الهاتف، وما حل محله، وهو كل شيء استغني فيه عن الكتابة ولم تكن الصورة حاضرة، ومن ذلك برامج وسائل التواصل الاجتماعي مثل: (واتس – فيبر- ماسنجر- تليجرام…).

الحكم الشرعي: ذهب بعض المعاصرين إلى جواز عقد النكاح عن طريق الهاتف -وما يحل محله- وممن قال بذلك: مصطفى الزرقا، ووهبة الزحيلي[4]، وهؤلاء يعتبرون ذلك الهاتف يقوم مقام الرسول، وهذا قياس مع الفارق. 

وجمهور الفقهاء المعاصرين على منع هذا النوع من طرق عقد النكاح، وقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي قرارا بذلك[5]

الراجح: والذي أراه راجحا هو عدم جواز عقد النكاح عن طريق الوسائل الصوتية، وهو قول الجمهور -كما سبق-، وفي هذه الحالة يمكن التوكيل من قبل الزوج لأحد المقيمين في بلد الزوجة، ويتم العقد وكالة لا صوتا. والقول بالمنع للأسباب التالية: 

  1. الأصل في عقود النكاح المباشرة لا المراسلة. 
  2. عدم اتحاد المجلس، إذ قد يكون بين الأطراف مسافات تصل أحيانا إلى آلاف الكيلومترات. 
  3. إمكانية تقليد ومحاكة الأصوات، وكم من أناس لديهم القدرة على ذلك ببراعة. 
  4. إمكانية التلاعب من خلال التكنولوجيا والبرامج الحديثة من مضاهاة الأصوات وتقليدها. 
  5. عدم القدرة على معرفة العاقدين من قبل الشهود، خصوصا وأن الشهود في كثير من الأوقات لا يكونون على سابق معرفة بأحد العاقدين أو كليهما. 

ثالثا: عقد النكاح عن طريق وسائل الاتصال المرئية: 

المقصود بالوسائل المرئية: ويقصد بالوسائل المرئية ما كان من الوسائل جامعا للصوت والصورة، كالهاتف ذي الكاميرا، ومن ذلك برامج التواصل الاجتماعي التي تستخدم فيها الكاميرا مع الصوت مثل: (واتس – فيبر- ماسنجر- تليجرام…). 

الحكم الشرعي: والحكم الشرعي هنا كسابقه، حيث يرى الحرمة من حرّم العقد من خلال الصوت فقط، وأباحه من أباح عقد النكاح من خلال الوسائل الصوتية. 

الراجح: الأسباب والشروط: 

والذي أراه راجحا جواز عقد النكاح من خلال وسائل التواصل الاجتماعية التي تجمع بين الصوت والصورة، وذلك للأسباب التالية: 

  1. إمكانية التحقق من الشخص من خلال الصوت والصورة، إذ يصعب الغش في هذه الحالة. 
  2. تباعد الديار وصعوبة الظروف عند بعض الناس، كما في الدول المحاصرة، وكما في الأوبئة، ونحن نعيش (كورونا) الآن. 

شروط مهمة يجب توافرها: 

      وفي هذه الحالة لا بد من توافر عدد من الشروط، وهي: 

  1. حضور الولي والشاهدين في هذا العقد، وإن زيد في الشهود فلا بأس. 
  2. التأكد من شخصية الزوجين بالمعرفة وسماع الأصوات وظهور الصورة. 
  3. أن يكون ذلك في مجلس واحد دون انقطاع، فلو انقطع (خط الهاتف) أو (البث) وجب البدء من جديد، حتى يسمع الطرفان بعضهما في وقت واحد. 
  4. احتفاظ كل طرف من هذا الحوار الدائر بينهم على (خط الهاتف) أو (البث). 
  5. أن يكون ذلك عبر الطرق القانونية والرسمية للبلاد (المأذون في البلاد الإسلامية- الإمام في الغرب). 
  6. أن يوثق هذا في الدوائر الرسمية في البلاد، حتى يضمن كل طرف حقوقه. 

المراجع:


[1]للمزيد يراجع: الموسوعة الفقهية الكويتية (41/ 303). 

[2]للمزيد يراجع: الموسوعة الفقهية الكويتية (28/ 160). 

[3]للمزيد يراجع: المرجع السابق. 

[4]راجع: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (2/ 886 وما بعدها). 

[5]جاء في قرارات المجمع: إن القواعد السابقة -التي يجوز فيها استخدام وسائل التواصل- لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.  للمزيد يراجع: ( www.iifa-aifi.org/ar/1789.html). 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى