مقالات

بين الثورة والانقلاب

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب

بعد استقلال الدول العربية من نير الاستعمار الأجنبي الذي ما كان له أن يتحقق لولا التضحيات الجسام، والكفاح، بجناحيه السلمي ،والمسلح الذي قامت به الشعوب، ودفعت في سبيله الغالي والنفيس.

وعقب هذا الاستقلال استبشرت الشعوب العربية بمستقبل مشرق، ومضيء يعوّضها عن حياة الذلّ، والعبودية التي رزحت تحتها حيناً من الدهر، على يد قادة عرب يُفترض أنهم ، من جلدتها، وسيقودونها إلى بر الأمان، ويصونون الأرض والعرض، ويقيمون العدالة بين الناس، لكن الفرحة لم تكتمل لدى الشعوب بعد طرد المستعمر، لقد تبين أنّ القادة الذين استلموا مقاليد الحكم هم أشد شراً من المستعمر، فقد ظلموا، وطغوا، واستبدوا، وحكموا بالحديد والنار، حتى ضاقت بظلمهم الشعوب، ونفد صبرها، ثم أزمعت على خلعهم عبر الاعتصامات، والانتفاضات، والثورات.

وقد بدأت إرهاصات الثورات من تونس حيث انتفض الشعب، وهبّ، وأجبر الديكتاتور الظالم على الفرار، ثم تتالت الثورات في الدول العربية تباعاً – لأن الجرح واحد والهم واحد والمعاناة واحدة – فُقتل القذافي الذي رفض التنحي ، ومن ثم خُلع ديكتاتور مصر الذي جثم على صدور الشعب قرابة ثلاثة عقود، ثم أبعد علي عبدالله صالح في اليمن، وطُرد من سدة الحكم ،ثم كان مصيره القتل، وفي سورية، تعثرت الثورة، وأعمل بشار آلة القتل، والسحل، والاعتقال في الشعب السوري دون تمييز بين طفل ،أو امرأة، أو شيخ.

وبعد هبوب رياح هذه الثورات شعر الغرب، وإسرائيل، والدول الخليجية بأن الحكام القادمين إذا ما نجحوا بالعملية الديمقراطية، واختارهم الشعب عبر صناديق الاقتراع، فإن هذا سيهدد المصالح الغربية ،والإسرائيلية ،وسيهدد أيضاً كراسي الملوك، والأمراء في الخليج ،مما دفع هذا المحور للتحالف من أجل إحباط الثورات، وتحويلها إلى انقلابات، وإلى حروب أهلية ،وطائفية، وقبلية، وقد نجحوا – للأسف – إلى حدٍّ ما بهذا المسعى الآثم.

والآن لابد لنا من الوقوف عند المصطلحات التي تختلط على البعض ويحاول الغرب، وأذنابه من الدولة العميقة أن يضللوا بها الناس، ويدلسوا عليهم، فيخلطون بين الثورات التي يُطرب لسماعها كل الشعوب، والتي كانت وراء نهضة الغرب، وتقدمه وديمقراطيته، وبين الانقلاب الذي تشمئز لسماعه الآذان ويكدر القلوب؛ لأنه السبب الرئيس في مأساة الشعوب وتخلفها.

ماهي الثورة؟

يُعرّف صموئيل هنتنغتون الثورة، بأنها تغيير داخلي وعنيف وسريع في نظام القيم السائد والمؤسسات السياسية، والأبنية الاجتماعية والنشاط الحكومي والقيادات.

ومن تعريفات الثورة: فما الثورة في الواقع إلا (المولد) التي تتم على يديه ولادة نظام جديد، أو هي بالأحرى (العملية القيصرية) التي تتم بها ولادة معسرة كان يجب أن تتم بصورة اعتيادية، ولادة نظام تحمله أحشاء النظام القديم وبهذه الولادة يسترجع التطور سيره الطبيعي، فالثورة ليست النهج العكسي للتطور، بل إنها الانتفاضة المؤقتة الموضعية التي تدفع بالتطور نحو مستوى يتساوى فيه المجتمع المتخلف بالمجتمعات التي كيفها التطور العام، فهي في صميم التطور والسلاح الذي بواسطته يجابه التطور بالمقاومة الرجعية أو المحافظة، عندما تتخطى هذه المقاومة حدود الشرعية والعدالة، أي عندما تصبح المقاومة محافظة على المصالح الآنية، وتحدياً لمنطق التاريخ.

إن أية ثورة هي ظاهرة ضرورية محتومة لا رجعة فيها.

ويمكن تأخيرها وتأجيلها ووقف تقدمها، ولكنها ستتطور حتماً، إن عاجلاً أو آجلاً، ولن تستطيع أية قوة في العالم أن تدرأها.

أما الانقلاب: فيعرفه فاينرا:  بأنه الإحلال القسري أو الجبري للمدنيين شاغلي السلطة بعناصر أخرى من القوات المسلحة.

      ويعرفه رابا بورت بأنه: حركة غير متوقعة، مفاجئة، خادعة، عنيفة، وغير شرعية، خطيرة بالنسبة للمتآمرين تماماً كما بالنسبة للضحايا الذين تستهدفهم الحركة، وهي من جانب العسكريين وتحتاج إلى مهارة عالية في التنفيذ وتستهدف تغيير الحكومة.

وعرفه جون كنيدي: بأنه الحكومة العسكرية التي تأتي إلى السلطة بوسائل غير دستورية وغير شرعية.

وعرفه وليام توبسون: بأنه إزالة أو محاولة إزالة الحاكم رئيس الدولة بالقوات المسلحة من خلال استخدام أو التهديد باستخدام القوة.

وقدم آلان ويلز تعريفاً له قائلاً: هو الاستيلاء القسري على الجهاز الحكومي في الدولة من جانب العسكريين,

وعرفه روزمري أوكان: بأنه استراتيجية خاصة للإطاحة بنظام الحكم القائم، جوهرها الهجوم المفاجئ غير المتوقع على مركز الحكومة أو قلب الإدارة الحكومية عن طريق مجموعة من المتآمرين العسكريين من داخل الجهاز الحكومي وباستخدام أو التهديد بالعنف.

وعرفه خوندكر: بأنه محاولة من جانب مجموعة من أعضاء، أو فروع القوات المسلحة لتحقيق سيطرة مباشرة على السلطة السياسية بغية تحقيق أهداف تتجاوز المصالح العسكرية لها انعكاسات بعيدة المدى للسياسات الداخلية وأحياناً الدولية.

مما تقدم يتبين لنا جلياً الفرق الشاسع بين الانقلاب والثورة، فهما يكادان يكونان على طرفي نقيض.

فالثورة يحركها ،وينميها، ويرعاها، ويتبناها، ويضحي من أجلها الشعب.

أما الانقلاب فيقوم به ثلة شهوانية تفوح منها رائحة الحب للسلطة والمنصب، والمال على حساب القيم، والأخلاق والمبادئ.

الثورة تنشد الحرية والعدالة والمساواة بين أطياف الشعب كافة.

بينما الانقلاب ينشد القمع، والقتل، والرعب ،والرهاب للشعب,

الثورة تنشد الحضارة ،والسلم، والحب، والمودة، والتآلف.

والانقلاب ينشد التباغض، والتنافر، والصراع ،والصدام، والفتنة، وشق صف الشعب، وتحويله إلى فئات متناحرة تجعل البلاد في سبات، بل تعيده إلى الخلف، وتجعله من الدول البدائية التي تحاكي حكام الرومان المستبدين في غابر الزمان.

وباختصار الثورات هي خيار الشعوب، وآمالها، وأحلامها التي طالما راودتها حيناً من الدهر، إلى أن يؤتى أكلها، وهي التي جعلت الدول الأوربية ،والولايات المتحدة في مقدمة الدول العالمية – حضارة، ورفاهية وتطوراً، ومحافظة على حقوق الإنسان_

والانقلاب، والانقلابيون هم أعداء الشعوب،  وهم ثلة تعمل على إشباع شهواتها، وغرائزها ، ولو تطلب ذلك التحالف مع الشياطين.

والدول التي تعيش تحت رزح الانقلاب تعاني من كافة الأمراض، الفقر، والجهل، والتخلف، والظلم… 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى