مقالات

انتخابات الدم !

حسام نجار

كاتب صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

للوهلة الأولى يعتقد الفرد عند الحديث عن أي انتخابات ما أنها عملية ديمقراطية واضحة المعالم والأركان، كما يظن القارئ أن هناك هيئات ومنظمات ومجموعات تدير تلك العملية وفق قواعد وأسس مستمدة من الدستور وتعبر عن ضمير الشعب وحاجاته.

فقد سبق اختراع تلك الألية والتي تعني حكم الشعب نفسه بنفسه ولنفسه حروب متنوعة سيطرت خلالها أفكار الاستبداد والتبعية والعبودية على الحكام والشعب على حد سواء فلم يستطع الحكام التخلي عن سيطرتهم وتملكهم كما لم يستطع العبيد والشعب كذلك من فرض رؤيته وحقه في الحياة كالحكام.

لقد تم اتباع أنماط عديدة ووسائل متنوعة خلصت في النهاية للوصول لشكل من أشكال قيام الشعب باختيار ممثليه وحكامه وجعلت هؤلاء الممثلين والحكام عرضة للمساءلة بل قد يصل الموضوع للسجن عندما يتم الإخلال بالمهام التي وضعوا فيها.

إن مصالح الشعب مرهونة بالدولة فلا مجال للحرية الفردية لو كانت تضر بالمجتمع والدولة، ولا حرية للدولة على حساب مصالح الأفراد، فالتوكيل الذي يمنحه الشعب للمثلين او الحكام ليس صكاً دائماً ولا مشروع عبودية أزلية، إن هذا التوكيل ينتهي خلال مدته المفروضة والمحددة بالدستور.

لكن ومن خلال انتفاع الكثيرون وتحقيق مصالحهم على حساب الأخرين وتمسكهم بتلك المصالح وربطها بالحكام وأمور الدولة أصبح هناك انتقاص كبير لقيم الديمقراطية بل يصل لحد الإلغاء التام لها.

لا يوجد حاكم دائم ولا قائد ملهم ولا زعيم أبدي فكلها أمور نسبية مرتبطة بشرائح المجتمع ومرتبطة بما حققه هذا الحاكم لدولته ومجتمعه من نفع وتقدم وتطور في كل المجالات، ومقياس الأمم في التطور ما تقدمه للبشرية من نفع عام.

إن الحاكمية لا تكون بالتسلط ولا تأتي من خلال القوة العسكرية ولا ينبع بقاؤها من خلال عبودية الأفراد لها، إن الحاكمية المطلقة خيار الضعفاء وسبب رئيس لتدهور النجاح وخلق الكوتات (مجموعات منتفعة) وهي ألية مرفوضة مدانة.

إن تداول السلطة وفق الصناديق الانتخابية الحقيقية والصحيحة تعبير واضح وجلي عن خيارات الشعب، ولا يمكن لهذا التداول ان يتم إلا في ظل احترام الدستور من قِبل الجميع حاكم ومحكوم، عام ومسؤول.

والتفاف الحاكم وزبانيته على نصوص الدستور وقواعده تتيح لهم التحريف والتأويل كما يشاؤون خدمة لمصالحهم وتوفيقاً لحاجاتهم ضاربين بعرض الحائط برغبات وأماني الشعب وعيشه الكريم.

أكثر ما نلاحظ هذا الأمر في الدول النامية والتي يعتقد فيها الحاكم أنه الرب الأعلى وأنه سبب النهوض وليس السقوط، سبب الدواء وليس سبب البلاء، سبب النجاح وليس الفشل.

ولا حاجة لضرب الأمثلة فالجميع يعرف هؤلاء السارقون الذين أتوا للحكم من خلال الدعس على كل الرغبات والآمال والأحلام للشعوب.

لكن من أهم أساليب التلاعب بالدستور وقواعده ما عمل عليه أسد الكبير وسماه الاستفتاء فلم يكن بحاجة لعملية انتخابية حقيقية ولم يكن يبحث عن نسبة الصناديق بل خلق بهذا ومن خلال ألته الإعلامية وأجهزته الأمنية قاعدة الموافقة الجبرية ومن خلال سرقته مقدرات الدولة استطاع تطويع الكثيرين معه بالترهيب او الترغيب.

لقد ابتدع صيغة الأبدية ورسخ القواعد الأمنية وثبط حلم الأكثرية، بالطبع لم يكن وحيداً في هذا بل ساعده وعاونه الخارج والداخل من خلال فئات نفعية تسلطية همها الاستفادة ومص دماء الشعب.

هؤلاء هم أنفسهم سهلوا للولد القاصر استلام مكان أبيه، تلاعبوا بالدستور واختلقوا الأكاذيب، وخان ممثلي الشعب الصوريون ثقة الشعب بهم، فهؤلاء الممثلون الصوريون خلقت منهم الأجهزة الأمنية أشخاصاً وهم بالأصل توابع وأقزام. إن وجود هذا الولد القاصر كحاكم مستبد استباح البلاد والعباد من خلال جيش تم دعمه من الشعب هو أكبر مثال على الحاكمية المطلقة الغبية التي تعتقد انها ما زالت في العصور الحجرية لها كل الحق بما تفعله بتلك الشعوب.

فهم يتحدثون عن انتخابات ستجري ؛ ماذا تقول: انتخابات؟ أجل انتخابات ،إنها انتخابات الدم !التي تقوم على قتل الشعب ليس محبة بالكرسي والتاج فقط بل محبة القتل نفسه، فهل يغير وجود مرشحين خلبيين هذا الواقع؟ وهل نجاح الطاغية دليلُ على محبة الشعب له؟ لقد مارس هذا الطاغية وزبانيته أبشع صنوف القتل والتعذيب والهدم فهل سيجلس على تلة الدمار مرة أخرى؟ وهل تلك الجموع في الداخل ما زالت تؤمن أنه قائد المسيرة وانه رجل الانفتاح وعامل النجاح، أم أنها مجرد رقم في نسبته المئوية للتربع على العرش؟

إسقاط هذا المختل يبدأ من الداخل من ابتعاد الشعب عنه والعودة بالثورة لسيرتها الأولى.

لا بدّ من تضافر كل الجهود والإمكانيات لإسقاط الولد القاصر ومحاكمته على ما اقترفت يداه من قتل وتدمير، إن انتخابات الدم تلك ما هي إلا تعبير عن صلف النظام وعناده وقذارة عناصره، فيجب إنهاء سرقته للبلد هو وكل من سانده من ميليشيات طائفية وقوى عالمية استباحت الدم السوري والأرض السورية.

ولا يمكن لبلد بعراقة سورية أن يتطور ويكون ذا نفع عام للبشرية جمعاء بوجود هذه الثلة المارقة، ولا يمكن أن تعبر تلك الانتخابات عن روح ووجدان الشعب الأصيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى