حقوق وحريات

رشيد ياسر سلوم ومكافحة الإفلات من العقاب عن الجرائم الدولية فى سوريا

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

بناء على ما نشره الإعلامي الدكتور فيصل القاسم حول المجرم رشيد ياسر سلوم المرتكب لجرائم ضد الإنسانية والمتواجد على الأراضي الإسبانية بجواز سفر إفريقي مزوّر حصل عليه من قبل عصابة حزب الله ، فإنني أعلن أنا المحامي والخبير بالقانون الدولي د. السيد مصطفى أبو الخير أنني أضع كل إمكاناتي وخبرتي القانونية في خدمة السوريين في ملاحقة مجرمي الحرب بكافة الوسائل القانونية المتاحة .

 كعادة الطغاة دائمًا يتم الاستعانة بعدد من الشبيحة معدومى الضمير والإنسانية، ينفذون لهم مخططاتهم الخبيثة الدموية، التى تعمل بدون كلل أو ملل، على إرهاب الشعب حتى لو وصل الأمر إلى القتل وإشاعة الخوف والرعب بين الناس لحماية الطغاة، وقد لا يكتفون بذلك بل يتم الاستعانة بألد أعداء الوطن لحماية الطغاة ولاستمرارهم على كراسة الحكم مهما كانت التكلفة من خراب الوطن وتدميره وتدمير مقدراته ،وارتكاب كافة الجرائم الدولية بل أحدثوا جرائم جديدة تندى لها جبيل البشرية وتتبرأ منها حتى الحيوانات المفترسة فى الغابات، ذلك ما حدث فى سوريا، حيث ارتكب النظام غير الشرعى فيها، كافة الجرائم الدولية الورادة فى المواد من الخامسة إلى الثامنة مكرر بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية، بأوامر مباشرة منهم عن طريق أفراد عصابته.

     ومنهم المجرم رشيد ياسر سلوم قائد ميليشيا الدفاع الوطني في السويداء، التى كانت بدايته فى ليبيا وعمل بائعاً للفلافل، ثم عاد الى سوريا التحق بميليشيا الدفاع الوطني، وأصبح قائد الميليشيا، وبعد عدة أشهر اشترى فندقاً فى السويداء اسمه الفندق السياحي، وذلك مكافأة له من النظام غير الشرعى على عملياته الإجرامية من خطف وقتل المئات ونهب مئات البيوت وسرقة أرزاق الكثيرين. فقد حصل على ملايين الدولارات بمعية المخابرات العسكرية السورية، ثم سافر مع عائلته الى اسبانيا منذ سنتين بجواز سفره الافريقي المزور الذي منحه اياه حزب الله بقيادة حسن نصرالله وبالتحديد جزر الكناري أجمل بقاع اسبانيا لينعم بمسروقاته.

     وقد جمع المجرم رشيد ياسر سلوم الملايين من التشبيح ومن خلال علاقته بداعش حيث ارتكب العديد من الجرائم الدولية ومنها:

  • عمل حاجز ترفيق على طريق الشام عائد بالغالب لميلشيات الدفاع الوطني، وقد جنى  من خلاله  مئات الملايين من الدولارات من  تهريب السلاح والمازوت والدخان.
  • سيطر على التهريب من السويداء إلى درعا وفرض الاتاوات.
  • باع مواقع كثيرة كان مسيطر عليها “الدفاع الوطني” بالجهة الشرقية من المحافظة لداعش مقابل مبالغ طائله، أدى ذلك لقتل عناصر من هذه المليشيات. 
  • وباع للايرانين ١٢٠ شابًا من السويداء ليقاتلوا بتدمر مقابل مبالغ هائلة ، ثم تركوهم بالصحراء بدون أكل وشرب ولا رواتب ما أدى لوفاة عدد كبير منهم نتيجة ذلك.

  ما سبق ذكره عينة مما ارتكب المجرم رشيد ياسر سلوم ، وهذه الجرائم تخالف الكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التى جرّمت تلك الأفعال واعتبرتها جرائم دولية وهي:

  • اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، والبروتوكول الإضافي الأول للعام 1977م، على أن الدول الأطراف ملزمة بالبحث عن الأشخاص الذين يُدعى ارتكابهم، أو إصدارهم أوامر بارتكاب، انتهاكات لاتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الأول، التي تعد مخالفات جسيمة، وبمحاكمة هؤلاء الأشخاص، بصرف النظر عن جنسيتهم، أمام محاكمها، أو تسليمهم إلى دولة طرف معنية أخرى لتحاكمهم. ونجـد ذلك واضحًا في مـا تنـص عليـه المـواد 49، و50، و129، و146، و147 المشــتركة فــي اتفاقيات جنيــف الأربع، التي ألقـت علـى الـدول التزامًا باتّخـاذ مـا يلـزم مـن إجراءات تشـريعية وتنفيذيـة لقمـع جرائـم الحـرب، وضمـان توقيـع العقـاب علـى الفاعليـن لهـا، بغـض النظـر عـن مـكان ارتـكاب تلـك الجرائـم، أو جنســية مرتكبهـا، وخاصة الاتفاقية الرابعة من تلك الاتفاقيات.
  • الاتفاقية الدولية لحماية كل الأشخاص من الأختفاء القسرى اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 20/12/2006م وفتح باب التوقيع عليها في 6/2/2007م  دخلت حيز النفاذ في 23/12/2010م بعد أن وقعت عليها (98) دولة وصدقت(61) دولة فى أغسطس عام 2019م.
  • اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التى أقرت وعرضت للتوقيع وللتصديق أو للانضمام بقرار الجمعية العامة 260 ألف (د-3) المؤرخ في 9 كانون الأول /ديسمبر 1948 ودخلت حيز النفاذ فى 12 كانون الثاني / يناير 1951، طبقاً للمادة الثالثة عشرة.
  • اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة التى اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة
    للأمم المتحدة 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1984م تاريخ بدء النفاذ: 26 حزيران/يونيه 1987، وفقا لأحكام المادة 27 (1).
  • اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية التى اعتمدت وعرضت للتوقيع وللتصديق والانضمام بقرار الجمعية العامة 2391 ألف (د-23) المؤرخ في 26 تشرين الثاني /نوفمبر 1968م ودخلت حيز النفاذ فى 11 تشرين الثاني /نوفمبر1970, طبقاً للمادة الثامنة. 
  • النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية لعام 2002م فى المواد من الخامسة حتى الثامنة مكرر.

   ترتيبًا على ما سبق، فإن التكييف القانونى لما سبق طبقا للقانون الجنائى الدولى هى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وجرائم تعذيب وإخفاء قسرى وإبادة جماعية، فضلا عن أنها جرائم وطنية مدنية وعسكرية طبقا لقانون العقوبات السورى، وقانون الأحكام العسكرية السورية، لذلك فهو مجرم دولى يجب محاكمته على جرائمه التى ارتكبها ضد الشعب السورى، فقد ارتكب أنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان فضلا عن أنتهاكات خطيرة وجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م والبروتوكول الإضافى الأول لعام 1977م، وهى تعد جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، حتى لا يفلت من العقاب ويكون أسوة سيئة لباقى مجرمى الحرب السورية مرتكبى الجرائم الدولية فى حق الشعب السورى الذى أبتلى بنظامه المجرم فى عهد الوالد والأبن.

     ويآتى دور القضاء الخارجى أو الدولى فى حالتين الأولى فى حالة أنهيار النظام القضائى فى دولة من الدول بحيث لا يستطيع أن يمارس القضاء وظيفته الأصلية فى معاقبة المجرمين وإقرار العدالة، والثانية فى حالة رفض أو عزوف القضاء الوطنى عن ممارسة ولايته على الجرائم التى وقعت فى نطاق أختصاصاته، وما سبق متوافر فى الحالة السورية، والأخيرة أظهر وأوضح حيث أن قرار المحاكمة لهؤلاء المجرمين فى يد طاغية سوريا ونظامه غير الشرعى، لذلك يجب البحث عن طريقة لمحاكمة هؤلاء المجرمين الدوليين أمثال رشيد وغيره من سبيحة النظام قتلة الشعب السورى الذى أبتلى بهم وبنظامهم، لذلك تطبيقا لمبدأ مكافحة الإفلات من العقاب ومبدأ عالمية العقاب، على الجرائم الجسيمة ضد الإنسان وحقوقه وحرياته الأساسية وتلك المخالفات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م وخاصة الاتفاقية الرابعة لحماية المدنيين، والبروتوكول الإضافى الأول لعام 1977م الملحق باتفاقيات جنيف السابقة.    

   وطالما أن المجرم رشيد ياسر سلوم موجود على الأراضي الإسبانية لذلك يحق للقضاء الإسبانى محاكمة المجرم رشيد طبقًا للاختصاص القضائى العالمي، وهو مبدأ وقاعدة عامة آمرة من قواعد القانون الدولى الجنائى والقانون الجنائى الدولى، وقد أعطى قانون العقوبات الإسبانى الحق للقضاء الوطنى الإسبانى حق محاكمة المجرمين الدوليين أمثال رشيد الذين ارتكبوا جرائم دولية خارج الأراضى الإسبانية. 

فى الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2005م أصدرت المحكمة الدستورية في إسبانيا حكمًا تاريخيًا تعلن فيه أهلية القضاء الإسباني لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي وقعت خارج الأراضي الإسبانية على الأراضي الإسبانية.  هذا القرار ليعيد الاعتبار للاختصاص الجنائي العالمي باعتباره مبدأ أساسي من مبادئ إقامة العدل في إسبانيا. وقد نص حكم المحكمة الدستورية على (إن مبدأ الاختصاص الجنائي العالمي يتقدم على المصالح الوطنية) وحسب المحكمة، يكفي لتفعيل هذا المبدأ، بكل ما يتعلق بالجرائم الواقعة خارج الأراضي الإسبانية، وجود دلائل جدية ومنطقية لعدم فعالية السبل القضائية المتبعة في مكان الجريمة. وقد رفضت المحكمة الدستورية الأسبانية الضغوطات الأمريكية التي تحارب في كل مكان تطبيق الاختصاص الجنائي العالمي، ولم تأبه بكافة الضغوطات التى مارست عليها استنادًا على أن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان فوق المصلحة الوطنية.

     فقد سمحت المحاكم الإسبانية بنظر تلك الدعاوى في إسبانيا، عملا بمبدأ عالمية الاختصاص القضائي، وهو المبدأ المكرس في التشريع الإسباني، إذ بنى القضاء الإسباني أمره بالقبض ومحاكمة بينوشيه على طبيعة الجرائم المتبع عليها؛ فهي  جرائم تمس القيم العليا للجماعة الإنسانية والقانونية للجماعة الدولية فهي تعتبر من قبيل حرائم الشعوب، وبالتالي إخضاعها لمبدأ عالمية العقاب، فهي جرائم يجرمها العرف الدولي، وهي من القواعد الآمرة في القانون الدولي. وقد سبق أن فتح القضاء الإسبانى التحقيق  فى قضية واحدة ضد تسعة مسئولين رفيعي المستوى يعملون في أجهزة المخابرات السورية، منهم اللواء علي مملوك واللواء عبد الفتاح قدسية واللواء محمد ديب زيتون واللواء جميل حسن، حيث وجّهت للمذكورين تهم تتعلق بالاختفاء القسري ،والتعذيب بناء على شكوى تقدمت بها مواطنة سورية أمام المحكمة الوطنية الإسبانية، ولا تزال القضية تنظر من قبل المحكمة الإسبانية العليا.

     ومن خصائص القواعد الآمرة فى القانون الدولي، أنها لا يجوز مخالفتها، ولا يجوز حتى الاتفاق على مخالفتها من قبل الأطراف، ويقع أي اتفاق على مخالفتها باطل بطلانا مطلقًا وهو أعلى درجات البطلان فى كافة الأنظمة القانونية وكافة القوانين الدولي والوطنى، وتعتبر عملاً ماديا يقف عند حده، أى لا يرتب القانون الدولى أى آثار قانونية عليها فهى والعدم سواء، ولا يجوز منح المتهم بتلك الجرائم أى عفو أو حصانة حتى رؤساء الدول لا يمكن دفع التهم بأنهم لديهم حصانة، فقد نصّ النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية فى المادة(27) منه على عدم الاعتداد بالصفة الرسمية للمتهم، ونصت المادة (28) منه على مسئولية القادة والرؤساء الآخرين عما ارتكبوه من جرائم فى حق شعوبهم، لذلك استقر مبدأ عدم تمتع مرتكبى الجرائم الدولية بأي حصانة أو عفو فى القانون والقضاء الدوليين.

ترتيبًا على ما سبق، لا يوجد أي مانع قانونى من محاكمة المجرم رشيد وأمثاله على جرائهم فى حق الشعب السورى أمام القضاء الإسبانى، وأى دولة منحت محاكمها الاختصاص العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى