بحوث ودراسات

الأسس القانونية للتدخل الدولي الإنساني دراسة حالة ليبيا 2 من 2

الدكتور السيد مصطفى أبو الخير

خبير أكاديمي في القانون الدولي
عرض مقالات الكاتب

ثانيا: دراسة تطبيقية على حالة ليبيا:

على الرغم من أن الثورة فى ليبيا قامت فى شهر فبراير عام 2011م، بعد الثورة التونسية والمصرية، التى كانت تهدف لوضع حد لنظام القذافى السلطوى الديكتاتورى، إلا أنها حتى تاريخه لم تحقق شيئًا مما كان يصبو إليه الشعب الليبي، حيث يناضل الشعب الليبي حتى الآن لوضع خريطة طريق تحقق تطلعات الشعب الليبى فى الحريات والكرامة والأستقلال([1]) ويرجع ذلك للتدخلات الخارجية العالمية والإقليمية، التى عرقلت تحقيق أهداف ثورة 17 فبراير 2011م، وهذا ما نتناوله بالدراسة هنا.

     ليبيا الآن يتنازع الحكم فيها حكومتان، الأولى حكومة الوفاق الوطنى برئاسة فايز السراج والمعترف بها دوليًا، والأخرى حكومة ما يسمى بحكومة الإنقاذ الوطنى بقيادة خليفة حفتر التى تستند على المؤتمر الوطنى (برلمان طبرق المنتهية ولايته) وكل منهما يستند على دعم خارجى من أطراف عالمية وإقليمية، دعم كامل سياسى وعسكرى واقتصادى، على الصعيدين الدولى والإقليمى وحتى فى الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى، ولولا هذا التدخل لحسم الشعب الليبيى أمره من بداية الثورة، ولكن الأطماع الدولية والإقليمية فى ثروات ليبيا، وتنفيذ مخطط تقسيم ليبيا لشرق وغرب أو البديل إخضاع الشعب الليبي لسيطرة الإنقاذ الوطنى.

     ونتيجة لذلك، تكبد الشعب الليبى كثيرا من الخسائر فى الأرواح والممتلكات، ومزيدا من البطش والعنف وإنفلات الأمن وعدم الأستقرار وأنتهاكات لأبسط حقوق الإنسان فى طول البلاد وعرضها، فليبيا اليوم تتنازعها أسترتيجتان كل منهما مناهضة ومعارضة ومختلفة للأخرى، فحكومة الإنقاذ الوطنى بقيادة حفتر التى تتلقى دعما بلا حدود وخاصة العسكرى من كل من مصر والأمارات وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية من وراء حجاب، حيث يتمتع حفتر بالجنسية الأمريكية، ونتيجة لذلك الدعم وصل حفتر بقواته العسكرية على مشارف العاصمة طرابلس بل وحصارها طويلا هى وحكومة الوفاق الوطنى المعترف بها دوليًا، ولولا التدخل التركى بالمساعدة العسكرية غير المحدودة لكان الأمر استقر لحفتر وحكومته، ولكن الأمر تغير لصالح حكومة الوفاق الوطنى( المعترف بها دوليا) مما أجبر حفتر وداعميه للجوء للمفاوضات التى طالما أفشلها حفتر وداعموه عمدًا فى ألمانيا وروسيا، آملا فى حسم المعركة عسكريا ودخول طرابلس وحكم ليبيا بلا منازع.

= دور جامعة الدول العربية فى الأزمة الليبية: كان موقفها من الثورة الليبية مخالف تمامًا لما حدث فى تونس ومصر، فقد وقفت منذ البداية مع الثوار وأيدت الثورة الليبية([2]) وفى 23 فبراير 2011م قرر مجلس جامعة الدول العربية تعليق عضوية ليبيا بالجامعة ،ومنع مشاركتها فى اجتماعات مجلس الجامعة وكافة المنظمات التابعة لها، حتى يوقف نظام القذافى انتهاكاته لحقوق الانسان فى ليبيا، وفى 2 مارس 2011م صدر القرار رقم (7298) على المستوى الوزارى وكان هذا القرار رافضًا لأى تدخل أجنبى فى الأزمة الليبية، ولكن وفى 12 مارس 2011م أصدر مجلس وزراء الخارجية العرب القرار رقم (7360)، دعا فيه وزراء الخارجية العرب مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين، مشددين في الوقت نفسه على رفضهم أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، وتضمن القرار العربي نزعًا للشرعية عن نظام القذافي. وقرر وزراء الخارجية العرب التوجه للأمم المتحدة بطلب فرض حظر جوي على ليبيا، والبدء باتصالات مع المجلس الانتقالي الليبي المؤقت؛ وقد أضفى هذا القرار الشرعية على التدخل الدولى فى ليبيا  ومهد لصدور قرار مجلس الأمن رقم (1973) الذى خول حلف شمال الأطلسى (الناتو) مهمة تنفيذ الحظر الجوى، وقد أعترفت جامعة الدول العربية بالمجلس الأنتقالى الليبيى ممثلا لليبيا داخل الجامعة.

= دور مجلس التعاون الخليجى فى الأزمة الليبية: أظهرت دول مجلس التعاون الخليجى تعاطفا مع الشعب الليبيى، ولم يقف هذا التعاطف عند حد محاسبة القذافى، بل أيدت أية إجراءات دولية ترفع المعاناة عنه، فقدمت المساعدات الإنسانية والطبية للشعب الليبي، كما أتخذت خطوات داخل مجلس الأمن لمنع القذافى من أرتكاب أنتهاكات جديدة ضد الشعب الليبي، ومن دعمها أيضا أنها أعترفت بالمجلس الأنتقالى الليبى، وكان ذلك قرارا صادرا عن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى فى 7 مارس 2011م، وفى 11 مارس أكد وزراء خارجية دول مجلس التعاون على عدم شرعية نظام القذافى، واعتبار المجلس الأنتقالى الليبي هو الممثل الشرعى الوحيد للشعب الليبي، وكانت قطر أول من أعترف بذلك فى 28 مارس 2011م، وقامت بتسليح الثوار الليبيين ومثلها فعلت الإمارات والسعودية.

= الإتحاد الأفريقى: كان الموقف الإفريقى فى البداية متحفظا على ما يجرى فى ليبيا رافضًا أى تدخل خارجى فى ليبيا، وذلك فى اجتماعه فى 12 مارس 2011م، وبخاصة مجلس السلم والأمن الإفريقى، ولم يعلق مشاركة ليبيا فى اجتماعاته، وتحفظ على عمليات حلف الناتو التى خرجت عن هدفها فى حماية المدنيين، وطالب بضروة ألتزام حلف شمال الأطلسى (الناتو) بالقانون الدولى فى تنفيذ عملياته تطبيقًا للقرار رقم 1973م، كما عقد الاتحاد الإفريقى قمة بشأن الوضع فى ليبيا فى 25 مارس 2011م، وفى يوم 10 أبريل 2011م([3]) وقدم الإتحاد الإفريقى خارطة الطريق الإفريقية التى جاءت بعد تشكيل الإتحاج لجنة خماسية، أصدرت مبادرة طالب بضرورة وقف جميع العمليات العدائية بسرعة، وفتح حوار بين الأطراف الليبية، وضمان إدارة المرحلة الأنتقالية بعمل أصلاحات سياسية تحقق أهداف الثورة الليبية، ولم يستطع الإتحاد الإفريقى فرض تلك المبادرة على الأطراف الليبية، وفشلت المبادرة نتيجة الضغوطات والتدخلات الخارجية([4]).

= دور حلف شمال الأطلسى (الناتو) فى الأزمة الليبية: تطبيقا لاستراتيجية الحلف الجديدة لما بعد الحرب الباردة والتى نصت على توسيع مهمة الحلف ونطاقه، وخلافا للمادة الخامسة من ميثاقه، وجاء فيه(ضرورة أن يبقى الحلف على أهبة الأستعداد للأسهام فى كل حالة على حدة وبصورة جماعية فى الوقاية بفاعلية فى النزاعات والمشاركة بنشاط فى إدارة الأزمات بما يتضمنه ذلك من عمليات الرد على الأزمات، وذلك وفق القرارات الأممية ووفقا لهذا المفهوم فقد أتسعت مجالات التدخل العسكرى للحلف لتشمل الأسباب الإنسانية، وعمليات حفظ السلام، ومنع الأنتشار النووى، سواء داخل أوربا أو خارجها، وهو ما يعنى تعديل المادة الخامسة من ميثاق نظامه التى لم تكن تبيح ذلك التدخل من قبل)([5]). وقد خرج حلف شمال الأطلسى (الناتو) عن مهمته التى حددها قرار الأمم المتحدة رقم (1973)، حيث قامت قوات الحلف بالعديد من الطلعات الجوية والضربات باستهداف أهداف غير عسكرية، وساعدت كثيرًا قوات المعارضة ومكنتها من دخول العديد من المدن الليبية ،وفك الحصار عن بعض المدن التى كانت تحت سيطرة قوات القذافى، مما أوقع العديد من القتلى المدنيين وهزيمة القذافى.      

=  دور الأمم المتحدة فى الأزمة الليبية: بعد أن تفاقمت الأوضاع فى ليبيا، وزاد نظام القذافى من أستخدامه للقوة ضد الشعب الليبيى، أصدر مجلس الأمن فى 26 فبراير 2011م القرار رقم (1970) فى جلسته رقم (6498) طبقا للمادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة، أتخذ فيه عدة تدابير لوقف الأنتهاكات الجسيمة والممنهجة والمستمرة على حقوق الإنسان فى ليبيا، منها أحالة الوضع فى ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة مرتكبى الجرائم الدولية ضد الشعب الليبي، كما حظر مجلس الأمن توريد أى أسلحة إلى ليبيا، وحظر السفر على عدد(16) شخصية فى النظام الليبي، تجميد الأصول المالية الليبية فى الدول، ولم يخول مجلس الأمن أى دولة حماية حقوق الإنسان فى ليبيا بل حمل الدولة الليبية مسئولية ذلك. لم توقف الوسائل السلمية انتهاكات حقوق الإنسان فى ليبيا، بسبب تعنت النظام الليبى وأستمرار أنتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان فى ليبيا، وعدم أمتثاله للقرار (1970) أخذ مجلس الأمن بالتدابير العسكرية بالفصل السابع طبقا للمادة (42) من الميثاق، أصدر مجلس الأمن القرار (1973) فى 17 مارس عام 2011م، قرر فيه أن الحالة فى ليبيا وأستمرارها يهدد السلم والأمن الدوليين، حيث فرض فيه عقوبات عسكرية لحماية المدنيين فى ليبيا([6]).

     وفرض هذا القرار حماية المدنيين، وفرض منطقة حظر جوى، مع تطبيق حظر الأسلحة على نطاق أوسع من القرار رقم (1970) وحظر الرحلات الجوية وتجميد الأصول المالية، وقد صدر القرار فى مجلس الأمن بتأييد عشر دول وأمتناع خمسة عن التصويت، ويعد مؤتمر باريس الذى عقد فى 19 مارس 2011م البداية الحقيقية والفعلية لتطبيق القرار رقم (1973) والقاضى بالتدخل الدولى العسكرى لحماية المدنيين، التى بدأت فى 19 مارس 2011م، وفى 27 مارس 2011م تولى حلف شمال الأطلسى (الناتو) رسميا قيادة العمليات العسكرية ضد ليبيا، تحت أسم (الحامى الموحد) وجاء ذلك حسما للخلافات حول من يتولى قيادة العمليات العسكرية ضد ليبيا، وفى 31 مارس 2011م نفذ هذا الحلف ضرباته الجوية، وشاركت ثلاث دول الحلف فى العمليات العسكرية هى الامارات وقطر والأردن، وقد نتج عن هذه العملية أنتصار المعارضة على قوات نظام القذافى، وقد تكونت هذه العملية من ثلاثة عناصر هى([7]): أولا: تنفيذ حظر الأسلحة التى بدأ فى 23 مارس 2011م. وثانيا: إقامة منظقة حظر الطيران التى بدأت فى 25 مارس 2011م. وثالثا: حماية المدنيين من الهجوم والتى بدأت فى 31 مارس 2011م.              

نتائج التدخل الدولى العسكرى فى ليبيا: نتج عنه انتهاكات قانونية تمثلت فى الآتى:

= تجاوز حلف شمال الأطلسى (الناتو) التفويض الممنوح له فى القرار رقم (1973) فقد حالت الاعتبارات السياسية دون تحقيق الأهداف المرجوه من التدخل ومن القرار.

= تجاوز الناتو القرار السابق فى ثلاث مواضع، قصف السكان المدنيين ومناطق غير عسكرية ومدنية بالطبع ولا تعتبر أهدافا عسكريا وفقا للقانون الدولى الإنسانى وخاصة اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م والبرتوكوليين الإضافيين لهما لعام 1977م، وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة([8]).

  • خرق حظر الأسلحة بتسليح المعارضة بتوريد وتزويدها بالسلاح، علما بأن القرارين (1970 و1973) حظرا توريد السلاح إلى ليبيا.
  • انحراف التدخل من حماية المدنيين إلى إسقاط النظام، علما بأن تنحية القذافى عن الحكم لم تكن ضمن بنود القرار رقم (1973) تلك تعتبر سابقة خطيرة فى المجتمع والنظام الدولى ليس لها أى سند من القانون الدولى العام وفرعيه القانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى لحقوق الإنسان، فضلا عن مخالفته لميثاق الأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الاتحاد الإفريقى، إضافة إلى مخالفته لميثاق حلف شمال الأطلسى (الناتو) خاصة المادة الخامسة منه. 
  • دور بعض الدول المتدخلة فى الأزمة الليبية مباشرة: نتولى بالدراسة هنا دور الدول المؤثرة على أرض الواقع فى ليبيا، بداية من مصر التى تقف داعما رئيسيا لحفتر الذى يقف ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا لا تبخل عليه بأى مساعدات سياسية وعسكرية ومناصرة فى المحافل الدولية وقدمت مصر مبادرة لكن طواها النسيان ولم تؤثر على الأرض. وهناك الأمارات التى تقف فى نفس صف مصر دعما عسكريا وسياسيا بلا حدود، ولقد رفض حفتر ومن يسانده مصر والأمارات والأردن عربيا وفرنسا ورسيا عن طريق قوات المرتزقة فاغنر والأسلحة المتطورة والولايات المتحدة الأمريكية من وراء حجاب غربيًا، العديد من المبادرات السياسية التى تقدم بها الاتحاد الأوربى سواء من المانيا أو فرنسا وأيضا روسيا، حيث كان يعتمد حفتر طوال السنوات السابقة على انتصاراته العسكرية حتى أنه حاصر العاصمة الليبية مدة طويلة وكان على أبوابها وقد حاولت العديد من دور الجوار إجراء حوار بناء بين الفرقاء فى ليبيا حكومة الوفاق وحفتر لكن كان حفتر يرفض أى حوارات أو الألتزام بأى مبادرات سياسية.

     وكان الوضع على الأرض لصالح حفتر حتى أستغاثت حكومة الوفاق وطلبت رسميا من تركيا التدخل لأنقاذ الموقف المتهور ووقف زحف حفتر وقواته إلى العاصمة طرابلس وفك الحصار عنها وبناء على طلب حكومة الوفاق هذا تدخلت تركيا بالدعم العسكرى لقوات حكومة الوفاق، مما أدى إلى أنتصاراته كبيرة فى مدة قليلة وخسر حفتر وقواته مواقع استراتيجية مهمة أهمها قاعدة الوطية العسكرية وفقد السيطرة على العديد من المدن حتى أنه تراجع وأنسحب من على أبواب طرابلس إلى سرت والجفرة، هنا تعالت الأصوات بوقف الحرب وعمل هدنة هشة مازالت شبه قائمة.

     ترتيبا على ما سبق، نرى أن حفتر خارج الشرعية الدولية هو ومن يسانده عربيا وغربيا، وقد أرتكب العديد من الجرائم ضد الشعب الليبى مما جعل الأمم المتحدة عن طريق مجلس الأمن أحالة الوضع فى ليبيا للمحكمة الجنائية الدولية، كما أن مساعدة حفتر تعد جريمة عدوان طبقا للمادة الثامنة مكرر من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، وما يفعله حفتر ومن يدعمه يشكل أنتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولى المعاصر.

     أما التدخل التركى الذى جاء بناء على طلب من حكومة شرعية معترف بها دوليًا حتى من الأمم المتحدة وغيرها من الدول والمنظمات الدولية الإقليمية، فقد استوفى شروط شرعية التدخل الدولى الإنسانى السابق ذكرها حيث جاء الطلب من الحكومة الشرعية ضد معتدى ولصالح الشعب الليبي، كما أنه فعلا أوقف انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان فى ليبيا، وأدى إلى ردع العدوان، صحيح أنه لم يصل بعد لهدفه فى انهاء معاناة الشعب الليبي إلا أنه يعمل فى سبيل تحقيق هذا الهدف بوقف الاعتداء وانتهاكات حقوق الإنسان فى ليبيا، كما أن حكومة الوفاق لم تتردد فى أى وقت من تلبية التفاوض والأتفاق بين اطراف الأزمة فى ليبيا إلا أنه حفتر وداعيمه كانوا دائما يرفضون ذلك ومازالوا حتى الآن. لذلك فالتدخل التركى جاء شرعيا وتطبيقا لقواعد القانون الدولى الإنسانى ومواثيق وقرارات المنظمات الدولية الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى.

الخاتمة

     موضوع التدخل الدولى الإنسانى فى ليبيا، تناولناه فى بندين الأول: التدخل الدولى الانسانى فى القانون الدولى التقليدى والمعاصر، وبينا آارء الفقه الدولى حول مشروعية التدخل الدولى الإنسانى، فقد أختلف الفقه التقليدى والمعاصر حول مشروعية هذا التدخل، ويكاد يكون الرأى فى الفقهين التقليدى والمعاصر واحد، حيث أن الرأى الراجح هو عدم مشروعية التدخل الدولى الإنسانى، ومن وافق عليه أشترط شروطًا هى:  

أ – يجب أن تكون عملية التدخل الإنسانى التى تقوم بها الأمم المتحدة ليست تطبيقًا للفقرة الرابعة من المادة الثانية من الميثاق.

ب – يجب أن تكون عملية التدخل الإنسانى فى حالات المعاناة الشديدة والمنظمة التى يعانى منها الأفراد، مثل حالات الإبادة الجماعية والتطهير العرقى والقمع الوحشى واسع النطاق، لإرغام مجموعة من الناس على الخضوع، بمعنى أن تؤدى لتهديد السلم والأمن الدوليين.

ج – يجب بداية استنفاد كافة الوسائل السلمية الأخرى، التى تحترم سيادة الدولة المعنية، فلا يتم اللجوء إلى التدخل العسكرى مباشرة دون اللجوء للوسائل السلمية، مع مراعاة ألا ينتج عن التدخل آثار أكثر خطورة مما لو ترك الأمر للحل داخليًا.

د – يجب أن يكون التدخل مجردا من كل غرض ذاتى للدولة المتدخلة، ويجب أن تتناسب الوسائل المستخدمة مع الهدف الذى تم التدخل بشأنه.

كما عرضنا لمفهوم التدخل الدولى فى المنظمات الدولية الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، وأيضا لآراء فقهاء القانون الدولى فى القانون الدولى التقليدى والقانون الدولى المعاصر، ورأينا أن هناك خلافًا كبيرًا على شرعية التدخل الدولى الإنسانى ومن أجازه لها العديد من التحفظات والشروط عليه، وأيضا رأينا رفض محكمة العدل الدولية للتدخل الإنسانى إلا عن طريق المنظمات المتخصصة فى ذلك مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الدولية للهلال الأحمر، ورأينا المحكمة الجنائية الدولية تفرض عقوبات على من ينتهك حقوق الإنسان سواء أثناء السلم أو أثناء الحروب خاصة فى المواد من الخامسة إلى الثامنة مكرر من نظامها الأساسى، وأنتهينا إلى أن التدخل الدولى الإنسانى محل خلاف حول شرعيته، والرأى الراحج عدم شرعيته إلا بشروط .

حتى القضاء الدولى أكد على مثل تلك الشروط حيث قضت محكمة العدل الدولية فى التدخل الأمريكى فى نيكارجوا بمثل ذلك.

أما البند الثانى فكان بعنوان: دراسة تطبيقية على حالة ليبيا.

   فى ليبيا يتنازع الأمر حكومتان الأولى حكومة الوفاق الوطنى المعترف بها دوليا يرأسها فائز السراج، وهى الحكومة الشرعية، وحكومة الإنقاذ الوطنى بقيادة حفتر المدعومة من بعض الدول العربية والغربية، لمنع نجاح الثورة الليبية وتقرير الشعب الليبيى لحقه فى أختيار من يحكمه، ورصدنا لأعمال المنظمات الدولية جامعة الدول العربية، التى وقعت منذ البداية مع الثوار، والأتحاد الأفريقى الذى حاول حل الأزمة الليبية سلميا عن طريق تقريب وجهات النظر وعمل مبادرة لكن التدخلات الخارجية أفشلتها، وحلف شمال الأطلسى (الناتو) الذى كان أداة تنفيذية فى يد الأمم المتحدة ولكنها تجاوز مهمته وقصف مدنيين وخرج عن المهمة الأصلية وحقق هدف آخر هو إسقاط نظام القذافى والأمم المتحدة، التى أصدر مجلس الأمن قرارين هما القرار رقم (1970) والقرار رقم (1973)، فى محاولة منه لحل الأزمة الليبية ووقف انتهاكات النظام اللليبى لحقوق الإنسان الليبى، لكن تحقق هدف آخر وهو إسقاط نظام القذافى، ولم تمكن الشعب الليبيى من حكم نفسه، بل زادت معاناته وكثرت، ودور بعض الدول فى الأزمة الليبية، ورأينا أن بعض الدول مثل مصر والامارات وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية من وراء حجاب تقف مع حفتر

 وانتهينا إلى أن الكل تجاوز حدوده فى حل الأزمة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وزيادة معاناة الشعب الليبى الذى مازال يعانى حتى الآن من التدخلات الخارجية العالمية والإقليمية التى تعرقل بشدة وضع حد لنهاية معاناة الشعب الليبي، وأن التدخل التركى جاء تطبيقا لقواعد القانون الدولى الإنسانى ومواثيق وقرارات المنظمات الدولية الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى، أما حفتر ومن يدعمه فخارج إطار الشرعية الدولية والقانون الدولى المعاصر.

قائمة المصادر والمراجع

= أولا: الوثائق:

  أنظر ملحق قرار جامعة الدول العربية رقم (7360).

– موجز الأحكام والفتاوى والأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية.

– الفقرات من (83 حتى 89) من اللجنة الدولية لتقصى الحقائق حول ليبيا، المقدمة الى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فى الوثيقة رقم ((A/HRC/19/68.

= ثانيا: الكتب العربية:

– الأستاذ/ أحمد الزروق الرشيد، البعد الدولى لثورة 17 فبراير الليبية، فى التقرير الاستراتيجى الليبى، عام 2012م، طرابلس هيئة دعم وتشجيع الصحافة، عام 2014م.

  – الدكتور/ تونسى بن عامر، قانون المجتمع الدولى المعاصر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، عام 1992م.

– الدكتور/ حسام حسن مصطفى حسان، التدخل الإنسانى فى القانون الدولى المعاصر، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، عام 2004م.

– دكتور/خالد محمد خيرالله، السيادة فى القانون الدولى بين الأبعاد القانونية والأبعاد السياسية، الطبعة الأولى مطبعة إيمان للنشر، 2006م.

  – الدكتور/ سعيد سالم جويلى، أستخدام القوة المسلحة فى القانون الدولى العام، المجلة القانونية الاقتصادية، كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، عام 1993م.

– ريتشارد بارنت، حروب التدخل الأمريكى فى العالم، ترجمة منعم النعمان، بيروت، دار ابن خلدون، عام 1974م، ص: 249. 

– زياد عقل، الإتحاد الإفريقى والثورة الليبية البروتوكولات والمصالح، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، عام 2011م.

– الدكتور/ عاطف على على الصالحى، مشروعية التدخل الدولى وفقا لقواعد القانون الدولى العام، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، عام 2007م.

– دكتورة/ عفاف بشير عباس عمر، التدخل الدولى الإنسانى بين حماية حقوق الإنسان وأنتهاك سيادة الدول، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة الرباط الوطنى، كلية الدراسات العليا، عام 2015م.

– الدكتور/عبد اليزيد داودى، التدخل الإنسانى فى ضوء ميثاق منظمة الأمم المتحدة، دراسة حالة إقليم كوسوفا نموذجا، رسالة ماجستير، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة 8 مايو 1945م، قالمة، الجزائر، عام 2012م.

– الدكتور/عبد القادر البقيرات، التدخل من أجل الإنسانية، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية، العدد الأول، المركز الجامعى الجلفة، عام 2008م.

– الدكتور/عماد الدين عطاء الله المحمد، التدخل الإنسانى فى ضوء مبادئ وأحكام القانون الدولى العام، دار النهضة العربية، القاهرة، 2007م.

– الدكتور/ محمد خليل الموسى، أستخدام القوة فى القانون الدولى المعاصر، دار وائل، الآردن، الطبعة الأولى، عام2004م.

  – الدكتور/ محمد غازى ناصر الجنابى، التدخل الإنسانى فى ضوء القانون الدولى العام، الطبعة الأولى منشورات الحلبى الحقوقية، بيروت،2010م.

– الأستاذ/ محمد السبيطلى، الأزمة الليبية بين التدخلات الدولية والوساطات الإقليمية، مركز الملك فيصل للبحوث وللدراسات، سلسلة دراسات، العدد (25)، يوليو 2017م.

الدكتور/ مصطفى رمضان مصطفى حامد، الأمن الجماعى الدولى فى مواجهة العدوان وفقا لقواعد القانون الدولى، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، عام 2009م.

– الدكتور/ مصطفى علوى سيف، استراتيجية حلف الأطلنطى تجاه منطقة الخليج، سلسلة دراسات أستراتيجية، مركز الأمارات للدرسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 129، عام 2008م.

– الدكتورة / وهيبة العربى، مبدأ التدخل الدولى الإنسانى فى إطار المسئولية الدولية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة وهران، الجزائر، عام 2014م.

  – الدكتور/ يوسف محمد الصوانى، أنتفاضة 17 فبراير فى ليبيا: أسقاط النظام وقضايا بناء الدولة، يوسف محمد الصوانى وريكاردوا رينيه لاريمومنت (محرران) فى الربيع العربى الانتفاضة والأصلاح والثورة، بيروت، مندى المعارف، عام 2013م.

– الدكتور/ يوسف الرفاعى يوسف محمد، التدخل الدولى فى ليبيا وتداعياته على كيان الدولة وسيادتها الوطنية خلال الفترة من 2011م – 2015م، رسالة ماجستير، جامعة بنغازى، كلية الاقتصاد، عام 2019م.

= رابعا: الكتب الأجنبية:

Bernstein darrid, internationalcaut of justice, case concerning military and paramilitary activities in and agaunstnicaragua, Law journal, Vol28n1, winter 1987,

– Francis Fukuyama” the end of History” the international interest. No. 16(Washington, summer 1989).

– Wolter R. Mead. “The American Foreign Policy tradition” World Policy Journal, Vol. 11, No. 4, (New York: winter 1994- 1995.


[1]  – الأستاذ/ محمد السبيطلى، الأزمة الليبية بين التدخلات الدولية والوساطات الإقليمية، سلسلة دراسات، العدد (25)، يوليو 2017م، مركز الملك فيصل للبحوث وللدراسات، ص: 6.

[2]  – أنظر ملحق قرار جامعة الدول العربية رقم (7360)

[3]  – الأستاذ/ أحمد الزروق الرشيد، البعد الدولى لثورة 17 فبراير الليبية، فى التقرير الاستراتيجى الليبى، عام 2012م، طرابلس هيئة دعم وتشجيع الصحافة، عام 2014م، ص: 84.

[4]  – زياد عقل، الإتحاد الإفريقى والثورة الليبية البروتوكولات والمصالح، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، عام 2011م، ص: 76.

[5]  – الدكتور/ مصطفى علوى سيف، استراتيجية حلف الأطلنطى تجاه منطقة الخليج، سلسلة دراسات أستراتيجية، مركز الأمارات للدرسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 129، عام 2008م، ص: 121.

[6]  – الدكتور/ يوسف محمد الصوانى، أنتفاضة 17 فبراير فى ليبيا: أسقاط النظام وقضايا بناء الدولة، يوسف محمد الصوانى وريكاردوا رينيه لاريمومنت (محرران) فى الربيع العربى الانتفاضة والأصلاح والثورة، بيروت، مندى المعارف، عام 2013م، ص: 124- 125.

[7]  – الدكتور/ يوسف الرفاعى يوسف محمد، التدخل الدولى فى ليبيا وتداعياته على كيان الدولة وسيادتها الوطنية خلال الفترة من 2011م – 2015م، رسالة ماجستير، جامعة بنغازى، كلية الاقتصاد، عام 2019م، ص: 114 وما بعدها.

[8]  – أنظر الفقرات من (83 حتى 89) من اللجنة الدولية لتقصى الحقائق حول ليبيا، المقدمة الى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فى الوثيقة رقم ((A/HRC/19/68.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى